يوصف مستقبل الصناعة النفطية في العالم بالواعد على المديين المتوسط والطويل، ويؤكد الخبراء بقناعة راسخة أن استقرار الأسواق عامل مهم بالنسبة لجميع المنتجين، سواء المنضوين تحت لواء منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» أومن خارجها، ويعوّل كثيرا على النشرية الخاصة بالسوق البترولية، التي يرتقب إطلاقها العام المقبل من طرف منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، من أجل تسليط الأضواء لتقدير المؤشرات الكبرى للآفاق العالمية للبترول إلى غاية عام 2040، أي رصد دقيق ومبكر ووضع الأعين على إجمالي ثروات الذهب الأسود التي تتوفر عبر الأسواق النفطية في العالم. وينتظر أن تقوم «أوبك» وشركائها بإعداد أرضية صلبة للعمل مع جمع مختلف السناريوهات والتوقعات، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن العالم التكنولوجي سيتقدم على المديين المتوسط والبعيد. لكن تبقى مصلحة المنتجين والمستهلكين في رواق واحد تؤخذ بعين الاعتبار حفاظا على نموالاقتصاد العالمي. يتمّ التحضير في الوقت الحالي من أجل إطلاق الآفاق الشاملة للبترول، ولأول مرة تمّ فتح هذا الملف بالجزائر خلال اجتماع دول أوبك وشركائها المنتجين الأخير، حتى يعطيه دفعا قويا نحوالأمام، على خلفية أن الآفاق الأولى انطلقت في عام 2007، ثم في 2016، والعمل جاري بهدف هذا صياغة دراسة لهذه الآفاق مع حلول عام 2020، والهدف الجوهري المتوخى الدفع بخطوات ثابت وسريعة السياسة البترولية نحوالأمام، حتى ينجح في تجاوز الظروف الحالية وتحقيق المزيد من التطور والنجاعة المنشودة من طرف الدول المنتجة للبترول. تحديد الآفاق ورسم المعالم إذا عقدت الدورة الثانية لآفاق البترول بالجزائر على هامش اجتماع منظمة أوبك وشركائها وجاء ذلك خارج سكرتارية منظمة «الأوبك» وبعد الاجتماع الأول الافتتاحي والتحضير بأبوظبي الاماراتية، حيث تمّت صياغة المبادئ الأساسية، وينتظر إعداد أرضية صلبة للعمل مع جمع مختلف السناريوهات والتوقعات، وضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن العالم التكنولوجي سيتقدم على المديين المتوسط والبعيد، وحتى بعد تطوره عبر السنين يصبح بحوزة دول «أوبك» اتفاق التعاون الذي يكتسي أهمية بالغة، والذي يجعلها تنخرط في مسعى التحضير للآفاق البعيدة والمتوسطة التي يصعب الفصل بينها.. اليوم بل والآن قبل أن نصل إلى يوم غد، لأن عدم الاستقرار قد يؤثر على الصناعة النفطية الواعدة مستقبلا، وعلى اعتبار أن تحديد الآفاق ورسم معالمها جيدا تمنح للمنتحين أدواة تقنية للعمل بهدف التحليل والاستشراف الذي بات ضروريا لمنتجي النفط. وكان وزير الطاقة النيجيري «محمد سنوسي باركاندو» قد راهن في آخر تصريح له بالجزائر حمل صبغة تحليلية، على ضرورة تطبيق خيار استشراف الآفاق المستقبلية التي دفعت دول أوبك إلى إطلاق مشروع نشرية ودورية إحصائية سنوية، وقال إن توفرها لن يقتصر عبر الواب والتطبيقات وحدها وإنما كل المعلومات تكون متاحة عبر ع الهواتف الذكية، وينتظر من هذه النشرية لتكون أداة أساسية لتقصي واستشراف الآفاق النفطية، حيث لم يبخل مجمع سونطراك وباعتراف المسؤولين في منظمة «أوبك» بتوفير الدعم العام للنشرية حتى ترى النور، من خلال التسهيل والتسريع في إطلاق النشرية، وكان وزير الطاقة النيجيري قد تحدث عن برنامج هام يحضر بخصوص هذه المسألة، وتقرّر إطلاق نشرية تختزل الآفاق العالمية للبترول إلى غاية عام 2040، وذلك في عام 2019. أي توفر هذه الأخيرة تحليلات استشرافية تسلّط الضوء على تحديات الأسواق وكذا الفرص المتوفرة من أجل تفعيل الصناعة البترولية العالمية، بالإضافة إلى تقييم المؤشرات الكبرى لمعادلتي العرض والطلب. وخلاصة القول إن الرؤية الشاملة التي تتطلع لبلوغها «أوبك»، تصبّ في قناعتها بأن الطلب على الطاقة سوف يرتفع ويشتد خلال ال20عاما المقبلة، لذا تفكر برؤية دقيقة واستشرافية في مستقبل الاستثمار في الطاقة الأولية. شراكة على المدى البعيد وبالعودة إلى اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط وشركائها من المنتجين المستقلين، الذي عقدته نهاية شهر سبتمبر الماضي بالجزائر وحقّق نجاحا كبيرا، انعكس على سقف الأسعار التي ارتفعت بقوة أي إلى ما فوق حدود 85 دولارا، وسط ذهول الخبراء الذين رشحوا أن لا تتجاوز الأسعار نهاية العام الجاري إلى مستوى 75 دولارا فقط، أرسى الرؤية لبناء شراكة تمتد على المدى البعيد، حيث تتجاوز الاتفاقيات المرحلية القصيرة بعد الضبابية التي سادت مشهد الأسواق النفطية، ولاشك في أن اجتماع «أوبك» وشركائها الأخير بالجزائر، سمح بإعطاء الضوء الأخضر لتتضح معه الأفق، علما أن الحفاظ على قرارات شهر جوان بالرفع من الإنتاج من دون الإخلال باتفاق التخفيض، جاء قرارا صائبا بل وثمن آلية الحوار داخل «أوبك» ومن خارجها حول معادلة أسعار متماسكة وأسواق متوازنة، ويعوّل على اجتماع شهر نوفمبر الداخل المقرّر عقده بأبوظبي الاماراتية، أن يمنح نفسا جديدا في مسار الشراكة بين أوبك وبقية شركائها من المنتجين الكبار المستقلين في صدارتهم روسيا. والجدير بالإشارة، فإن الاجتماع المقبل لمنظمة «أوبك وشركائها مقرّر في 11 نوفمبر المقبل في أبوظبي، حيث سيكون اجتماعا تحضيريا من أجل تجديد العمل باتفاق التخفيض الذي ينتهي سريانه مع نهاية العام الجاري ورفع المقترحات، من أجل للقاء فيينا المنتظر في ديسمبر المقبل للحسم في القرار الأخير والتوقيع عليه، حيث ستطرح خيارات قوية وسيكون الاتفاق على نوع الإستراتيجية المستقبلية التي سيتم تطبيقها، وإن كان مسؤولو»أوبك في اجتماع الجزائر لم يخفوا بأنهم يبحثون عن اتفاق تعاون طويل الأمد غير محدد بفترة زمنية، ومن الطبيعي أن يوقع شهر ديسمبر المقبل أي مع نهاية مدة الاتفاق الحالي، ويأتي حرص المنتجين للنفط من داخل وخارج «أوبك» على الحفاظ على إطار التعاون الاستراتيجي الذي سمح بإنقاذ انهيار الأسعار وصحح معادلتي العرض والطلب التي صارت متوازنة، حتى يكون عام 2019خاليا من أي مخاطر. الجزائر عبّدت مسار التوافق إذا تتمّ في الوقت الراهن صياغة ميثاق تعاون لسنة 2019، حيث يوجد قيد التحضير والدراسة وتشارك 25 دولة الموقعة على اتفاق التعاون بمقترحاتها، ولا يخفى أن الجزائر لعبت دورا رياديا وبذلت دبلوماسيتها الطاقوية جهودا جبارة، حتى عبدت مسارا للتقارب في وجهات النظر، وبالتالي تحقيق التوافق بين دول أوبك ومن غير أوبك. وصار يعرف بمسار الجزائر 2016، ولاشك فإن الدول المنتجة تدرك بشكل جيد أنه رغم الاستقرار الحالي للسوق البترولية، لكن عليها أخذ احتياطاتها للعام المقبل، في ظلّ وجود عوامل خارجة عن السوق ولم يخفها مسؤولومنظمة «أوبك» وشركائها تخوفهم منها أي على غرار العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، ومن بين ما ذكروا التوترات التي تخيم على علاقات الدول الكبرى وتذبذب العملة الصعبة على مستوى الدول الصاعدة. مخزونات إضافية وتزايد في الطلب إذا ينظر المنتجون بعين الحذر والترقب للسوق النفطية في ظلّ الحديث الذي يقر بتراجع احتياطي النفط في العالم والنقص المسجل على مستوى المخزون العالمي، وهناك من يتوقع أن الوضع سوف يتغير كثيرا خلال عام 2019، وينتظر أن يكشف عن مخزونات إضافية يرافقه تزايد في الطلب خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ويذكر أن السوق النفطية حاليا تتسم بالانتعاش مقارنة بالأربع سنوات الماضية، رغم التخوف والقلق الذي أبدته العديد من الدول المستهلكة والشكوك التي تنتاب بعض الاقتصاديات العالمية، من كون المخزون النفطي قد عرف شحا يتم تحليل الآفاق وصياغة الرؤية الصحيحة لدراسة ما هي أسباب توترات السوق. ويأتي آخر تصريح لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ليكشف عن توقعه ببلوغ أسعار النفط مستوى 100 دولار للبرميل، ولم يخف بالموازاة مع ذلك أن روسياوإيران تعكفان في الوقت الحالي على طريقة تقديم مدفوعات لبعضهما البعض بالعملات الوطنية، من أجل مواجهة العقوبات الأمريكية المقررة شهر نوفمبر المقبل على طهران. بالرغم من أن روسيا كانت قد أكدت أن السعر المناسب لبرميل النفط بالنسبة إليها يتراوح ما بين 65 و75 دولارا، ومازالت التقديرات متفاوتة آخرها ترجح فرضية أن يشهد النفط العالمي فائضا بسيطا في مطلع عام 2019 مع دخول طاقة إنتاجية احتياطية حيز التشغيل، على الرغم من قوة الطلب وحالة الضبابية بشأن حجم الخسارة في الإمدادات القادمة من إيران بسبب العقوبات الأميركية على طهران، يضاف إلى ذلك أن الإمدادات في مناطق تعرف توترا على غرار ليبيا ونيجيريا فوق مستوى التوقعات بنحو0.3 مليون برميل يوميا، ويبدوأن الارتفاع المستمر لأسعار النفط مرده كميات النفط الإيراني التي ستحجب، تؤكد خسارة واختفاء ما لا يقل عن 1.5 مليون برميل يوميا من سوق العرض. انتعاش صناعة البتروكيماويات تتوقّع وكالة الطاقة الدولية تسجيل تباطؤ الطلب على النفط الموجه للاستعمال في وسائل النقل في آفاق عام 2025، بسبب الزيادة في انتشار السيارات الكهربائية والمحركات العاملة بنظام الاحتراق الأكثر اقتصادا في استهلاك الوقود، لكن كل ذلك من المنتظر أن تعوضه زيادة في الطلب على الخام لتصنيع البتروكيماويات. وتشير آخر الاستشرافات إلى ترقب هيمنة البتروكيماويات أي ما يزيد عن ثلث نموالطلب العالمي على النفط بحلول 2030، ونحو نصف نموالطلب بحلول 2050، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. علما أن الطلب العالمي على لقيم البتروكيماويات بلغ نحو12 مليون برميل يوميا، أوما يعادل 12 بالمائة من إجمالي الطلب على النفط في 2017. ويرجّح أن يرتفع هذا الرقم إلى حوالي 18 مليون برميل يوميا في آفاق عام 2050، وسيكون منشأ نموالطلب من منطقتي الشرق الأوسط والصين، في ظل العمل القائم لتشييد مصانع كبيرة للبتروكيماويات. وعكست آخر التقارير المسجلة حقيقة أن مصانع البتروكيماويات تعمل بشكل أساسي باستعمال منتجات النفط الخفيف في صدارته النفتا وغاز البترول المسال. لكن يبقى الغاز الطبيعي المادة الأولية المفضلة على الإطلاق ، خاصة في الولاياتالمتحدة في ظل زيادة إنتاج الغاز الصخري بشكل تدريجي. لذا فإنه ينتظر أن ترتفع مشاريع البتروكيماويات بنحو7بالمئة، بينما الزيادة في الطلب على الغاز تصل إلى حدود 850 مليار متر مكعب في الفترة الممتدة ما بين 2017 و2030.