السياسة النقدية المنتهجة من طرف بنك الجزائر ساهمت في الحد من الآثار التضخمية الناجمة عن ارتفاع الأسعار لأهم المواد ذات الإستهلاك الواسع في سنة 2010، بفضل إرتفاع معدل الأسعار النفطية الى 80،15 دولار للبرميل، مقابل توقعات نقدية ومالية بنيت على أساس سعر مرجعي ب 76،5 دولار. آخر الأرقام الصادرة عن بنك الجزائر حول ظاهرة التضخم تؤكد على نفس المعطيات التي سبق للديوان الوطني للإحصائيات وان اعلن عنها حول نسبة التضخم، التي تراجعت الى 3،9٪ في نهاية العام الماضي مقابل 5،7٪ في سنة 2009 و 4،8٪ في سنة 2008. وعلى الرغم من بقاء أسعار المواد الإستهلاكية في نفس المستويات المرتفعة، الا ان مستوى التضخم تراجع بنسبة 0،8٪، حسب الأرقام الرسمية، وفسر بنك الجزائر هذا التراجع بالسياسة النقدية المنتهجة، التي سمحت بتوسيع السيولة النقدية من 2447،4 مليار دج في نهاية 2009 الى 2549،7 مليار دج في نهاية 2010 وبزيادة نقدية تقدر ب 102،3 مليار دج، وهذا ما يعني رفع في العرض النقدي الموجه للإقراض على مستوى البنوك، وامتصاص الفائض في السيولة عبر آلية الإسترجاع، فاسحا المجال امام البنوك لاتخاذ المبادرات الملائمة في عملية الإقراض، علما ان بنك الجزائر لم يغير في معدلات الفائدة في عملياته على مستوى السوق النقدية. المؤشرات الأولية للأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2011 تشير الى استمرار تراجع نسبة التضخم ولو بمعدلات منخفضة من 3،8٪ في جانفي الى 3،7٪ في مارس على الرغم من استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية ب 0،4٪ في مارس المنصرم، بينما تعدتها الى 1،2٪ بالنسبة للمنتوجات الزراعية الطازجة والى 15،4٪ للخضر الطازجة، حسب ارقام الديوان الوطني للإحصائيات. غير انه وكما يبدو، فان المرحلة القادمة ستعرف زيادة ولو طفيفة في معدل التضخم، بعد الزيادات الواسعة في أجور موظفي القطاع العمومي واغلبها بأثر رجعي، مما يعني زيادة في الإنفاق العمومي المرتفع اصلا والذي قدر في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2011 ب 400 مليار دج اي بنسبة 25٪. خبراء إقتصاديون على غرار عبد الرحمان مبتول، اوعز ارتفاع التضخم الى جملة من الأسباب، لا تنحصر فقط في ظاهرة ارتفاع الأسعار، والتي تأتي في مقدمتها ارتفاع النفقات العمومية عبر السنوات الطويلة الماضية خاصة تلك المدرجة في إطار مخططات التنمية، الاولى وقد رصد له مبلغ كبير ناهز 200 مليار دولار على مدار سنوات 2004 و 2009 والثاني رصد له إنفاق عمومي قد يتجاوز الرقم المعلن عنه والمقدر ب 286 مليار دولا خلال فترة 2010 و 2014. والمشكل ليس في حجم الإنفاق العمومي، بقدر ما هو في الحجم النتائج المتحصل عليها والإنعكاسات الإقتصادية والإجتماعية المباشرة والمتمثلة في الاختلال الواضح وعدم الإنسجام بينهما، فضلا على حجم العمالة التي توفرها وهي في مجملها غير منتجة ولا توفر انتاجا عينيا، بإمكانه تغطية الإنفاق العمومي. لطالما اعتبر التضخم المستورد أحد أهم اسباب ارتفاع الظاهرة في الجزائر، لكن ارتفاع أسعار المنتوجات الزراعية، ولا سيما الطازجة منها دفع بهيئات مثل بنك الجزائر وفي السنوات القليلة الماضية إلى تبرئة ذمة التضخم المستورد من انعكاساته المباشرة على الإقتصاد الوطني، ملوحا الى خطورة تنامي التضخم المحلي لكن التقرير الأخير حول المؤشرات النقدية والمالية لبنك الجزائر قفز على هذه الظاهرة، حيث في الوقت الذي يلمس فيه المواطن البسيط ارتفاعا في أسعار كل المواد والسلع الإستهلاكية الواسعة، والذي بلغ اوجه في جانفي الماضي، في هذا الوقت بالذات يعلن عن مزيد من التراجع في نسبة التضخم وعن زيادات معتبرة في الإنفاق العمومي وعن تراجع في بعض القرارات التي كان هدفها محاربة النشاط التجاري غير الرسمي، وتخلت عنها الحكومة في خطوة فسرها الخبراء الإقتصاديون على أنها لن تؤدي الا الى رفع وتيرة العمليات المضارباتية، وبالتالي المزيد من التضخم.