تزخر الجزائر بأسماء أدبية لامعة صنعت اسما للجزائر في المحافل الدولية، سيما في مجال الشعر، الذي دوت كلماته عالية بفضل من غاصوا في عالم القوافي، وجعلوا من القلم ملاذهم للتعبير عما يختلج سريرتهم، وسريرة المجتمع الجزائري.. فمن لا يعرف شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، صاحب النشيد الوطني “قسما”، وديوان اللهب المقدس، وإلياذة الجزائر، ومن لم يسمع عن “أمير شعراء الجزائر” محمد العيد آل خليفة الذي اتخذ من شعره أداة للتعبير عن مصالح الأمة والدفاع عن قضاياها، وكافح بكلماته المستعمر الفرنسي، ورافق النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، فضلا عن صاحب رائعة “من أجلك عشنا يا وطني” الشاعر عمر البرناوي الذي حصل على جائزة أفضل نشيد وطني في الجزائر عام 1983 وشهادة شرف لأحسن أوبيرات عام 1984، وشهادة تكريم من الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد عام 1987، كما أنجبت الجزائر الشاعر محمد الشبوكي والذي كانت قصائده كلها عن الثورة والوطن أهمها وأشهرها قصيدة “جزائرنا يا بلاد الجدود” والتي تغنى بها الصغير قبل الكبير، وسطر محمد الأخضر السائحي له اسما في عالم الشعر أحد الوجوه الدائمة الحضور في الملتقيات الثقافية في الجزائر، وحضر أغلب مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب، ومثل الجزائر في عدد من المهرجانات الثقافية الدولية ومهرجانات الشعر في كثير من العواصم العربية، وله مجموعة من الدواوين الشعرية من بينها “همسات وصرخات”، “جمر ورماد”، “أناشيد النصر” وغيرها.. إلى جانب الشاعر محمد بلقاسم خمار صاحب دواوين “ضلال وأصداء”، “ربيعي الجريح”، “أوراق” و”الحرف والضوء”.. وبقيت هذه الأسماء بكلماتها تلهب عقول الجزائريين الذين تغنوا بقوافيها وما يزالون إلى يومنا هذا، ورغم ظهور أسماء أخرى للجبل الجديد، إلا أنهم لم يتمكنوا من زحزحة مكانة هؤلاء الذين خدموا الشعر الجزائري وتلألأت كلماتهم في المحافل الدولية، وبقيت أغلبية أسماء الجيل الجديد مجهولة الهوية لدى الكثيرين إلا من رحم ربي فهل السبب يعود للشاعر الذي لم يتمكن من إيصال كلماته للقارئ، أم المواطن الذي فقد الثقة في الأدب الجزائري بشكل خاص، وأصبح لا يبحث ولا يقرأ؟ “شعراء الثورة الجزائرية في الوجدان” وفي هذا الصدد أجرت “الشعب” استطلاعا مع نخبة من أفراد المجتمع الجزائري الذين تعددت أرائهم، حيث أكد لنا الأستاذ محمد غمراسي أنه من المولعين بشعراء الثورة التحريرية أمثال مفدي زكريا ومحمد العيد أل حليفة الذين تمكنوا حسبه من فرض وجودهم في عالم الشعر بكلماتهم القوية التي اختلجت سريرة الجزائريين، وشاطره الرأي زميله أمين الذي قال بصريح العبارة “إن زمن الشعر الزميل قد ولى بوفاة رواده محمد الشبوكي ومفدي زكريا، مشيرا إلى أن أغلب رواد الشعر من الجيل الجديد لم يتمكنوا من مواصلة حمل مشعل من سبقوهم إلا القليلون منهم كزينب الأعوج على سبيل المثال. أما السيدة أمينة ربة منزل فقد أكدت أنها لا تعرف من الشعراء سوى مفدي زكريا، وتحفظ شعر من أجلك عشنا يا وطني، دون أن تعرف من كاتبه، مشيرة إلى أنها تحب وتستمع فقط للأشعار الثورية التي تتغنى بالثورة التحريرية المجيدة، خاصة حين تبث على القنوات التلفزيونية عشية الاحتفال باندلاع الثورة المجيدة أو استقلال الجزائر، وحين سألناها عن شعراء الجيل الجديد قالت إنها لا تحفظ من الأسماء أحدا ولا تستمع لأي شاعر من الشعراء الجدد، وعن السبب تقول إنها لا تطالع الكتب كثيرا، كما أنها لم تشاهدهم يوما على القنوات التلفزيونية عكس شعراء الجبل القديم، مؤكدة أنها تحب الشعر كثيرا لكن تفتقد إلى من يعرفها بهم.. من جهتها أكدت الطالبة بكلية علوم الإعلام والاتصال سمية مهري أنها لم تسع يوما لمحاولة معرفة أسماء من يكتبون الشعر كما تقول لأنها غير مهتمة بهذا النوع الأدبي، على غرار الرواية التي تعشقها وتعشق من يكتبونها أمثال أحلام مستغانمي، واسيني الأعرج ورشيد بوجدرة، مشيرة إلى أن كتابة الشعر تختلف من شخص لآخر وأحيانا لا تفهم معناه، لذلك لا تقرأه ولا تبحث عن الجديد فيه. “وآخرون مهتمون بشعراء الجاهلية على شعراء الجزائر” وبخلاف هؤلاء صادفنا الطالب أمين بكلية الحقوق بكونه من المهتمين بالشعر الجاهلي دون غيره، حيث أنه لا يقرأ لأحد مهما كان سوى لعنترة بن شداد والحارث بن عباد البكري وامرؤ القيس، حيث تتلمس في أشعارهم الفصاحة والكلام الموزون، مؤكدا بأنه من غير المهتمين بتاتا بالشعراء الجزائريين، ما عدا شعر مفدي زكريا الذي احتل مكانة له وسط العائلات الجزائرية، كونه يضيف شاعر يحكي تاريخ الجزائر الثوري وويلات المستعمر الفرنسي، حيث كتب نشيد قسما في غياهب سجن بربروس ، وهو جدير بأن يعرفه الصغير قبل الكبير. “وللبراءة حديث آخر” من جهة أخرى اقتربنا من فئة من الأطفال يدرسون بالابتدائي، حيث أجابوا ببراءة أنهم يحبون الأناشيد الثورية، إذ قال الطفل محمد أمين تلميذ في السنة الرابعة أنه يحب نشيد قسما لمفدي زكريا، كما يحب “من جبالنا طلع صوت الأحرار”، وهو ما وقف عليه صديقه إسلام الذي أجاب عن سؤالنا ببراءة، حيث دوى صوته عاليا وهو يؤدي لنا نشيد “قسما” الذي أكد لنا أنه يحفظه عن ظهر قلب. وبالرغم من أن الجزائر تمتلك أسماء لامعة في مجال الشعر في الوقت الراهن، أمثال ربيعة جلطي، زينب الأعوج، توفيق ومان وغيرهم.. إلا أن الجزائريين ما يزالون يفضلون شعراء الزمن الجميل ويحفظون أشعارهم ويفضلون شعراء العصر الجاهلي والأموي على غيرهم.. في حين يتجاهلون من يواصلون حمل مشعل الجيل القديم دون سبب يذكر. فهل يتحمل المسؤولية الشاعر الذي لم يتمكن من إيصال كلماته لمحبي الشعر، أم الجزائري الذي أضحى غير مبال بما تقدمه له الثقافة الجزائرية، أم القائمين على رأس الثقافة الذين همشوا هؤلاء ليصبحوا في طي النسيان..