مرة أخرى يقف مجلس الأمن الدولي ومن خلاله المجتمع الدولي وبالذات الدول الكبرى، صاحبة حق ''الفيتو'' أو الإعتراض، أمام المسؤولية الصريحة تجاه احترام إرادة الشعوب وتمكينها من حق تقرير المصير، وبالتالي حماية الأمن والسلم الدوليين بما يدفع بالمجموعة الدولية برمتها إلى مواجهة قضايا التنمية ومكافحة التخلف والأمراض. هذه المرة يتعلق الأمر بمدى الجدية والإلتزام في التعامل مع طلب إنضمام دولة فلسطين بكل معاناة شعبها وآماله المشروعة إلى منظمة الأممالمتحدة في وقت يتابع فيه العالم كيف يتعامل مجلس الأمن مع هذا الملف الذي يترجم مشكلة تسببت فيها الأممالمتحدة نفسها بتوقيعها شهادة ميلاد دولة الكيان الصهيوني أو إسرائيل، عقب إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ومع مرور عشرات السنين، تعود الكرة إلى نفس المنظمة لتواجه فعلتها، على أمل أن ينتصر الحق والمسؤولية بإنصاف الشعب الفلسطيني المثقل بمشاكل وإنقسامات تضاف لمعاناة الإبعاد والطرد والتشريد، وهو ما تلعب فيه إسرائيل أكثر من دور لمنع أي مسار يؤدي إلى إستقرار الموقف الفلسطيني ووحدة أبنائه ومغالطة المجموعة الدولية بالإدعاء أن الحل يمر عبر إستئناف المفاوضات التي دخلت في إنسداد لا يمكن إنهاؤه سوى بطرح المشكلة أمام الأممالمتحدة، وبالذات مجلس الأمن الدولي المخول بمهمة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. لم تكن كاتبة الدولة للخارجية الأمريكية على موقف سليم ومسؤول، حينما صرحت أن معالجة الطلب الفلسطيني بالإنضمام إلى الأممالمتحدة باعتبارها دولة ذات سيادة يمر عبر المفاوضات في رام الله وليس من بوابة الأممالمتحدة بنيويورك، وهي تعلم أكثر من غيرها أن أصل المشكلة كان مقر الأممالمتحدة بنيويورك، غذاة تأسيس المنظمة بعد تغلب الحلفاء على ألمانيا النازية، حيث أنشأت المنظمة الأممية دولة إسرائيل. ومن الطبيعي أن من أحدث المشكلة هو المسؤول عن معالجتها وامتلاك الشجاعة في التصدي للموضوع بعيدا عن أي إنتماء عرقي أو ديني ودون السقوط في خدمة لوبي صهيوني تأكد نفوذه داخل البيت الأبيض إلى درجة أن الرئيس الأمريكي أوباما الذي خاطب العالم في بداية عهدته بلغة فيها لمسة إنسانية ورغبة في تفعيل دور القانون الدولي وإنهاء المظالم، سرعان ما تراجع أمام قوة المحافظين والدوائر الضيقة التي تخشى تغير العالم نحو المساواة والعدل وكسر شوكة الهيمنة العسكرية والمالية، إلى درجة أنه لم يلتزم بكثير من التعهدات من بينها إغلاق معتقل ''غوانتانامو'' الذي يمثل أحد أوجه العار للمجتمع الدولي. لقد أصبحت القضية الفلسطينية عقدة، ومنذ البداية في عنق الدبلوماسية الأمريكية، ولذلك يبدو أن واشنطن تفضل أسلوب الهروب إلى الأمام والمراوغة واللعب على المصطلحات، بينما بإمكانها الإحتكام إلى منطق القانون الدولي وتحمل مسؤولية حماية حقوق الشعوب الصغيرة من حيث القوة العسكرية والإقتصادية، والكبيرة من حيث قوة الحق والتاريخ. وهو ما تدركه السيدة كلينتون التي يمنحها الظرف فرصة ثمينة لإعادة صياغة الدبلوماسية الخارجية لأكبر دولة في العالم نحو حماية الحقوق المشروعة وبسط القانون الدولي بلا تميز، وهل هناك من حقوق مشروعة ومهضومة مثل حق الشعب الفلسطيني في إنضمام دولته إلى أكبر محفل دولي هو الأممالمتحدة.