تنتشر في ولاية جيجل كما في باقي ولايات الوطن التجارة غير الشرعية، وهي التي لا يملك أصحابها سجلا تجاريا ولا محلا يمارسون فيه نشاطهم بصفة منتظمة، بل يتخذون من الأرصفة وساحات المساجد وجوانب الطرق الكبيرة موقعا لتسويق بضاعتهم المتنوعة في بعض الأماكن والخاصة بالخضر والفواكه في أغلبها. واللافت في أمر التجارة غير الشرعية بولاية جيجل أنها لم تعد تقتصر على وسط المدينة أو الدوائر الكبرى فقط، وإنما امتدت لتشمل كامل أقطار الولاية التي تحتضن نسبا معتبرة من السكان، وحسب الإحصائيات التي بحوزة مصالح الرقابة على مستوى مديرية التجارة، فإن ما يزيد عن ال 40 محلا لبيع مختلف الأنواع من السلع ببلدية أولاد عسكر المحسوبة على المناطق الجبلية ذات الدروب الوعرة ونصف هذا العدد في بلدية اراقن، أما بلدية العنصر، فيوجد بها 19 تاجر رصيف و14 آخرين بتاكسنة و17 بقاوس والنسبة الكبيرة تتقاسمها دائرة الميلية ب 113 محل لبيع الخضر والفواكه ودائرة جيجل ب 158 أغلبها تبيع الخضر والفواكه أيضا، أما دائرة الطاهير فيوجد بأحيائها الرئيسية أكثر من 12 تاجرا. وحسب مصالح مديرية التجارة، فإن هذه الأرقام غير ثابتة وتتغير من يوم لآخر قد تزيد أو تنقض لكن الوضع الراهن يرشحها للارتفاع فكل يوم يظهر تاجر جديد بمكان جديد ناهيك عن التجار الذين يفضلون التجوال ما بين الأحياء بواسطة مركباتهم من نوع 404 لبيع الفواكه بأسعار منخفضة مقارنة بأسعار المحلات النظامية وهو الأمر الذي ينعش حظوظ ربح هذا النوع من التجارة ويشجع أصحابها على مواصلة النشاط. أما أمام المساجد، فما إن ينتهي الإمام من التسليم حتى تسمع أصواتهم تصدح في السماء كل ينادي على بضائع يعرضها للبيع مستعملا تقنيات التسويق الخاصة بهذا النوع من قسم وصراخ ودعوة للاقتداء بالأولين مع تقديم وصل الضمان المتمثل في إمكانية إرجاع السلعة في أي وقت لأنه ماكث هنا إلى حين. وتجد ممتهنو هذا النشاط غير المرخص به من جميع الفئات العمرية بما فيهم الأطفال الذين يضفرون ببعض دنانير الخضر والفواكه الموسمية التي تنتجها بساتين منازلهم. أما الباقي من الشباب الذين غادروا مقاعد الدراسة في سن مبكرة. فقد احترفوا المهنة بعد أن أصبحوا يشعرون بالقليل من المسؤولية وضرورة تدبر الشأن بعيدا عن إعانة الوالد، وهذا جزء من الأعذار والأسباب التي قدموها لنا بعد أن اقتربنا منهم وكان سؤالنا ربما الأسهل على الإطلاق الذي طرح عليهم، لأنهم ومباشرة دون تفكير، أمطرونا بوابل من الإجابات التي تتهم البطالة والفقر وضرورة الانتشار في الأرض بحثا عن الرزق الحلال وهذا أفضل من السرقة أو الضياع في متاهات الآفات الاجتماعية التي تزيد من معاناة الفرد والجماعة. أما بخصوص عدم الخضوع إلى الصيغ القانونية من سجل تجاري وتسديد الضرائب، يجيبنا هؤلاء الشباب دون تلعثم أنهم لا يملكون المال الكافي لدخول عالم التجارة بطريقة قانونية، بل يبدأون بمبلغ زهيد يقترضونه غالبا من الأصدقاء والأقارب، وقد لفتت إنتباهنا إحدى الإجابات حين قال أحدهم كيف تريد لمن وجد نفسه في سن ال 17 رب أسرة أن يمارس تجارته بطريقة قانونية، كما يعتبرون الأمر في بدايته مغامرة قد تكلل بالنجاح وقد تبوء بالفشل كذلك ومباشرة المهنة بالصيغة الفوضوية فرضه عليهم نقص الإمكانات وليس الذهنية التي تميل إلى حب العمل الخارج عن النظام لأن كل واحد يحلم بمحل محترم يزاول فيه نشاطه. تجارة غير شرعية ولكن منتظمة.. المفارقة في أمر التجارة غير الشرعية في ولاية جيجل أن تلك الشوارع والأرصفة التي احتلت لأعوام فاقت العشر على غرار سوق وسط المدينة الذي يحوي أكثر من 70 محلا أصبح الذهاب إليه أمرا اعتياديا لدى المواطنين، لأنه يلبي احتياجاتهم بشكل يومي ومتواصل، فالتجار هناك حاضرون بصفة منتظمة ودائمة ويحققون اكتفاء المدينة، حيث لا يستطيع ال 26000 تاجر شرعي تلبيتها، إضافة إلى عامل الأسعار التي عادة ما تكون منخفضة في هذه الأماكن. إذا فالتجار غير الشرعيين حاضرون في هذه الأماكن بصفة يومية، ولا يوجد فرق بينهم وبين النظاميين غير السجل التجاري ومكان لائق مناسب لا يعيق الممرات العامة، إلى درجة أن أصبح وجودهم من مطالب الناس بالنظر إلى الخدمات التي يوفرونها لهم. وهو ما جعل الدولة تعيد النظر في كيفية التعامل مع محتلي الشوارع من التجار، فتحول الأمر من القضاء على التجارة غير الشرعية إلى معالجة ظاهرة التجارة الفوضوية عن طريق إنشاء أسواق جوارية ودمجه هؤلاء فيها بصورة قانونية وتحسين وضعيتهم خدمة للزبائن، إضافة إلى تطهير وجه المدينة من تلك المناظر المشينة التي يخلفونها.