أفرزت الأزمة الاقتصادية في اليونان تداعيات سياسية خطيرة عجلت برحيل حكومة “بايندريو” وإحلال محلها فريق وزاري جديد مكلف بتفكيك خيوط أداء المالي الذي أوصل البلاد إلى الانهيار الناتج عن عجز المؤسسات المالية في الحفاظ على ديمومة حماية منظومتها من الإفلاس الكامل. وما يعصف باليونان اليوم من أزمة مالية خانقة وضائقة اقتصادية معقدة بيّن للأسف أن هذا “التضامن الأوروبي” مبني على آليات أنانية بحتة لا تعترف بأي طرف عندما يصاب بعدوى العجز المالي المؤثر الذي يهز النظام العام المتعلق بالسير الحسن للبنوك والبورصات والأسواق المالية المتحكمة في السيرورة العامة لتوجهات هذه المنظومة. اليونانيون اعتقدوا بأن الأوروبيين سيعملون على مساعدتهم من أجل تجاوز هذه المحنة، لكن هؤلاء اقترحوا عليهم الذهاب إلى الحلول غير الشعبية القاسية التي تحتم على اليونانيين أن يتبنوا خطة للتصحيح الهيكلي تبدأ بتسريح العمال وفقدان مناصب العمل. ورفض “بابندريو” الذهاب إلى هذه الحلول الصعبة عندما اقترح على شعبه استفتاء يعفيه من كل المسؤولية الناجمة عن تفسخ الجبهة الاجتماعية، وتراجع في آخر لحظة بعد أن أبدى الأوروبيون امتعاضهم من هذه الصيغة ليتوصلوا إلى مخرج، وهو ذهاب “بابندريو” وتعويضه بشخصية سياسية أخرى قد تتوافق مع الشروط المطلوب تطبيقها في اليونان لمحاولة الخروج من الأزمة التي قوضت اقتصاد البلد. والتداخل الذي حصل في اليونان بين ماهو اقتصادي وسياسي، هو نتيجة حتمية لتقييم أوروبي حيال أداء حكومة “بابندريو”، على أن المرحلة القادمة تكون لفريق حكومي آخر يتابع بدقة “الوصفة” التي حضرت له ويجسدها حرفيا حتى تظهر بوادر التعافي من كل هذه الانزلاقات الخطيرة والأمر ليس هينا كما يعتقده البعض، بل يتطلب تضحيات هامة هي نتاج كل من يوافق على أي خطة أو برنامج تعديل هيكلي قصد الوصول إلى القاعدة الذهبية التي مفادها المداخيل تساوي النفقات. وأي مصاريف إضافية ستعود بالسلب على الحكومة اليونانية وكل القطاعات التي تعرف فائضا في العمال سيتطلب منها تقليص عددهم إلى سقف يكون موازيا مع أجورهم حتى لا يحدث أي خلل يذكر في الخطة المنتهجة، ناهيك عن إجراءات أخرى قاسية جدا لم يعلن عنها بحكم سرّيتها وطابعها التحفظي. ويلاحظ من الهزة المالية القوية التي ضربت أركان النظام المالي في اليونان، أن اليونان بقي وحيدا في الميدان يصارع كل الضغوط الممارسة عليه ويراهن على الوقت لعلّ وعسى يتم ايجاد المخرج اللائق، لكن مع مرور الأيام تأكّد أن هؤلاء لا يهمهم اليونان كرقعة جغرافية، بقدر ما يهمهم التزامه بخطة التصحيح الاقتصادي ولم يجرؤ أي بنك أوروبي على مساعدة هذا البلد بشكل ملموس وكل ما في الأمر أنه كانت هناك وعود لم يلتزم بها أحد، عندما ظهر لهم بأن اليونان على شفا حفرة الانهيار الكامل والسؤال كيف لهذا البلد أن ينهض اليوم عقب كل ما تعرض له من “ضربات” متتالية منذ شهور. ويتطلب الأمر هنا الحذر كل الحذر من محاولة البعض الاعتقاد بأنها “خطة انقاذ”، هذا غير صحيح وكلام مردود عليه لأن الآثار المترتبة عنها ستعود على اقتصاديات هذاالبلد، لذلك فإن الأوروبيين هم الذين أطلقوا عليها هذه التسمية والقصد منها إبعاد عملة الأورو عن كل المخاطر وانتشاله من المنطقة الحمراء، هذا ما يهم هؤلاء، وفي هذا الاطار إهتدوا إلى شخصية يونانية تشغل بصندوق النقد الدولي لتولي رئاسة الحكومة اليونانية ويكون الانسان الأكثر ثقة في تسيير المرحلة الراهنة، خاصة من جانب دعوة كل الأطراف اليونانية لتوقيع ما يسمى بخطة الإنقاذ.. والتفرغ لها كلية حتى لا تحدث إرتجاجات وتصدعات أخرى في اقتصاديات هذا البلد الذي سيسلك طريقا صعبا وشاقا ومضنيا من أجل العودة إلى سابق عهده.