دول المغرب العربي أكبر المتضررين من الأزمة الأوروبية ألف مدينة تثور ضد تحالف ''المال والسياسة'' الاتحاد الأوروبي يسارع الوقت لإنقاذ الوضع زهور اليونان تفجر أزمة أوروبا الاقتصادية وتهدد مستقبل الأورو استبشر العالم خيرا مع ظهور عملة الأورو الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي كعملة جديدة تستخدم في المبادلات المالية إلى جانب الدولار كي تساهم في الاستقرار المالي، وساهمت إلى حد ما في تقوية روابط الدول الأوروبية، لكن مع الوقت أدى عدم تناغم السياسات المالية لكل دولة إلى اختلال كبير بدأ يظهر مع الأزمات الاقتصادية التي تفجرت في اليونان وتسير في طريقها كل من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وحتى فرنسا. وبدأت معالم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أوروبا، عبر بوابة اليونان التي أظهرت جليا المشاكل التي يتخبط فيها الاتحاد الأوروبي في الجانب الاقتصادي، كما كشفت أوجه الأزمة التي يمر بها النظام الرأسمالي بحكم أن الدول الغربيةوالولاياتالمتحدة قد مستهم الأزمة. وقضية اليونان، التي تحولت مع الوقت إلى قنبلة موقوتة قد تفجر تماسك الاتحاد الأوروبي، بدأت مع دخول اليونان إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي والقبول بشروطه وربط اقتصادها باقتصاديات الدول الأوروبية، وطبقت معاييره خاصة فيما يتعلق بتوزيع مناطق الإنتاج، فتخلت عن قطاعات إنتاج حيوية في اقتصادها كزراعة الزيتون والحمضيات لأنهما من اختصاص إسبانيا وإيطاليا وتوقفت تربية المواشي لأنها من اختصاص هولندا، واستبدلت ذلك بإنتاج الأزهار والورود. واستقبلت اليونان أموالا تخدم في المرتبة الأولى اقتصاديات الدول التي لديها رأس مال، على حساب الاقتصاد اليوناني. هذه المعطيات جعلت الأعباء تثقل كاهل الاقتصاد اليوناني الضعيف مقارنة بالاقتصاديات الكبرى الأوروبية كألمانياوفرنسا، وبدأت تتوسع الأزمة مع الوقت من المدن الكبرى والمناطق الصناعية لتصل إلى المدن الصغرى، ومعها ارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى حوالي 10 بالمائة، وارتفع مستوى عجز الموازنة العامة الذي وصل إلى 7,12 بالمائة. في وقت أن نسبة العجز الذي تسمح بها دول الاتحاد الأوروبي 3 بالمائة، لكنها غضت الطرف عن هذا العجز أملا في أن يستدرك الاقتصاد اليوناني عجزه. واليونان التي وصلت ديونها إلى 408 مليار دولار، اتبعت إجراءات تقشفية كبيرة على حساب المواطن من أجل تسديد ديونها وتطبيق الإصلاحات المطالبة بها من قبل الاتحاد الأوروبي، وقد وصلت الاقتراحات التي قدمت لليونان في سبيل الخروج من أزمتها إلى بيع جزرها الجميلة لسداد الديون. كما أن ألمانيا التي تملك أقوى اقتصاد في أوروبا لم تعد تقبل بمنح أي مساعدة مالية، بحكم أن اقتصادها أيضا يواجه مصاعب. وكان آخر قرض تحصلت عليه اليونان، مؤخرا، قيمته 11 مليارا، أقره اجتماع وزراء مالية مجموعة الأورو، وطالبوها باتخاذ إجراءات تقشفية أخرى حتى لا تضطر للخروج من المجموعة، وإن كان الخبراء يرون أن خروج اليونان من منطقة الأورو قد فات أوانه، لأنه في حال واتخذ هذا القرار سيفجر الوضع وستنهار منطقة الأورو كلية. وفي هذا السياق، يقول نائب الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بيير كارلو بادوان ''إننا أمام نظام اقتصادي غربي أثبت هشاشته في مواجهة الأزمات''، مطالبا بضرورة تجديد النظام الاقتصادي الأوروبي والبحث عن التوازن بين النظم الاقتصادية الخاصة والنظام البنكي المالي بشكل عام وطرق التدقيق في الأنظمة المالية وأنظمة المراقبة. خبير المالية الدولي الدكتور كاميل ساري ل''الخبر'' أوروبا لن تتخلى عن اليونان لأن انهيارها يعني سقوط إسبانيا وإيطاليا شدد خبير المالية الدولي الدكتور كاميل ساري على خطورة الأزمة المالية والاقتصادية في أوروبا، مع تفاقم ديونها إلى أكثر من 80 بالمائة من الناتج المحلي الخام، مؤكدا على أن الاتحاد الأوروبي لن يتخلى عن اليونان، لأن انهيار آثينا يعني سلسلة من الانهيارات التي ستطال إيطاليا وإسبانيا أيضا. وأوضح الخبير الدولي، في تصريح ل''الخبر''، ''أزمة أوروبا نتاج للأزمة المالية الدولية وانعكاس لسلسلة الأزمات المتلاحقة التي بدأت في الولاياتالمتحدة''، مشيرا إلى أن ''التخلي عن دور الدولة منذ بداية الثمانينيات مع عهد تاتشر وريغان وإلغاء الضبط لدى الأسواق المالية وتحول البنوك من تخصص الإيداع إلى الاستثمار والمضاربة بأموال المودعين، كان عاملا لانفجار الأزمة''. وأشار الخبير الدولي ''لقد حلت ديكتاتوريات الأسواق وأضحت الدول لا تتحكم في الاقتصاد والأسواق وبدأت الدول أيضا تستدين كثيرا، وتحول الإنتاج بالاستهلاك، فبدل الإنتاج يتم تشجيع الاستيراد والبيع من خلال منح المزيد من القروض للأسر التي أصبحت أيضا تعاني من الديون''. ولاحظ الخبير بأن ''الولاياتالمتحدة تضاعفت ديونها بفعل هذه العوامل وتمويلها لحربي العراق وأفغانستان في حدود 6000 مليار دولار، ليرتفع دينها العمومي إلى 1450 مليار دولار، أي 103 بالمائة من ناتجها، بينما أوروبا ارتكبت أخطاء في مسار تأسيسها لوحدتها المالية والنقدية''. مضيفا ''لقد أسست أوروبا عملتها الموحدة دون قاعدة اقتصادية مشتركة حقيقية ودون تنسيق فعلي على المستوى المالي ومن حيث سياسات الموزانة واعتمدت سياسة مالية وإنفاق لأغراض انتخابية وسياسوية، فمثلا تأكد بأن اليونان لم تقدم أرقاما حقيقية لدى انضمامها للاتحاد الأوروبي خاصة بخصوص مستوى المديونية والعجز، كما أن سياسة الأجور المطبقة والدعم المقدم، ساهم في تفاقم الاختلالات، منها ارتفاع كبير للديون لدى الأسر والشركات والبنوك''. أما في فرنسا فقد عرفت على غرار إسبانيا والبرتغال وإيطاليا إزالة التصنيع، عكس ألمانيا التي حافظت على صناعتها وتقوم حاليا بالتصدير إلى الصين وتحقق بالتالي عائدات معتبرة وظل اقتصادها قويا. وهذه البلدان تصدر أقل وتستورد أكثر وتستدين لفائدة فئات محددة وقوى ولوبيات، فقد تحولت سياسات الضبط وتنظيم الدولة للاقتصاد إلى تساهل كبير في السياسات وسياسة نقدية حرة، فالرئيس نيكولا ساركوزي أقر سياسة جبائية خطيرة وأعفى عدة فئات وقدرت خسائر الإعفاءات بحوالي 70 مليار أورو، منها 50 مليار أورو خسائر صافية استفادت منها فئات غير منتجة وعلى شكل مضاربات. ففرنسا تصل مديونيتها إلى 85 بالمائة من ناتجها المحلي الخام مقابل 80 بالمائة لأوروبا، وهذه التدابير وغيرها كانت لها تداعيات سلبية على المجتمعات الأوروبية، خاصة لدى الفئات الأكثر فقرا. الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على دول العالم ألف مدينة تثور ضد تحالف ''المال والسياسة'' انتفض المهمشون في قرابة ألف مدينة في العالم، مطلع الأسبوع الجاري، ضد سطوة مسؤولي البنوك المتحالفين مع رجال السياسة، وهو أول تحرك شعبي يتم تنظيمه على المستوى العالمي، برأي مراقبين، من طرف الفئات المهمشة خصوصا في المدن الكبيرة التي تتفشى فيها ثقافة القروض البنكية. وتحت شعار ''يا شعوب العالم انهضوا'' أو ''انزل إلى الشارع، اصنع عالما جديدا''، تظاهر ''الغاضبون'' في 951 مدينة في 82 بلدا. ومن أوروبا إلى الولاياتالمتحدة مرورا بالتشيلي، حشد أول يوم عالمي ل''الغاضبين''، أول أمس السبت، عشرات آلاف الأشخاص، تميزت فيه إيطاليا بأعمال شغب كبيرة وأوقفت الشرطة في نيويورك عشرات المحتجين. وفي التفاصيل، اعتصم الآلاف في ساحة تايمز سكوير في نيويورك، وإثر ذلك اعتقلت الشرطة 71 شخصا، وسط هتافات للمتظاهرين الغاضبين وهم يقولون ''كل يوم، كل ليلة، سنحتل وول ستريت'' و''نحن الشعب'' و''نريد عملا''. وأمام البيت الأبيض ووزارة الخزانة بواشنطن، تجمع نحو 300 متظاهر احتجاجا على ''المافيا المالية''. أما في كندا، فقد تظاهر أكثر من عشرة آلاف كندي نصفهم في الحي المالي ب''تورانتو''، وطالبوا بتوزيع عادل للثروات. وفي العاصمة الإيطالية روما، جرح ما لا يقل عن 70 متظاهرا على هامش مسيرة جمعت عشرات آلاف الأشخاص تحت شعار ''حل وحيد.. الثورة''، وظهر ملثمون في هذه الاحتجاجات، ما دفع الشرطة إلى مواجهتهم بعنف، قبل أن يردوا عليها بإطلاق الزجاجات الحارقة، بينما قام آخرون بإشعال النار في مبنى تابع لوزارة الدفاع. وفي البرتغال، سار نحو خمسين ألف شخص في العاصمة لشبونة منددين ب''ترويكا'' الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. أما في العاصمة الإسبانية مدريد التي تشهد منذ شهر ماي الماضي بساحة ''بويرتا ديل سول'' احتجاجات على سياسة التقشف الحكومية، فقد انطلق عشرات آلاف الأشخاص رافعين لافتة كبيرة ''المشكلة هي في الأزمة، قم وانتفض''. وفي بريطانيا التي شهدت شهر أوت الماضي احتجاجات غير مسبوقة في عدة أحياء شعبية بالعاصمة، تجمع 800 غاضب في مدينة لندن سيتي. وفي هولندا، تظاهر نحو ألف شخص في لاهاي وعدد مماثل عند ساحة البورصة في أمستردام. كما تظاهر نحو ألف شخص في ساحة باراديبلاتز في زوريخ أبرز مراكز قطاع المال في سويسرا، في حين تجمع مئات الغاضبين في باريس. وفي البلقان، تظاهر نحو ثلاثة آلاف شخص في زغرب ومئات آخرون في مدن أخرى كساراييفو وبلغراد. أما في أمريكا اللاتينية، فقد سار أيضا أكثر من خمسة آلاف من الغاضبين في شوارع سانتياغو بالشيلي. وفي إفريقيا، شهدت جنوب إفريقيا في كل من جوهانسبرغ ودوربان وكيب تاون احتجاجات مماثلة، وركزت المظاهرات في جوهانسبورغ على أحوال البورصة. وفي آسيا خرج المئات في العاصمة اليابانية طوكيو بمشاركة محتجين مناهضين للطاقة النووية، وفي مانيلا عاصمة الفلبين رفع المحتجون لافتة تقول ''الفلبين ليست للبيع''. وسار حوالي 250 متظاهر في كوريا الجنوبية في شوارع سيول، احتجاجا على ما وصفوه جشع الشركات واتساع الهوة بين المداخيل. لارتباطها المباشر اقتصاديا وماليا بالاتحاد دول المغرب العربي أكبر المتضررين من الأزمة الأوروبية أكد خبراء في الاقتصاد أن بلدان المغرب العربي يمكن أن تكون من بين أكبر الدول المتضررة من أي انهيار للاقتصاديات الأوروبية، مشيرين إلى أن ما بين 45 و60 بالمائة من اقتصاد دول المغرب العربي، مرتبط بأوروبا. ولاحظ الخبراء أن انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية الأوروبية، بدأت تبرز تدريجيا خاصة على المغرب وتونس اللتين تتأثران بصورة مباشرة بالأزمة الحاصلة في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي. فقد سجلت المغرب وتونس مثلا تراجعا وانكماشا، هذه السنة، في توافد السياح الأوروبيين وهذا لا يرجع، حسبهم، للعوامل الأمنية فحسب مع الثورة في تونس وانفجارات المغرب، فقد قدرت نسبة التراجع بالنسبة للمغرب بحوالي 25 بالمائة، بينما بلغت نسبة التراجع 65 بالمائة بالنسبة لتونس، علما أن الدول الأوروبية هي أهم مصدر للسياح في دول المغرب العربي. في السياق نفسه، تعرف عمليات التحويل المالي للجالية المغربية والتونسية والمقدرة بالنسبة للمغرب ب5,5 مليار أورو وتونس بأكثر من 5,3 مليار أورو انخفاضا، حيث بدأت الجالية المغربية في إسبانيا والبرتغال تعاني من البطالة وتراجع النشاط الصناعي والاقتصادي، كما تعرف الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتأتية من أوروبا تراجعا باتجاه دول المغرب العربي هذه السنة، بالنظر لوضع المجموعات والشركات الأوروبية. ويحذر الخبراء من أن الجزائر يمكن أن تتأثر في حال استمرار الأزمة مع إمكانية انكماش الطلب على النفط، وبالتالي حدوث كساد عام يؤثر على أسعار النفط بصورة كبيرة، كما يمكن أن تتأثر الجزائر بفعل ارتفاع نسب التضخم للمواد المصنعة التي تستوردها الجزائر بالأورو وأخيرا تراجع قيمة التوظيفات الجزائرية من احتياطي الصرف، خاصة أن الجزائر توظف نسبة 55 بالمائة من احتياطي الصرف بالعملة الأوروبية الأورو وجزءا منه بسندات الخزينة على مستوى بنوك أوروبية من الدرجة الأولى. ويمكن للأزمة بعد تفاقمها أن تؤدي إلى تراجع قيمة السندات المقيدة بالأورو بنسب كبيرة، ما يفقدها قيمتها ويفقد أصحابها نسبا ربحية معتبرة.