لم يقف المتعاملون الأجانب الذين يرون في الجزائر واجهة اعمال واستثمار بامتياز عند قاعدة 49 51 المعتمدة منذ مدة في منح صفقات إنجاز مشاريع متعددة الأوجه والاشكال. لم ينظر هؤلاء المتعاملون لهذه الصيغة المنتهجة منذ سنوات بقرار سيادي من الجزائر على أنها معيقة لحركة الرساميل والاستثمار، لكنهم تجاوزوها معلنين عن مشاريع تتجاوب والسياسة الوطنية المشجعة للاستثمار المنتج المولد للثروة والقيمة المضافة والعمل، وهو استثمار قررته الجزائر التي ترفض بالمرة، أن تبقى مجرد سوق لسلع وخدمات الآخر، وأسيرة نظرته التي لم تخرج عن المبدأ التجاري الضيق. وظلت الجزائر عبر دوائر عدة تحسس المتعاملين الاقتصاديين الأجانب بسياستها وجدواها وأبعادها كاشفة للعالم أنها ترفض أن تبقي مجرد مفرغة للسلع الخارجية. وتستمر في دفع فاتورة مكلفة جدا مقابل الاستيراد المقترب من حجم 40 مليار دولار غالبيته منتوجات غذائية وتجهيزات يمكن صناعتها محليا.. ومع مرور الوقت اقتنع رجال الأعمال الأجانب بمنطق هذا الطرح وجدواه لهم في إقامة مشاريع استثمارية منتجة، دون القفز على مضمون صيغة 49 51 المقررة في السنوات الأخيرة في قوانين المالية والنصوص التشريعية الأخرى حول الأعمال. وعكس المتعاملين الوطنيين الذين انتقدوا مرارا هذه الصيغة الاستثمارية، عكس متعاملين أجانب بالغوا في الحديث عن الصيغة 49 51 في إقامة شراكة متعددة، انطلق الكثير نحو إنجاز مشاريع استثمارية مدركين حقيقة واقع الأعمال المتغير في الجزائر، والمتوفر على معطيات ومؤشرات تساعد على الانتاج والانتشار في خارطتها. والغريب في الأمر أن المؤسسات الأجنبية التي تتوقف عنذ هذه الحجة، هي أكثر المترددين في الاستثمار بالجزائر التي أدرجتها مؤسسات بروتون وودز ضمن الدول المسجلة نموا معتبرا وايرادات لم تلمس سوى لدى الدول الناشئة. وتعزز هذا الطرح المؤشرات الماكرو اقتصادية التي عرضها بالتفصيل محمل لكساصي محافظ بنك الجزائر أمام النواب مؤخرا، وهي مؤشرات تؤكد ارتفاع الناتج الداخلي الخام إلى 12049 مليار دينار، بزيادة سنوية 3،3٪. ومداخيل تتجاوز 170 مليار دولار، وتضخم متحكم فيه إلى حد كبير، وأن سجل بعد الارتفاع بسبب بفوضى السوق الوطنية وسيطرة المضاربة عليها، مؤدية إلى زيادة غير مبررة في الأسعار الاستهلاكية. يضاف إلى هذه المؤشرات موارد بشرية مؤهلة غير مكلفة، وتحفيزات جبائية وبنكية وعقارية، أخذت في الاعتبار من مؤسسات تعرف بحق ما تمثله الجزائر لها في إضافة لها قوة وانتشارا في ظل أزمة مالية تعصف بإقتصاديات الأمم، وتفرض عليها قراءة دقيقة للمتغيرات، وتفحص أي الواجهة أنسب للاستثمار والأعمال. وحسب حركة الرساميل، واتجاهات الأعمال، احتلت الجزائر مكانة مهمة في جلب المشاريع من مؤسسات تملك تجربة تراهن عليها في اقامة مشاريع شراكة واستثمار. وعلى هذا الأساس، تحركت الشركات الأجنبية للاستثمار في الجزائر، وفق صيغة 49 51 المعتمدة. ومست مشاريع الاستثمار كل القطاعات منها الصيدلة والأدوية التي استقطبت هذه السنة 140 ملف لمتعاملين وطنيين وأجانب، يريدون شراكة منتجة في خدمة احتياجات المواطن الملحة.. وجاءت هذه الديناميكية تجاوبا والسياسة الوطنية للصحة المشددة على ضرورة تحويل المستورد إلى منتج في ظرف سنتين من النشاط ودون ذلك تسحب منه رخضة الاعتماد.. ودخلت الولاياتالمتحدة على الخط معطية للقطاع مرارة ومنافسة، خاصة بعد توقيع بروتوكول تعاون وشراكة يقضي بانتشار قطب للأبحاث والصناعة الصيدلانية. وحسب مضمون البروتوكول التعاوني الموقع في الصائفة الماضية، فإن الجزائر مرشحة لتكون ضمن الدول العشرة الأوائل في الانتاج الصيدلاني.. وتحتل أمريكا ثاني مرتبة في تزويد الجزائر بالأدوية المستوردة بعد فرنسا، وهي تدرك أن إقامة مشاريع بالجزائر مفيدة للغاية بالنظر إلى احتياج السوق الوطني، والإفريقي والعربي. ومن جهتها لم تتردد فرنسا في اقتحام السوق الجزائرية بمشاريع واعدة في مجالات الإسمنت وصناعة السيارات وأشياء أخرى. وتجري عملية إنجاز معمل »رونو« بمنطقة بلارا في جيجل وفق صيغة 49 51. وهي نفس الصيغة التي تعتمد في تشييد مصنع الإسمنت بأم البواقي.. كل هذه المشاريع تأخذ مضمونها وجدواها من العروض المغرية في المخطط الخماسي الذي يمول كلية من المورد المالي الذاتي دون اشكالية على الآخر، وهو وضع يكشف بالملموس مدى الحالة الصحية المالية الجيدة للجزائر الجديدة بأخذها في الحسبان، والانطلاق منها في تشييد مشاريع استثمارية وفق الصيغ الوطنية المقررة بسيادة دون إملاءات خارجية.