شرح السيد صالح موهوبي الخبير الاقتصادي أمس الأزمة المالية العالمية الراهنة التي تسيل الحبر الغزير، وتفتح الجدل والنقاش العاصف لم يهدأ حول نجاعة النظام المصرفي الأمريكي، وتقدم اقتراحات حلول استعجالية متبصرة بعيدة الرؤية والطرح، لا تكتفي بالأمور الترقيعية والتسرع. وذكر موهوبي الذي تقلد مناصب قيادية في هيئات دولية من الوزن الثقيل ولا سيما البنكية بمركز الشعب الاستراتيجي أن الأزمة نتاج تناقضات متراكمة وفجوات عميقة كشفت عن عجز فادح في آليات الضبط التي تتولاها الدولة دون سواها حتى في الأنظمة الليبرالية الاكثر تطورا وتقدما المعروفة بحرية المبادرة الاقتصادية والمنافسة الشرسة التي لا تعرف الحدود. وبعد أن عرج عن الأزمات المختلفة التي ولدت نظريات اقتصادية، وطرحت نماذج انمائية متعددة الأوجه والأشكال، أعطى المحاضر مقارنة بين مختلف الهزات مقدما أوجه التباين والاختلاف بمنهجية تنم عن تجربة تحمل قيمة لا تقدر بثمن.. وقال المتحدث في المحاضرة التي تابعها بتمعن الحضور من مختلف الأطياف الاعلامية والثقافية، أن الأزمة كشفت حقيقة واحدة لا ثاني لها »ان العالم يعيش في دوامة لم تهدأ.. وهي دوامة بقدر ما تحمل من أخطار محدقة بالدول وأنظمتها، تأثير بإيجابيات تولد فكرا متجددا ونظريات تراهن على الواقع قدر الممكن والمستطاع، وتترك الطرح الميثالي الميتافزيقي جانبا«. وتعطي أزمة ,1929 المثال الحي عن كيفية التكفل بالأنهيار الاقتصادي الذي ولد فكرة تدخل الدولة واهتمامها بكبريات الأشياء من زاوية وظيفة الضبط وحماية المواطنين من الكارثة. وظهر آنذاك الاقتصادي الأمريكي كنز بفكرة الذي استمر لسنوات وحقب، ولازال نموذجه متبع، وتحمل ميزة وقيمة يحسب لها الحساب. ونفس الشيء يقال عن الأزمات الأخرى التي فجرها حرب أكتوبر، ووسع مجالها الى استعمال النفط سلاحا في التحرر والمقاومة والمطالبة بدمقرطة العلاقات الدولية.. المهم في كل هذا المسار أن الأزمة الراهنة لا تدرس كمعزل عن هزات وانهيارات ضربت النظام البنكي العالمي وهي انهيارات كسبت مضاعفتها، من الأزمة الغذائية والازمة الأسيوية في وقت مضى، وتبعث هذه الأزمات طروحات أكثر جرأة وتحديا، تطالب بمراجعة السياسة المصرفية والاصلاح البنكي، وهي سياسة انتهجتها اليبان، قللت من حدة الخطر الداهم، وأبعدت الكارثة الى حد ما، لكنها لم تعالج المشكل من جذوره، ومسبباته وابقت الخلل قائما دائما في وظائف آليات الضبط. وظهرت ملامح الأزمة الراهنة العام الماضي، بالنظام البنكي الأمريكي الذي يعتمد على قاعدة القروض الإستهلاكية، حيث يشجع تمويل احتياجات المواطنين من عقارات ومشتريات أخرى.. وتحت حدة الإستدانة الضخمة وعجز المواطنين على دفع مستحقاتهم، سقط البنوك في الافلاس والعجز ساعدها في الدخول للدوامة، غياب آلية الضبط، التي تتولاها الدولة دون سواها، وكانت الأزمة عاصفة على باقي الدول بالاقتصاد الأخرى، ذات الروابط اللصيقة بالاقتصاد الأمريكي ومصارف أمريكا، وحتمت خيار التدخل وفرضت تدخل الدولة وتوليها مهمة الضبط وعدم السماح بالفوضى والإنهيار. فلا عجب أن يقر الرئيس الأمريكي جورج وولكر بوش بضخ 700 مليار دولار في السوق المصرفي، لضمان السيولة اللازمة وتجاوز حالة الكساد والجمود وهو مبلغ اضيف له 250 مليار دولار لاحقا، لا عجب أن تضخ الدول الأوروبية 400 مليار أورو في هذا السوق ونفس المبلغ ضخه اليابان، بهدف الخروج من حالة الفوضى والإنفلات. ووصلت الأموال المضخة في النظام المالي 5 آلاف مليار دولار معيدة الاشكالية القديمة حول تدخل الدولة من عدمه.. مكرسة ازدواجية المعايير، وتناقضاتها مطبقة سياسة المكيالين، فكيف تدوس الدول الرائدة في التقدم القاعدة المقدسة التي اعتمدتها وحرصت عليها حتى النخاع، كيف تعدل عن القاعدة، وتعود لإقرار تدخل الدولة بضخ الملايير من الأموال في النظام المالي. وتحرم غيرها باتباع هذا النهج، وتفرض عليها حصارات واكراهات، مقابل الاقرار بالفتح الكلي لأنظمتها المالية والمصرفية والإقتصادية والسياسية.. هذه السياسة الحمائية تفرضها جملة وتفصيلا.. وتشترط التخلي عنها مقابل الانضمام الى منظمة التجارة وتلقى المساعدات الضرورية.. هذه السياسة كشفت محدوديتها.. وأظهرت عدم جدواها في مثل هذه الأزمة مكرسة المقولة الشعبية التي حفظناها عن ظهر قلب »يحق لي ما لا يحق لغيري«. من هنا، يظهر كيف ان الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحد وكيف يستحيل الفصل بين أحد عن آخر... لكنهما يكملان بعضهما البعض ويعطيات للمعادلة التوازن والديمومة. ------------------------------------------------------------------------