تداعيات أزمة الأورو، انتقلت الى مستوى بلورة أفكار رديكالية.. تجاوزت اطار الخبراء الاقتصاديين الذين أضفوا الطابع التشاؤمي على كل مبادرة تعد من أجل الخروج من هذه الضائقة المالية التي عصفت ببلدان مثل ايطاليا واسبانيا واليونان وبلحيكا وايرلندا وحتى فرنسا. ما تمّ اقتراحه من حلول فورية لم يؤخذ به وكل الرهانات التي كانت متوجهة الى البنك المركزي الأوروبي الذي يترأسه الايطالي ماريو دراغي من أجل التدخل المباشر في انقاذ البعض من الاقتصاديات المنهارة بفعل الصدمة الأولى، كان مآلها الفشل الذريع بحكم الصرامة في تسيير هذه المؤسسة المالية. هذا ما كان يدفع بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالتشديد على ادخال ضوابط قاسية على اعداد الميزانيات في البلدان الواقعة تحت طائلة هذه الأزمة رافضة رفضا مطلقا الدعاوي الصادرة عن ساركوزي والخاصة بالاستنجاد بالسندات للتخفيف من وطأة آثار هذه الموجة من سقوط حر لاقتصاديات كانت بالأمس محل إشادة في الانضباط والاستقرار. بعد أن هدأت كل هذه العواصف قفز الى السطح توجه سياسي جديد لا يؤمن بالوحدة النقدية الأوروبية قد يخلط أوراق الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية والذي يطالب بالعودة الى العملة الوطنية الأصلية التي لم تسبب أزمات حادة مثل التي نجمت عن الأورو. وهذا “الخيار” الاقتصادي أو المالي المطروح هو نتاج لفشل العملة “السياسية” الأورو في الحفاظ على ديمومة بلدان بأكملها كاليونان التي تطالب اليوم بضخ في حساباتها 130 مليار أورو.. من الخطة الأوروبية الثانية بعدما تبين لرئيس الوزراء الجديد بابا ديموس بأن البلاد على حافة خراب اقتصادي كبير، وليس هناك أي حل في الأفق حتى وإن أقدم مسؤولو هذا البلد على بيع كل ما يملكون من خيرات أو أملاك منقولة، وهذا ما يتداول حاليا في الأوساط المالية الأوروربية من أجل وضع حد للأزمة والخروج من الحلقة المفرغة التي يتخبطون فيها حاليا. هؤلاء الذين أدخلوا أو بالأحرى أغرقوا اليونان في بحر من الديون الخيالي، يتخوفون من تزايد التعاطف والتأييد للعودة إلى العملة الوطنية.. وهو مطلب مشروع وقاتم لم يحن بعد كيفية تسويقه على الصعيد السياسي... ويثار بقوة اليوم في فرنسا من قبل التيار المعارض لساركوزي الذين قدموا كل الأرقام والاحصائيات والنسب في حالة العودة الى عملة الفرنك مستقبلا. وان كان هذا الأمر من أجل التشويش على ساركوزي فإن في اليونان هناك واقع صعب جدا ومعقد الى درجة انعدام مؤشرات التفاؤل على ضوء الأموال التي بحوزة الحكومة الجديدة. ويحذر المسؤولون اليونانيون من مغبة التمادي في هذه الحالة المزرية التي لا تلقى أي دعم مالي في الوقت الراهن من قبل الأوروبيين.. وأول مؤشر لهذا التشاؤم هو اعتبارهم أن سنة 2012 ستكون مخيفة نظرا لغياب حد أدنى من الاهتمام الموجه لمصيرهم، مما اضطرهم الى بعث برسائل واضحة المعالم وهي أن هناك اجراءات تقشفية اضافية لإنقاذ الميزانية وهذا شرط من شروط كل هذه المؤسسات المالية المتعاملة مع هذا البلد منها صندوق النقد الدولي.. وتلك التدابير ما هي في حقيقة الأمر الا فخ نصب للحكومة اليونانية قصد الدخول في مزيد من الاحتجاجات الاجتماعية وتقليص عدد الوظائف ومناصب الشغل من خلال فصل العمال... كل هذا لا يتماشى مع رغبة الحكومة الرامية الى حل مشاكل اليونان الاقتصادية في هدوء بعيدا عن النزاعات الاجتماعية وهذا بعد أن منع الأوروبيون بابندريو من تنظيم او اجراء استفتاء حول ما فرض عليهم من سياسة “شدّ الحزام”. والأغرب في كل ما يدور، هو أن من وجّه الانتقادات اللاذعة للحكومة اليونانية على أساس أنها غير قادرة على تسيير شؤون البلاد والعباد وأن الأرصدة المالية ذهبت في اتجاهات غامضة لم يعرف مصيرها سلموا هذا البلد على طبق من ذهب الى مخالب صندوق النقد الدولي ليشرف على كل صغيرة وكبيرة عندما يتعلق الأمر بصرف الأموال والنفقات وغيرها ويحرمه من هامش المناورة التي يتمتع بها كل بلد في مجال اعداد مسار تنميته الوطنية من خلال فتح فاق الاستثمار.. هذا لن يكون في اليونان أبدا لأنه لا يملك السيادة والقرار في التصرف في الأموال التي منحت له في شكل قروض التي تعاد الى البنوك الأوروبية وصندوق النقد الدولي، والدائنين الخواص مقابل شراء سلع وبضائع معينة الى غاية تصحيح أوضاعه المالية، بانتهاج الحكم الراشد، والحكامة الجيدة، والتخلص من النفقات الاضافية غير الضرورية التي ألحقت بالبلد كل هذه المحن. وبالنسبة للقادة الأوروبيين.. فإن اليونان يعتبر نموذجا سيئا لا يولونه اي اهتمام يذكر ماعدا ادراجه ضمن خطة تعديل مؤلمة جدا في حين أن المسؤولين اليونانيين تفطنوا لهذا الأمر عندما هددوا بالعودة الى العملة الوطنية في حالة استمرار هذا التقاعس في مساعدة هذا البلد على تدبير أحواله باتجاه الأفضل.. غير أن كل من ساركوزي وميركل يدركان جيدا بأن مثل هذه “الدعوة” صدرت عن بلد غارق في ديونه، لا قدرة له حتى في اتخاذ مثل هذا القرار، لذلك لم يفتحا هذاالملف خلال تصريحاتهما السابقة.. هذا لا يمنع أبدا من التأكيد على أن الفكرة قائمة وتتداول في كل الدوائر السياسية والاعلامية والمالية قد تفّعل مستقبلا في حالة ابقاء الوضع على ما هوعليه اليوم أي النظر الى الأورو على أنه قناعة سياسية قبل أن تكون منفعه اقتصادية يجب أن يحافظ عليه حتى وإن جرف البعض الى البحر.