وكيل الجمهورية: هذه المحاكمة التاريخية ستكون عبرة لمن يعتبر استرجاع الأموال المنهوبة ومصادرة الممتلكات غير المشروعة مثلما كان مقررا، التمس وكيل الجمهورية بمحكمة الجنح الابتدائية، سيدي امحمد، أمس، عقوبات تراوحت بين 3 سنوات و20 سنة بالسجن النافذ، مع غرامات مالية واسترجاع الأموال المنهوبة ومصادرة الممتلكات غير المشروعة ضد الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المتورطين في ملفي تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس السابق. تواصلت لليوم الرابع، وفي أجواء عادية وسلسة، محاكمة الوزيرين الأولين الأسبقين عبد المالك سلال وأحمد أويحيى وعدد من الوزراء السابقين ورجال أعمال وإطارات من وزارة الصناعة، في قضية مصانع تركيب السيارات التي تحولت من مشروع لتنويع الاقتصاد الوطني إلى فضيحة مدوية وعينة حية عن نهب وإهدار المال العام في عز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ النصف الثاني من سنة 2014. استمرت المحاكمة في هذه القضية المتخمة بالأرقام، بالتوازي مع قضية التمويل الخفي للحملة الانتخابية للعهدة الخامسة للرئيس السابق، التي سلطت الضوء على الجانب المظلم من «تغول» المال في السياسة.ولكلا القضيتين أضرار وخيمة على الخزينة العمومية. مثلما كان مقررا، استؤنفت الجلسات بمرافعة وكيل الجمهورية للمحكمة، الذي قدم التماساته متمثلة في تسليط عقوبة السجن النافذ ب 20 سنة، ضد كل من عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، ووزير الصناعة الأسبق الفار من العدالة، عبد السلام بوالشوارب، مع إصدار مذكرة توقيف دولية ضده وغرامة مالية قدرها 1 مليون دج لكل واحد من المتهمين الثلاثة. كما التمس وكيل الجمهورية، تسليط عقوبة 15 سنة سجنا نافذة ضد كل من وزيري الصناعة الأسبقين يوسف يوسفي ومحجوب بدة، وغرامة مالية قدرها 1 مليون دج لكل واحد منهما. والتمس عقوبة 10 سنوات سجنا نافذة بحق الوالية السابقة لبومرداس، يمينة زرهوني ووزير النقل والاشغال العمومية السابق عبد الغاني زعلان، مع غرامة مالية قدرها 1 مليون دج لكل متهم. وبشأن تهمة تبييض الأموال والتمويل الخفي للحملة الانتخابية، للعهدة الخامسة التي اسقطها الشارع، التمس وكيل الجمهورية عقوبة 10 سنوات سجنا نافذة ضد كل من علي حداد، فرات أحمد، وحاج مالك سعيد مساعده وغرامة مالية قدرها 3 ملايين دج لكل واحد منهم. وبشأن رجال الأعمال عرباوي حسان، معزوز أحمد، بعيري محمد، إلى جانب عاشور عبود(مدير البنك الوطني السابق) ونمرود عبد القادر، التمس ممثل النيابة العامة ضدهم، عقوبة 10 سنوات سجنا نافذة وغرامة مالية قدرها 1 مليون دج لكل متهم. والتمس الوكيل عقوبة 8 سنوات سجنا نافذة، ضد المتورط فارس سلال، نجل عبد المالك سلال، سناي كريم، وسناي سفيان مع غرامة مالية قدرها 3 ملايين دج. كما التمس عقوبة 8 سنوات سجنا نافذة ضد إطارات سابقة من وزارة الصناعة وهم، تيرا أمين، علوان محمد، مقراوي حسيبة، عبد الكريم مصطفى وأقادير عمر . وأدنى عقوبة التمسها وكيل الجمهورية، كانت 3 سنوات سجنا نافذة و1 مليون دج، ضد شايد حمومدير المالية في الحملة الانتخابية للرئيس السابق. وبشأن الأشخاص المعنوية (الشركات)، فقد التمست النيابة بحقها عقوبة غرامة قدرها خمسة (5) ملايين دج، إلى جانب مصادرة جميع العائدات والاموال المختلسة مع حرمان موظفيها المتهمين من حقوقهم المدنية. السلطة المطلقة تولد المفسدة المطلقة قبل تقديم الالتماس، استعرض وكيل الجمهورية، الوقائع التي بنيت عليها الجرائم المرتكبة «في حق الاقتصاد الوطني»، معتبرا أن الوزيرين الأولين السابقين محل التهمة وباقي المتهمين من وزراء سابقين وموظفين بوزارة الصناعة ورجال الاعمال، المتورطين «قاموا بإيهام الشعب الجزائري بالتقشف، ليستحوذوا على أمواله مثلما يحلولهم». وأوضح أن وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوالشوارب، ومسؤولي الجهاز التنفيذي، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ووزيري الصناعة انذاك محجوب بدة ويوسف يوسف، منحوا «عمدا»، امتيازات غير مستحقة لرجال أعمال محددين بالأسماء دون المعايير التقنية المطلوبة، ودون أي سند قانوني، خاصة وأن دفتر الشروط الأول الذي أعد في عهد بوالشوارب غير مشهر به في الجريدة الرسمية. وأضاف أن «معالجة ملف الاستثمار في تركيب السيارات تمت على أساس المحاباة وتفضيل متعامل على آخر دون وجه حق»، مما أدى حسبه إلى «توسيع الهوة بين الشعب ومؤسساته». وأشار إلى رصد الأجهزة المختصة عدة خروقات تمثلت في إعطاء اعتمادات مباشرة النشاط، والاستفادة من المقررات التقنية لتركيب السيارات قبل مصادقة الهيئات المتخصصة على غرار الوكالة الوطنية للاستثمار والمجلس الوطني للاستثمار. واتجهت الحكومة سنة 2014، إلى شعبة تصنيع السيارات عن طريق التركيب، وأقرت في ذات السنة قانون المالية الذي يلزم الوكلاء المعتمدين بالتحول إلى نشاط الإنتاج في ظرف 3 سنوات، أي أن آخر أجل كان سنة 2017. وباشرت العمل على تجسيد التحول من خلال اعداد دفتر شروط، لم يشهر في الجريدة الرسمية، ويتضمن عدة شروط منها الشريك الأجنبي ورقم التعريف العالمي والخبرة الإلزامية المحددة ب3 سنوات. ونظرا للفوضى التي شهدتها هذه الشعبة، رأت الحكومة سنة 2017، بإعادة تنظيمها، من خلال إقرار دفتر شروط جديد صادر بتاريخ 28 نوفمبر 2017، ألزم المتعاملين الذين باشروا النشاط والجدد بمطابقة أنشطتهم وفقه، غير أنها مددت إعفاءات المطابقة لسنة كاملة، مما مكن المتعاملين من الحصول على امتيازات «غير» مستحقة إضافية بآلاف الملايير. وحسب النيابة العامة فإن التحقيقات توصل إلى وجود رجال أعمال يسيرون شركات حقيقية ووهمية تتمتع بامتيازات جبائية وجمركية وعقارية دون وجه حق. ورأت النيابة أن رجال الأعمال عرباوي حسان، بعيري محمد ومعزوز أحمد، استفادوا من شركات تركيب السيارات بفضل علاقاتهم مع المسؤولين، وحازوا على الاعتماد بعيدا عن القوانين المعمول بها في منح الصفقات وشروط التساوي بين المترشحين. وفي السياق قال وكيل الجمهورية: «كنا لا نؤمن ولا نصدق أن بعض السياسيين فاسدين، ونعتقد بأن الرجل المناسب في المكان المناسب، لكن وبعد كل هذا، هل هؤلاء تنطبق عليهم هذه المبادئ؟». واعتبر أن الفضائح المسجلة في الملفين، تسببت في أضرار بليغة لمعنويات الشعب الجزائري وجعلته يفقد الثقة في مؤسسات الدولة، بل هناك «من لا يثق في أن هذه المحاكمة تجري فعليا». وأضاف وكيل الجمهورية عقب تقديمه للالتماسات، بأن هذه المحاكمة «تاريخية»، وسوف « تكون عبرة لمن لا يعتبر».مؤكدا أن «السلطة المطلقة تولد المفسدة المطلقة». 7700 مليار سنتيم خسائر سببها أويحي وسلال 1500 مليار بوالشوارب ووفقا للنيابة العامة، فإن الأفعال المنسوبة لوزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوالشوارب المتابع بعدة تهم منها «تبييض الأموال، المنح العمدي لامتيازات غير مستحقة، وسوء استغلال الوظيفة، والرشوة وتعارض المصالح»، تسببت في خسائر مالية للخزينة العمومية قدرها 1500 مليار سنتيم. أما الوزيران الأولان الأسبقان سلال، وأويحيى المتابعان «بالمنح العمدي لامتيازات غير مستحقة وسوء استغلال الوظيفة، والتصريح الكاذب وتبييض الأموال»، فقد سببا للخزينة العمومية خسائر قدرها 7700 مليار سنتيم. هذا الرقم الذي تسبب فيه أحمد أويحيى نجم عن اعتماده لملف المتعامل أحمد معزوز وحده، بشكل استثنائي ودون الاستناد على أي نص قانوني. أويحيى متابع أيضا بتهمة التصريح الكاذب بالممتلكات، حيث أخفى على مصالح رئاسة الجمهورية حيازته لحساب بنكي ببنك عمومي بسطاولي بالعاصمة، بقيمة 30 مليار سنتيم، وجرت به تحويلات منه وإلى حسابين آخرين لابنه وزوجته، بشكل مشبوه ودون تحديد مصدر تلك الأموال. وعجز أويحيى عن تقديم تبرير مصدر تلك الأموال سواء أمام القاضي المستشار بالمحكمة العليا، أوقاضي محكمة سيدي امحمد أثناء المحاكمة. كما يتابع سلال بتهمة التمويل الخفي للحملة الانتخابية الرئاسية، حين أنشأ حسابين بنكيين باسمه، شهر فيفري الماضي، وصب فيهما أموالا مجهولة المصدر. وضخ في أحد الحسابين مبلغ قدره 39 مليار سنتيم، يعود للمتعامل أحمد معزوز، والذي منح المبلغ في البداية لرجل الأعمال علي حداد الذي لا صلة رسمية له بالحملة الانتخابية للرئيس السابق كما ادعى. وحسب المعطيات التي تحوز عليها النيابة، فإن هدف معزوز من وراء تمويل تلك الحملة ، كان بهدف الحصول على مساعدة السعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس السابق، ، لتوصيل مصنع تكرير السكر ببومرداس، بالغاز الطبيعي. يوسفي تسبب في خسارة ب 2900 مليار سنتيم وبدة 800 مليار وحسب النيابة العامة، فإن وزيري الصناعة الأسبقين محجوب بدة ويوسف يوسفي، تسببا في خسائر مالية للخزينة قدرها 2900مليار سنتيم و800 مليار سنتيم، بسبب تورطهما في المصادقة على المقررات التقنية للمتعامل عرباوي حسان وأحمد معزوز بشكل مخالف للقانون ودفتر الشروط. ويتابع بدة بتهمة التصريح الكاذب وتعارض المصالح، إلى جانب استغلال الوظيفة ومنح امتيازات غير مستحقة. ولم يصرح بدة، بامتلاكه عقارا بالمرادية مساحته شاسعة و4 حسابات بنكية، وشركات أخرى تتعارض مع وظيفته كعضوفي الحكومة. فيما ان يوسفي متابع بمنح امتيازات غير مبررة للمتعامل معزوز وإعطائه رأيا إيجابيا لتمديد الإعفاءات من المطابقة، بطريقة غير قانونية وكذا توقيع 14 مقررا تقنيا للمتعامل عرباوي حسان صاحب شركة «كيا»، بشكل مخالف للقانون. وتتابع والية بومرداس السابقة، يمينة زرهوني، بتهمة سوء استغلال الوظيفة ومنح امتيازات غير مبررة، تمثلت في تسليم قطعة أرض فلاحية عالية الجودة للمتعامل بعيري محمد. ويتابع فارس سلال، نجل الوزير الأول السابق، بالاستفادة من نفوذ والده، بشكل يتعارض مع المصالح، حيث أصبح إطارا مسيرا لمجمع معزوز بعد ثلاثة (3) أشهر فقط من تقلد والده منصب وزير أول، وحصل على 23 بالمائة من الأسهم في رأسمال المجمع دون مقابل. 11 الف مليار سنتيم خسائر كلفتها الحملة للخزينة العمومية وتسبب التمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس السابق، في خسائر قدرت ب 11 ألف مليار سنتيم، حسب النيابة، التي اعتبرت أن مصادر الأموال التي نقلت إلى مقر المداومة في الفترة الممتدة بين فيفري ومارس الماضيين مجهولة، ولم تحترم القانون المتعلق بمكافحة الفساد لاسميا مادته ال 39. 19 مليار سنتيم في خزائن مكتب علي حداد واعترف علي حداد بأنه تصرف بناء على لقاء جمعه مع السعيد بوتفليقة، جرى فيه الاتفاق على جمع مبالغ مالية لتمويل الحملة الانتخابية. وتصرف حداد بشكل مخالف للقانون في تجميع وسحب ونقل الأموال بطرق غير قانونية من المداومة إلى مكتبه بمجمع الأشغال العمومية، حيث كلف صهره فرات أحمد وحاج مالك سعيد بنقل 19 مليار سنتيم إلى مكتبه واستلام مبلغ 39 مليار سنتيم من أحمد معزوز، كما قام بتعيين شايد حمومديرا للمالية في الحملة الانتخابية. ولفت وكيل الجمهورية، إلى نقطة متابعة المتهمين بتهمة تمويل أحزاب سياسية «لأن البعض قد يقول أن الرئيس السابق ليس له حزب سياسي ينتمي اليه، ولكن الجميع يعلم الحزب الذي ينتمي إليه. مرافعة الدفاع بعد إفادة النيابة، تواصلت مباشرة، أطوار المحاكمة غير المسبوقة في تاريخ القضاء الجزائري. ورغم مقاطعة بعض المحامين، إلا أن المرافعة تمت بالشكل المعهود من قبل محامين آخرين، وكان أولهم العيفة أويحيى، الذي تقدم المنصة دفاعا عن أخيه أحمد. مرافعة العيفة، كانت تحمل امتدادا لباقي الوزراء، فقد اعتبر أن «تحميل وزراء وزر كل الأخطاء والتجاوزات التي عرفتها البلاد أمر مبالغ فيه وغير منطقي». وأثار نقطة عدم اختصاص المحكمة، كون الدستور ينص على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الوزير الأول، غير ان وكيل الجمهورية حسم القضية بتاكيده أن المحكمة الخاصة «شكلية»، وليس «موضوعية»، كما انه لا يوجد نص قانون عضوي بنصوص تنظيمية لهذه المحكمة، ناهيك عن امتلاك محكمة سيدي امحمد خاصية «الاختصاص». واعتبر المحامي، أنه من غير المعقول تحميل الوزير الأول والوزير، مسؤولية كل ما يقع في وزاراتهم، وتجاهل المديريات والمصالح الأخرى، كون المنصبين سياسيين بالدرجة الأولى. وطلب العيفة أويحيى البراءة لشقيقه، لكون الملف المتابع فيه، خال من أدلة تثبت التهم المنسوبة إليه. وتداول المحامون على المرافعة لصالح رجال الأعمال محمد بعيري، أحمد معزوز وعرباوي حسان على التوالي، واستنجدوا بوثائق وتواريخ لنفي تهم الاستفادة من سلطة أعوان الدولة أوتبييض الأموال أوالحصول على امتيازات غير مستحقة. وكان محامي محمد بعيري قد أكد أن موكله، لا يحتاج إلى شرط موافقة المجلس الوطني للاستثمار، لان استثماره لا يتجاوز مبلغ 5 مليار دينار، وبالتالي تكفي موافقة الشباك الوحيد على المستوى المحلي للوكالة الوطنية لترقية الاستثمار. كما تمسك بأقوال موكله بشأن عدم مسؤوليته على طبيعة الأرض التي تحصل عليها من قبل مصالح ولاية بومرداس. ورافع عن أحمد معزوز 4 محامين، نفوا استفادة موكلهم من امتيازات غير مستحقة، وعدم ضغطه اواستفادته من نفوذ أومساعدة أعوان الدولة. بينما تمسك دفاع عرباوي حسان، بأن المعني لم يحصل على رخص انجاز مصانع لتركيب السيارات بطرق غير قانونية وبعيدا عن المنافسة الشريفة، مقدمين أن الشركة الأم «كيا»، اختارت المتعامل لإنشاء مركب للتصنيع الحقيقي وليس مجرد التركيب. دفاع المتهمين، رد على الأطراف المدنية التي تأسست في القضية، كالمتعامل عشايبوعبد الرحمان، مجمع ربراب، الخزينة العمومية وزارة الصناعة، بأن عدم حصولهم على اعتمادات إنشاء المصانع ليس من مسؤولية الوزير الأول، أووزير الصناعة فقط، وإنما الإدارة التي استقبلت ودرست الملفات ممثلة في لجنة التقييم التقني التي درست الملفات واقترحت. وحسب النيابة العامة، فإن المتعامل معزوز أحمد يحوز على 27 شركة بينما يملك عرباوي حسان 34 شركة ومحمد بعيري 9 شركات. والى غاية كتابة هذه الأسطر ( الساعة العاشرة من الليلة الماضية) تواصلت مرافعة الدفاع في انتظار المداولة والنطق الأحكام النهائية . (تطالعون التفاصيل في عدد الشعب القادم).