الأزمة تلد الهمة، هي المقولة التي يتعمق معناها وتزداد قيمتها العملية مع مختلف الأزمات التي تمر بها المجتمعات الإنسانية من حين لآخر، من أبرزها الأزمات الصحية وانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة التي فتكت بآلاف الأشخاص في مراحل متعددة من التاريخ البشري أبرزها الملاريا، الطاعون، الكوليرا وصولا إلى الأمراض المستجدة الحديثة كفيروس كورونا الذي عجز أمامه الطب الحديث، فيما تحركت مختلف المخابر وهيئات البحث العلمي للبحث عن لقاحات ومعقمات للحد من انتشاره ومنها بلدان العالم الثالث التي ظلت مرتبطة بمصير الدول المتقدمة ولا تعطي اهتماما كافيا لميدان البحث العلمي.. هذه المقولة تنطبق حاليا على ميدان البحث العلمي في الجزائر الذي يبقى بعيدا عن التطلعات في زمن التحول التكنولوجي وتطور جينات الأمراض والفيروسات الفتاكة التي تتطلب وسائل حديثة وتقنيات عصرية واستعدادات أيضا لمواجهة مثل هذه الكوارث الصحية على غرار الكوارث الطبيعية التي ازدادت هي الأخرى في السنين الأخيرة، خاصة وأن الجزائر تملك عشرات الكفاءات العلمية ومخابر البحث المنتشرة في مختلف جامعات الوطن لكن تبقى إسهاماتها في مجال البحث وبراءة الاختراع بعيدة عن التحديات الراهنة. وأمام هذا التحدي الكبير وبهدف تدارك العجز المسجل في ميدان البحوث العلمية ونقص عملية التكفل من قبل المؤسسات الصناعية والمتعاملين الاقتصاديين، جاءت فكرة الحاضنات ضمن برنامج الحكومة من خلال سعيها إلى استحداث فضاءات عملية وتقنية عبر جامعات الوطن ومنها جامعة بومرداس تعنى بمختلف الأفكار المبدعة والاختراعات التي يقدمها الطلبة في مشاريعهم الدراسية ومذكرات التخرج التي تبقى بشهادة الطلبة مكدسة في الأدراج دون ان يستفيد منها قطاع البحث نتيجة غياب الدعم والمرافقة في الميدان. وقد جاءت ظاهرة انتشار فيروس كورونا كوباء مس مختلف دول المعمورة ليزيد من أهمية البحث العلمي وإعطاء أهمية اكبر لقطاع التعليم العالي والباحثين في الجزائر من اجل المساهمة في تطوير المنظومة الصحية وباقي القطاعات الاقتصادية الأخرى وهذا عن طريق الدعم الحقيقي والمرافقة والتكفل بالبحوث العلمية التي تبقى بنظر طلبة الدكتوراه والأساتذة النقطة السوداء في المسار الدراسي للطالب الذي يبقى ناقصا دون استكمال مشاريعه البحثية. كما أظهرت الأزمة الحالية المتولدة عن وباء كورونا وما نجم عنه من سلوكات سلبية وعدم الاستعداد الجيد من قبل مختلف القطاعات منها الصحية والصيدلانية التي أدت إلى ظهور ندرة سريعة في مواد التطهير والتعقيم والأقنعة في نقاط البيع وغياب البدائل المستعجلة لإنقاذ المواطن من الوباء، إلى ظهور مبادرات محلية قام بها فريق بحث بمختبر كلية العلوم التكنولوجية لجامعة بومرداس وعدة جامعات منها جامعة مولود معمري وجامعة البويرة إلى تطوير مطهر هيدروكحولي مستخلص من الكحول الاثيلي المستخرج من مركز السكر وعدة تركيبات طبيعية كنبات الصبار سيوزع مجانا على المواطنين، رغم اعتراف رئيس الجامعة بقلة الإمكانيات ونقص مادة الكحول، لكن كما قلنا سابقا الأزمة تلد الهمة والإرادة وغريزة البقاء تدفع إلى المبادرة والبحث وعدم الاتكال على الآخر، ويبقى استخلاص الدروس والعبر مهم جدا في مثل هذه الظروف.