يبدو أن الاحتفال بيوم العلم المصادف ل16 أفريل من كل عام أصبح يقتصر على المؤسسات التربوية وبعض الجمعيات والمراكز التي تهتم بهذا التاريخ فحسب، حيث نجد مؤسسات ثقافية، من المفروض أن تسطر برنامجا خاصا لهذا اليوم، وضعته في طي النسيان وإن كان له نصيب في برنامجها فيأتي بحكم الصدفة.. ابتعدت بعض المؤسسات الثقافية في الجزائر عن الدور الذي كان عليها أن تلعبه في كل المناسبات وليس الظهور والنشاط في مناسبة دون أخرى، لتنوير العقول وإثرائها بالأفكار، المعارف والمعلومات، خاصة لفئة الطفولة، التي هي في حاجة إلى أوعية تحويها، توجهها وتثري زادها المعرفي بالمعلومات والمعارف خاصة تلك المتعلقة بعمالقة البلد الذين قدموا الكثير للوطن وتركوا موروثا وتراثا معرفيا، فكريا وثقافيا كبيرا، تاركين بصمة خاصة لهم من ذهب في التاريخ الجزائري عبر العصور، ويتجلى ذلك في تهميش مؤسسات ومراكز ثقافية ليوم العلم، الذي يتعلق بأحد الشخصيات البارزة في الجزائر هو العلامة عبد الحميد بن باديس، هذه الشخصية البارزة في التاريخ الجزائري، والتي نشطت داخل وخارج الوطن في فترة صعبة من أجل توسيع النشاط الفكري والثقافي في المجتمع الجزائري، حيث اعتمد بن باديس على عقلية الإقناع في دعوته إلى إصلاح أوضاع المجتمع ، وحارب الطرقية والتصوف السلبي الذي أفرز عادات وخرافات لا تتماشى وتعاليم الإسلام الصحيحة، كما نبذ الخلافات الهامشية بين شيوخ الزوايا، ودعا إلى فهم الإسلام فهما صحيحا بعيدا عن الدجل والشعوذة ورفض التقليد الأعمى والارتباط بالإدارة الاستعمارية ، وقد اختصر مشروعه الإصلاحي في ?الإسلام ديننا، والعربية لغتنا والجزائر وطننا?، كما وقف في وجه دعاة الاندماج و قاومهم بفكره وكتاباته ومحاضراته، واهتم بن باديس بنشر الثقافة الإسلامية من خلال بناء المدارس والمساجد وتوسيع النشاط الدعوي والثقافي والصحافي، لذلك عمل مع أقرانه من أمثال الشيخ البشير الإبراهيمي، العربي التبسّي والطيب العقبي على تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 05 ماي 1931 وانتخب رئيسا لها إلى غاية وفاته في 16 أفريل 1940، وهو في الواحدة والخمسين من عمره. المسرح والسينما تبعد يوم العلم من محتواها تنقلت “الشعب” إلى مجموعة من المؤسسات الثقافية، التي من شأنها أن تضع هذا اليوم في الحسبان، إلا أننا لم نجد ولم نلمس اهتماما واضحا بهذا التاريخ، عدا من رحم الله، فمن بين المؤسسات التي وضعت يوم العلم في الحسبان وسطرت له مكانا ضمن برنامجها الثقافي مؤسسة فنون وثقافة، التي نظمت أبوابا مفتوحة على المكتبات المتعددة الإعلام والمعاهد الموسيقية التابعة لها، حيث قام القائمين عليها من خلالها بفتح نافذة على هذه الفضاءات التعليمية، الثقافية والترفيهية، إضافة إلى اقتراح عدة نشاطات منوعة من خلال تنظيم معارض وعرض الخدمات الخاصة بهذه المكتبات. كما سطرت ذات المؤسسة بمناسبة يوم العلم تظاهرة معرض الكتاب في طبعتها الثانية، والتي جاءت هذه السنة تحت شعار “المدينة في مطالعة”، حيث تم بالمناسبة تنظيم معرض للكتب، بحضور ومساهمة عدة دور كتب ونشر من أجل الإثراء و تفعيل التظاهرة و تقديم الجديد الصادر في عالم الكتاب و المطالعة. وكعادته يخصص الديوان الوطني للثقافة والإعلام في كل سنة وبمناسبة يوم العلم برنامجا، حيث تحتضن المكتبات التابعة لذات المؤسسة معارض للكتب من شانها تنوير عقل الطفل خاصة، وتعريفه أكثر بهذه الشخصية الجزائرية الفذة التي اعتمدت على اللغة والمكتبات الثقافية أسمى وسيلة للحفاظ على الهوية الوطنية بعيدا عن لغة السلاح والتدمير. أما عن العمل المسرحي والسينمائي الذي يعرض في هذه الفترة المتزامنة ويوم العلم، والتي أخذت فيها العروض الموجهة للطفل حصة الأسد فمحتواها او الرسائل التي تحملها بعيدة عن يوم العلم ولا تتطرق للكفاح المنشود له للعلامة بن باديس، وان كانت هناك أفلام وبرامج وفعاليات تتعلق بالاحتفالات المخلدة لخمسينية عيدي الاستقلال والشباب، فالحديث عن العلامة غائب فيها، رغم الدور الكبير الذي لعبته جمعية العلماء المسلمين في التمهيد للكفاح وإقناع الجزائريين بوجوب وقوفهم في وجه كل من تسول له نفسه محو هويتهم والقضاء عليها، وداعية إلى التمسك بالمبادئ والركائز والخصائص التي بني عليها المجتمع الجزائري العربي المسلم. الجمعيات الثقافية أكثر المؤسسات اهتماما بيوم العلم فيوم العلم يحيى في المؤسسات التربوية والجامعات، كذلك الجمعيات الثقافية، حيث يحتوي هذا اليوم العظيم على عدة نشاطات تقوم بها هذه الفضاءات والمؤسسات، ويتعلق الأمر بإقامة معارض للكتب، إضافة إلى إلقاء محاضرات وملتقيات تذكر فيها نبذة عن حياة العلامة ابن باديس وأثاره وأهم مؤلفاته، كذلك نجد بعض المؤسسات التربوية تقوم بإعداد مسابقات بغرض تحفيز التلاميذ، ودفعه إلى سبيل البحث والاجتهاد، لتختتم الفعاليات والمسابقات بهذه المناسبة المتعلقة بالاحتفال باليوم الوطني للعلم بتوزيع جوائز تشجيعية على المتفوقين. وتبقى الجمعيات على رأس المؤسسات الثقافية، العلمية والفكرية المهتمة بيوم العلم ومن بينها الجمعية الجزائرية لمحو الأمية “اقرأ”، التي وضعت برنامجا خاصا يضم نشاطات متعددة لتحسيس وتجنيد المواطنين، بتنظيم ندوات ومحاضرات بالمناسبة، مسابقات فكرية، مع تنظيم قوافل للقراءة والمطالعة بالمداشر. فمهما فعلنا لن نستطيع أن نعطي العلامة عبد الحميد بن باديس حقه، ولا هذه المناسبة حقها، لأنه يذكرنا بمدى أهمية العلم في البشرية، الذي يعد أساس تقدم وازدهار الأمم والشعوب ولأنه يعبر عن مدى إدراكنا لشيء على ما هو عليه، ومن هنا يمكننا أن نقول بأن العلم يفسر الواقع ويستخلص القوانين التي تسير هذا الواقع حتى نتمكن من تسخيره لفائدة الفرد والمجتمع باستخدام العقل والبراهين و باعتبار العلم الوسيلة الأساسية لترشيد التصور والتصرف سواء كانت آنية أو مستقيلة. وحتى لا تتدهور الثقافة المعرفية والفكرية، والحفاظ على التراث والموروث التاريخي الذي تزخر به البلاد على كل الجهات والمؤسسات التي من دورها وشأنها أن تبرز هذا الغنى الفكري والثقافي الوطني، أن تخصص نصيبا ضمن برامجها خاصة للأطفال، والتكامل مع المؤسسات التربوية كالمدارس لتثقيف التلاميذ، فالطفل يملك عقلا بحاجة إلى من يملأه بزاد معرفي لتنويره خاصة بما تعلق بالتاريخ الوطني، فالكثير من الأطفال يعرفون اسم عبد الحميد بن باديس، وجمعية العلماء المسلمين دون الإلمام بكل بالمعلومات المتعلقة بها، والشيء الذي يجب أن يوضع في الحسبان هو ضرورة التكفل بالفعلي بالطفل وتنويره بما يخدم ثقافته وهويته، فهو يعيش كغيره من الشرائح الأخرى عصر العولمة، وباعتبار عقله صفحة بيضاء تستقبل كل ما يكتب عليها، فتتولد في هذا الصدد الصعوبة التي يجدها الأولياء والمربين من اجل صقل ودعم الزاد المعرفي للطفل، الذي أصبح من الصعب التحكم فيه في ظل العولمة التي أصبحت تغزوهم وتحدد السبل التي يسلكونها حتى في المعرفة.