تصل الجزائر إلى منعرج الانتخابات التّشريعية لوضع آخر لمسات البناء المؤسّساتي من أجل تحقيق الرّهان الأهم في بناء اقتصاد قوي، لتنتقل بذلك إلى مرحلة أخرى يتّخذ فيها الحراك الأصيل العمل في مختلف المجالات والمستويات مكانا محوريا لتجسيد التغيير في إطار مشروع الجزائر الجديدة. تنتقل الجزائر اليوم إلى مرحلة أخرى يكون فيها أخلقة العمل السياسي وإبعاد المال الفاسد أساس المعادلة السياسية، حيث طرح قانون الانتخابات الجديد الصادر نهاية الأسبوع الماضي بأمر رئاسي، رهان الشفافية والنزاهة على الطبقة السياسية، ومختلف فواعل المجتمع للمشاركة في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 12 جوان القادم من أجل إرساء مجالس منتخبة بإرادة الشعب. إعطاء الجامعيّين والكفاءات الشابة مساحة أكبر للترشح يعكس تحوّلا عميقا في نظرة الجزائر إلى المستقبل، ويستعد الشباب لصناعة التحول في مشروع بناء أمة جديدة تفتخر بماضيها عبر مختلف الحقب التاريخية، وتملك حاضرها لرسم إستراتيجية البناء المؤسساتي والاقتصادي. بريش: «التّغيير تصنعه النّخب» قال المحلّل السياسي عبد القادر بريش في اتصال مع «الشعب»، إن الساحة السياسية والمجتمعية ستعرف حركية للانخراط في هذا المسار الانتخابي، لأنّ الأولوية الآن - حسبه - هي انخراط الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني، وكذا الحراك في المسار الانتخابي والديمقراطي لتحقيق التغيير المنشود دون إقصاء لأي طرف كان. شدّد بريش على ضرورة أن يصبح الحراك أكثر نضجا من خلال تطوير آليات المرافعة، وينخرط في مسار التغيير ليتحوّل بذلك الى حراك مؤسساتي تقوده النخب من أجل بلورة مقترحات الحلول وترجمة مطالب الحراك ونقلها الى طاولة الحوار والتفاوض داخل المؤسسات، وحتى يتحقق ذلك لابد من إطلاق مسار حوار جاد وصادق بين مختلف مكونات الطبقة السياسية والمجتمع المدني، النخب والشخصيات الوطنية، والسلطة بغية الوصول الى خارطة طريق البناء المؤسساتي، ما يسمح بتحقيق التغيير الحقيقي ويلبّي مطالب الحراك. ويرى المتحدّث وجوب إعادة إطلاق مسارات جديدة للحوار انطلاقا من إرادة صادقة للخروج من الحلقة المفرغة، من خلال اتخاذ «لنبنيها على الصح» شعارا للمرحلة القادمة، بمعنى بناء مسار سياسي صحيح يساهم في إرساء البناء المؤسساتي، وإقامة نظام حكامة جديد يعبّر عن تطلعات الشعب في التغيير. في ذات السياق، أشار بريش إلى أنّ كل تلك الخطوات ستجعل الجزائر وكل الفاعلين داخلها يتفرّغون لإقامة إصلاحات اقتصادية حقيقية لأنّه أكبر رهان لمواجهة التحديات التي فرضتها كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة ترتيب سلم الأولويات في السياسات العمومية وتحقيق متطلبات الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، ما يفضي في النهاية إلى تحقيق أمن مجتمعي، مستندا على بناء مؤسساتي قوي يعبر عن الإرادة الشعبية، لينخرط الجميع في مسار بناء دولة قوية بمؤسساتها السياسية، واقتصاد قوي يساهم فيه ويستفيد منه كل الجزائريين. ودعا المحلل السياسي مختلف فواعل الحراك للابتعاد عن الشعارات التي تمس بمؤسسات الدولة، والابتعاد عن العدمية وتبني شعارات موحّدة للمطالب خاصة مطالب التغيير ومحاربة الفساد، وإقامة دولة الحق والعدل والحريات والابتعاد عن أي شعارات حزبية أو مطالب فئوية، محذّرا في الوقت نفسه جميع الشعب الجزائري بمختلف شرائحه وتوجّهاته من احتكار أي جهة أو فئة للحراك. في السياق نفسه، حذّر أيضا من تحوّل الحراك إلى أداة تدمير داخلي وذاتي، والبقاء في الشارع دون تحقيق تقدّم، وبدون أجندة واضحة للانخراط في مسار التغيير، لأن «تحقيق التّغيير تصنعه النّخب».