تبنّت الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة المشاركة في الانتخابات التشريعية خطابات التغيير وتقوية مؤسسات الدولة، وتقاطعت في الدعوة لبناء مؤسسات أقوى. وسجّلت في المقابل التزامها بميثاق أخلاقيات الممارسة الانتخابية، الذي وقّعت عليه عشية انطلاق الحملة الانتخابية. لم يلحظ على تجمّعات منشّطي حملة تشريعيات 12 جوان، في الأيام الأربعة الأولى، ما يخل بالسير الحسن لها، سواء على الصعيد الميداني التنظيمي أو الخطاب المعتمد من قبل قادة الأحزاب والمبادرين بالقوائم المستقلة. واجتهد المتنافسون في الترويج لتجمّعاتهم الشعبية، داخل وخارج القاعات، بتنظيم أنشطة فلكلورية وعروض فنية، أثبتت مدى ملاءمة الأجواء والظروف العامة لهذه المرحلة الحاسمة من عمر المسار الانتخابي. ومقارنة بالاستحقاقات الأخيرة، اختفت الأصوات «المعادية» للفعل للانتخابي، والتي سبق ولجأت إلى تصرّفات بلغت حد العنف اللفظي والجسدي غير المبرّر، من خلال التعرض للمترشحين. وبعدما فضحت القيادة العليا للبلاد، المخطّطات «التخريبية» التي استهدفت إسقاط الانتخابات التشريعية، عن طريق تحريك أوراق الإضراب وبث الفوضى في مختلف القطاعات الحسّاسة، ورفع الأسعار في عز الشهر الفضيل، تدخل الحملة الانتخابية، يومها الخامس في هدوء وسكينة. وعلى صعيد الخطاب الترويجي المعتمد من قبل الأحزاب السياسية، بدا واضحا تقاطعها عند «كل ما يخدم المصلحة الوطنية» بالمنطق المؤسساتي للدولة، من خلال الحفاظ على المؤسسات الحالية وتقويتها لاحقا. واتّخذ جل المتنافسين «التغيير» كشعار لهم، باعتباره قطيعة مع الممارسات السابقة التي أوصلت البلاد إلى انسداد سياسي ووهن مؤسساتي كاد أن يعصف بها، على غرار الفساد والانفراد بالحكم، والتعسف في استغلال السلطة. وخيّم الظرف السياسي والاجتماعي الراهن على الخطاب الانتخابي، فقد دافع المشاركون بقوة عن خيار الانتخابات، كآلية لنيل الشرعية وممارسة السلطة التشريعية والمشاركة في الجهاز التنفيذي، مجدّدين رفضهم المطلق للمرحلة الانتقالية ودعاتها. ومن خلال رصد أنشطة الأحزاب والقوائم المستقلة المتنافسة، على مواقع التواصل الاجتماعي، يتّضح مدى التقارب في الأفكار والوعود التي يرفعها المترشحون، والنابعة أساسا من الإجماع الحاصل بضرورة، التوجه نحو ممارسة جديدة للحياة السياسية. ويضع هذا التقارب المتنافسين أمام تحدي إقناع الناخبين والتميز أمامهم ببرامج مختلفة، في ظل الصعوبات الجمة التي يطرحها النظام الانتخابي الجديد (نظام القائمة المفتوحة)، من أجل تحقيق المعامل الانتخابي. وفي السياق، لم تسجّل أيّة انزلاقات لفظية بين المتنافسين سواء على المواقع الافتراضية أو خلال التجمعات الشعبية والأنشطة الجوارية، ما يؤكّد التزام الجميع بأخلقة الحملة الانتخابية وفق ما ينص عليه ميثاق الأخلاقيات الموقع عليه الثلاثاء الماضي، بإشراف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. وينتظر أن تصدر السلطة المستقلة تقييما لمجريات الحملة الانتخابية، في أسبوعها الأول.