انطلقت في عصرنا الحديث موضة جديدة في التعامل المالي، أطلق عليها العملات الرقمية. لاشك أن لا أحد منا يتقن جيدا هذا العالم الموغل في الغموض، فمن الخوارزميات المعقدة إلى البلوكتشين وما تحمله هذه التقنية من دفاتر بيانات معقدة ومحمية أين يتم تشارك التمويل الرقمي بشكل آمن. وسط هذا الوضع الخاص، تفكر حكومات في اقتحام المجال الذي أضحى "سوقا سوداء" في رؤية أغلب دول العالم، فعدا دول قليلة تقبل تقنين التعامل بها مثل السلفادور "البتكوين أساسا" التي اعتمدتها كعملة رسمية واستثمرت فيها، وتعتبرها كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا عملات قانونية ويقود تشجيع العمل بها واستعمالها أغنى رجل في العالم ورجل الأعمال الأبرز إيلون ماسك، الذي يرفع أحيانا قيمتها في السوق أو يخفضها بتغريدة منه، يقرر فيها ضخ أموال معتبرة لشراء عملات رقمية أو السماح لزبائن شركته الأكبر في تكنولوجيا السيارات الكهربائية "تيسلا"، حيث لم يتوضح بعد ماهي الأهداف والاستراتيجيات التي تحرك ماسك وراء تشجيع هاته العملات. الأهم من كل هذا، أنه بينما يفتح الغرب أحضانه لهاته العملات، تقف الصين وبنغلاديش، على سبيل المثال، سدّا منيعا ضدها وتمنع التعامل بها مطلقا. وتحذو حذوها عديد الدول العربية، مثل مصر التي لم تكتف بمنع العملات، بل وأفتى الأزهر بحرمة التعامل بها، بحكم أنها ليست أصولا ثابتة يمكن أن يعتد بها في التعاملات المالية، بينما تشهد هاته العملات حالات تقلب كثيرة بين الارتفاع الجنوني أحيانا والهبوط الشديد في أحيان أخرى. لكن العملات الرقمية كانت أيضا ورقة رابحة للعديد من الشعوب التي وجدت فيها مخرجا أمام أزماتها الاقتصادية. فإيرانولبنان مثلا، انتعشت فيهما تجارة تعدين "البتكوين"، خاصة بعد إخراج إيران من نظام "سويفت" عام 2012. وفي لبنان أصبح التعامل بالعملات الرقمية أمرا يستحق المجازفة بعد انهيار النظام المصرفي وتاكل الرواتب وحجز البنوك لودائع المواطنين. وفي منحى آخر، أضحت العملات المشفرة ملاذا للحكومة الأوكرانية بعد انهيار النظام المصرفي في البلاد لتمويل ظروف الأزمة، حيث جمعت على سبيل المثال 10 ملايين دولار من العملات المشفرة كمساعدات إنسانية.