باتت المواقع الإخبارية المغربية المستقلّة تغصّ بشكاوى المواطنين وتذمّرهم من تدنّي وضعهم المعيشي، الذي أصبح لا يطاق بفعل ارتفاع الأسعار وبلوغ البطالة مستويات قياسية، كما تحوّلت شوارع المملكة إلى ساحات للتظاهر والاحتجاج اليومي تنديدا بلامبالاة الحكومة المنشغلة بشهر العسل مع الكيان الإسرائيلي وبعقد الصفقات مع هذه الدولة، وتلك لترسيخ احتلالها للصحراء الغربية، وبتوتير المنطقة وتهديدها بسلوكات وخروقات القصد منها زرع الفوضى وعدم الاستقرار. لم يعش المغرب وضعا اقتصاديا متأزّما ولا ظرفا اجتماعيا هشّا كالذي يعيشه حاليا، حيث تدهورت القدرة الشرائية للمواطن المغربي الذي أصبح يئنّ تحت وطأة ارتفاع أسعار المواد الغذائية حتى أصبح كثير من المغاربة يلبسون ثوب الفقر، وفي الأفق لا يبدو بأن هناك مخرجا، فالسلطات المخزنية تسدّ أذنيها وتغمض عينيها حتى لا تسمع أنين المشتكين ولا ترى وجع المتألمين، وتكتفي بالتجرّد من المسؤولية عن هذا الوضع و تلقيها على كورونا تارة وعلى الحرب في أوكرانيا تارة أخرى، دون أن تفعل شيئا لتخفيف الضرر الذي أصاب الشعب المغربي. «متحوّر» الفقر يتغلغل في المجتمع لم يعد خفيا على أحد أنّ أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، وكذا أسعار الماء والكهرباء والمحروقات ومواد البناء، ناهيك عن أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية عرفت ارتفاعا جنونيا في المغرب، حتى أن بعض المصادر كشفت بأنّ الزيادات في أسعار بعض المواد الأساسية والخدمات تراوحت بين 20 إلى 200 بالمائة، وهو رقم رهيب، الأمر الذي جعل أكثر من جهة تدقّ ناقوس الخطر، وترجع الكابوس الذي يعيشه المواطن المغربي إلى سياسات الحكومة، حيث أدانت اللجنة المغربية للقطاع النسائي للنهج الديمقراطي، سياسة «التجويع والتفقير» التي يسنها النظام المخزني عبر الزيادات في أسعار المواد الغذائية والمحروقات، بما يضرب القدرة الشرائية للمواطنين، واستهجنت الخطاب الرسمي الذي يبرّر «ارتفاع الأسعار بتداعيات مختلفة منها الحرب الأوكرانية، ووضعية الجفاف ومخلفات جائحة كوفيد-19». من جهته، حذّر حزب «العدالة والتنمية» المغربي المعارض من استمرار موجة الغلاء وعجز الحكومة عن مواجهة الواقع والتخفيف عن المواطنين إذ بلغ معدل الأسر التي صرّحت بتدهور مستواها المعيشي خلال ال 12 شهرا السابقة 75.6 في المائة، كما حذّر الحزب من مخاطر الاحتقان الاجتماعي. في السياق، قالت الباحثة المغربية في الاقتصاد عائشة العلوي، أن سياسات حكومة المخزن الحالية لا تكتفي بقهر الطبقة الوسطى اقتصاديا واجتماعيا، بل وتقوم بخنق حريتها الفردية وتتبنّى ضدها منطق «الليبرالية المتوحشة». وأشارت إلى أنّ المواطن المغربي «لم يتوقّع بأنه سيكون أمام متحور جديد يظهر فقط في بلده، وهو المتحور الكوفيدي الاقتصادي، ما دام أنّ الحكومة لا تهتم إلا بتطبيق جواز التلقيح ورفع الأسعار». الحكومة تغرّد خارج السّرب يتوقّع الكثير من الخبراء والمراقبين، بأنّ حالة الاحتقان الحادّة التي يعيشها المغرب قد تؤدي إلى انفجار كبير، لأنّ التذمر بلغ مداه وحتى عندما يخرج الشعب للاحتجاج في الشوارع فهو يتعرّض للقمع والتضييق، كما تبدو الحكومة التي تمخضت عن انتخابات سبتمبر الماضي عاجزة عن تحقيق أساسيات الشعب المغربي حتى لا نقول تطلّعاته، وبات المغاربة، يعتبرون حكومة عزيز أخنوش الأسوأ على الإطلاق، فمع مجيئها اشتد الخناق على الطبقات المقهورة، وازداد التدهور الاقتصادي دون أن يحرّك الجهاز التنفيذي أو يسعى لتقديم حلول ناجعة، ما جعل درجة الإحباط تصل إلى حد مطالبة رئيس الحكومة بالرحيل، وهو لم يكمل عامه الأول بعد. لقد ولّدت الحكومة بقيادة الملياردير أخنوش، لدى المواطنين إحباطا اجتماعيا وسياسيا رهيبا، ففي الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون منها التدخل للتخفيف من وطأة الظروف الصعبة، تركتهم يغرقون في دوامة البحث عن قوتهم اليومي الذي أصبح صعب المنال. وبعد سبعة أشهر من تنصيبها، أصبحت «خيبة الأمل» العنوان العريض لحصيلة عملها التي وصفت بالجوفاء، فقد ذهبت وعود أخنوش بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومحاربة التهرب الضريبي ومكافحة الرشوة والفساد والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي وتحقيق الإصلاح وأدراج الرياح. احتجاجات تملأ الشّوارع الهشاشة والأزمات الاجتماعية التي بات المواطن المغربي يتخبّط فيها، ولّدت غضبا عارما تحوّل إلى مظاهرات واحتجاجات تهزّ الشوارع والمدن للمطالبة بوقف الحرب التي تستهدف جيوب الشعب وقدرته الشرائية. لقد شهدت العديد من المدن المغربية ولازالت، حركات احتجاجية للمطالبة بخفض الأسعار وتحسين الظروف المعيشية للمواطن إلى جانب المطالبة بإقرار حقوق الإنسان والحريات العامة والتنديد بالتطبيع الذي يرفضه الشعب المغربي جملة وتفصيلا، ويعتبره خيانة للقضية الفلسطينية العادلة. وأكبر حركة احتجاجية شهدها المغرب، تلك التي تمّ تنظيمها في الذكرى 11 لحراك «20 فبراير»، الذي يعدّ بمثابة النسخة المغربية من الربيع العربي، حيث اهتزّت شوارع معظم المدن المغربية، وعجّت بمظاهرات رفعت شعاراتٍ تندّد بارتفاع الأسعار وبالتضييق على الحقوق والحريات، وتطالب بوقف زحف الفقر الذي أصبح ينخر المجتمع. وكعادتها قابلت السلطات هذه الاحتجاجات بالقمع وحتى الاعتقالات كما فعلت مع الأساتذة، وقبلهم مع الصحافيين والمدونين للتضييق على الهوامش المتبقية من حرية التعبير. لكن وكما كتب أحدهم «داخل هذا المناخ المليء بخيبة الأمل، لاسيما في أوساط الطبقات المتوسطة والفقيرة، وبين صفوف جحافل الشباب العاطلين عن العمل، سيستمر السخط الاجتماعي في التنامي، والاضطرابات الاجتماعية آخذة في التصاعد، وخطر الخروج عن نطاق السيطرة يبقى قائماً، لأنّ الغضب الكامن في الأعماق سيظل يترصّد الحالة المواتية لكسر حاجز الخوف والتعبير عن نفسه في اللحظة المفاجئة». انتهاكات حقوقية لا تتوقّف أكدت عضو «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان», حكيمة الشاوي، أن انتهاكات حقوق الإنسان تضاعفت بالمغرب خلال الفترة الأخيرة «كما ونوعا»، وتوسعت لتشمل فئات جديدة كانت بعيدة عن هذه الانتهاكات، وأبرزت أن المؤسسة القضائية بالمملكة «أصبحت في خدمة الدولة وخدمة انتهاكات حقوق الإنسان». وأوضحت حكيمة الشاوي، أن «هناك مساس بالحقوق الأساسية للمواطنين مثل الحق في العمل»، وأبرزت الزيادة في «معدلات البطالة وتفشي الفقر واستغلال العمال». كما تحدثت في السياق، عن المساس بالحق في الصحة، والحق في التعليم إضافة إلى ما تم تسجيله من مساس بحرية الصحافة والتعبير. وفي حديثها عن المؤسسة القضائية التي يفترض أن تحمي المواطن، قالت الحقوقية المغربية، أنها أصبحت في «خدمة الدولة وخدمة انتهاكات حقوق الإنسان والحريات». وفي تشخيصها دائما للوضع الحقوقي بالمملكة، خلصت القيادية في «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، إلى أن «هناك تراجعا كبيرا في حقوق الإنسان من قبل الدولة». كما أشارت في معرض حديثها، إلى مخاطر تطبيع نظام المخزن مع الكيان الصهيوني، كونه يعد بمثابة «استعمار جديد»، يعرض المنطقة إلى نار الفتنة والحروب. انعطاف حاد نحو القمع انطلاقا مما سبق، يمكن التأكيد بأن حكومة نظام المخزن ما فتئت تتمادى في انتهاكاتها الجسيمة وقمع الحريات، وتشديد قبضتها الأمنية للحد من الاحتجاجات المتنامية. وقد أدانت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية، النظام المغربي الذي بات محاصرا أكثر من أي وقت مضى بسجلات حافلة بالانتهاكات، من خلال سجنه للآلاف من الناشطين السياسيين (سجناء الريف وغيرهم..)، وكذا الناشطين في الصحراء الغربية المحتلة، وتحويله مهنة الصحافة وحرية التعبير إلى تهمة تدخل صاحبها إلى السجن، كما هو حاصل مع عشرات الصحافيين. الوضع الحقوقي ليس على ما يرام في المغرب، ومثلما قمعت قوات المخزن حراك الريف وزجّت بقادته في السجن، ها هي تحاول تطبيق نفس السياسة مع المحتجين، إذ لم تتردّد حتى في اعتقال الأساتذة الذين خرجوا بمطالب مهنية و اجتماعية. شراء السّلاح بدل الغذاء بينما يواجه تحديات كبيرة في توفير المتطلبات المعيشية لشعبه، يتجه النظام المغربي لتعزيز ترسانته من الأسلحة خاصة منذ أن أعاد علاقاته مع إسرائيل، حيث أقدم على شراء النظام الدفاعي المتعدد المهام «باراك 8» بمبلغ 500 مليون دولار، كما يتجه للاستثمار في صناعة السلاح، إذ صادق البرلمان على القانون المنظم لهذه الصناعة وصدر في الجريدة الرسمية قبل أن تصدر المراسيم التنظيمية له. وعلى الرغم من التساؤلات المطروحة عن الهدف من التوجه المغربي نحو التسليح والمخاوف المحيطة بهذا الموضوع، لا بدّ من الإشارة إلى أن شراء الأسلحة والمعدات العسكرية يكلّف فاتورة ضخمة سنوياً، وقد خصصت الحكومة المغربية في موازنة 2021 حوالي 111 مليار درهم (12 مليار دولار) لشراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية، وهي نفقات سترتفع هذه السنة، إذ كشف مشروع موازنة 2022 أن النفقات المخصصة لهذا البند تُناهز 116 مليار درهم (حوالي 13 مليار دولار). كما أبرم المغرب في السنوات الأخيرة عدداً من الصفقات لشراء أسلحة متطورة، وتحديث أسطوله العسكري البحري والجوي والبري. ويثير الإنفاق العسكري للمغرب نقمة أوساط كثيرة من شعبه ترى بأن الأولوية هي لتوفير الغذاء وضروريات الحياة. وشهد شاهد من أهلها نقل صورة عن الوضع المتأزم في المغرب قد يكون أكثر دقّة إذا قدمته مسؤولة مغربية فأهل مكّة أدرى بشعابها، وفي هذا الإطار نقلت الأمينة العامة للحزب «الاشتراكي الموحد» بالمغرب، نبيلة منيب، صورة قاتمة عن الوضع الاجتماعي والسياسي بالمملكة، المترتب عن أزمات التهاب الأسعار وتفشي الفساد، مع انسلاخ الحكومة من مسؤولياتها. وأشارت منيب إلى أنّ «الأسر المغربية تعاني في شهر رمضان الذي يرتفع فيه الاستهلاك»، مسجلة انعدام سياسة اجتماعية حقيقية لدعم الفئات الأكثر فقرا. وأضافت «كنا ننتظر أن تتواصل الحكومة، وتعلن عن سياستها للحد من لهيب الأسعار وتسقيف أثمان المحروقات». كما تحدثت منيب، عن ملفات الفساد المعروضة على القضاء، التي تعود «أغلبيتها الساحقة لأناس منخرطين في أحزاب ومنتخبين، سواء محليا أو جهويا، وحتى في البرلمان»، وحذّرت من أن يكون الأمر خطوة للتغطية على الأزمات التي يعيشها المغرب. تصدير الأزمات الدّاخلية المشهد للأسف ليس ورديا في المغرب، وخلّف جدران الخوف و القمع التي يبنيها نظام المخزن، يختفي وضع اجتماعي صعب تتسع رقعته يومياً، بسبب ارتفاع معدّلات الفقر وتفشي البطالة وانكماش الاقتصاد. وعوض أن يقوم المخزن بالتفرغ لمواجهة مشاكله الداخلية، وتوفير أدنى شروط الحياة الإنسانية لمواطنيه، يفضل الارتماء في أحضان إسرائيل، وخلق أعداء وهميّين والترويج لسياسة تثير التوترات والشكوك في المنطقة.