مكسب وانتصار جديد للدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أنبوب الغاز العابر للصحراء سيؤسس لشراكة مستدامة نتجه نحو شراكة أفرو- أوروبية مبنية على التكافؤ والندية إمضاء مذكرة تفاهم من طرف وزراء الطاقة للبلدان الإفريقية الثلاثة: الجزائر، النيجر ونيجيريا، تخص مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، خطوة قطعت الطريق أمام المشككين في إمكانية تجسيد المشروع وتحوله من أمنية إفريقية إلى مشروع جاهز من حيث الدراسة والاستعدادات التقنية. مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء سيؤسس لشراكة أفرو- أوروبية مبنية على الندية والتكافؤ ويعزز من مكانة الجزائر في منطقة حوض البحر المتوسط، كشريك موثوق وفعال ومورد مواد طاقوية مهم لأوروبا، على ضوء أوضاع دولية متأزمة جعلت من الغاز رقما مهمّا في معادلة الاقتصاد العالمي. مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الضخم، من حيث المسافة المقدرة ب4000 كلم، وبسعة تصل إلى 30 مليار متر مكعب سنويا وتكلفة إنجاز تصل إلى 13 مليار دولار، إلا أنه يعتبر مشروعا ذا مردودية وجدوى اقتصادية مطمئنة من شأنها إعطاء ضمانات حقيقية لمختلف المؤسسات المالية والهيئات الدولية، على غرار البنك الدولي، بنك الاتحاد الإفريقي، البنك الإسلامي والاتحاد الأوروبي كمساهم مهم في المشروع، باعتبار الدول الأوروبية المستهلك رقم واحد للمواد الطاقوية الإفريقية. ويبقى مشروع القرن وإنجاز إفريقي سيعزز من مكانة إفريقيا في ترتيب الأسواق العالمية ومكانة الجزائر الجيو- اقتصادية، وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمان هادف، في اتصال مع «الشعب»، مفيدا أن أنبوب الغاز العابر للصحراء مشروع استراتيجي بامتياز، يندرج في إطار السياسة المتبعة من طرف الدول الإفريقية من خلال وضع رؤية موحدة، تهدف إلى تحقيق الأمن الطاقوي، خاصة وأنه يأتي في سياق عالمي يتميز بوضع اقتصادي غير مستقر وتزايد غير مسبوق في الطلب على المواد الطاقوية، التي أصبحت رقما مهمّا في معادلة الاقتصاد العالمي بعد الأزمة الروسية- الأوكرانية. ما سيمكن إفريقيا من حمل لقب المورّد المهم والآمن إلى دول أوروبا. ويضيف الدكتور هادف، أن للمشروع بعد جيو سياسي، سيمكن من وضع أسس لعلاقة جيو استراتيجية بين إفريقيا وأوروبا، هذه الأخيرة التي أصبحت في موقف ضعف بالنسبة لأمنها الطاقوي وبالتالي سيكون لهذا الأخير تداعيات إيجابية بالنسبة لتأمين المواد الطاقوية بالنسبة لأوروبا. كما سيؤسس في نفس الوقت لعلاقة جديدة للشراكة بين أوروبا وإفريقيا أو ما يسمى بمحور شمال- جنوب، الذي من خلاله سيكون للجزائر دور محوري في هذه الشراكة. وثمن المتحدث وتيرة تقدم أشغال المشروع التي مرت إلى السرعة القصوى، بعد ركود دام سنوات طويلة، ليعود إلى طاولة الدراسة بكفاءات إفريقية، قادرة على التفاوض واختيار الأفضل لإفريقيا. وما الاجتماع الأخير الذي عقد بالمركز الدولي للمؤتمرات بالجزائر، إلا تتويج لسلسلة اجتماعات، كان أولها في نيامي بالنيجر، شهر فيفري الماضي، بعدها اجتماع أبوجا بنيجيريا، حيث تمت دراسة مدى تقدم أشغال فريق العمل التقني المكلف بدراسة ووضع ورقة الطريق لإنجاز المشروع وإمضاء مذكرة تفاهم بين الوزراء المكلفين بالطاقة للدول الثلاث، كرسالة واضحة بأن المشروع تجاوز مرحلة الحلم ليدخل مرحلة التنفيذ الحقيقي ويأخذ منحنى جديا وهو منحنى التجسيد وتكذيب المشككين في إمكانية تحقيقه. من الناحية الجيو سياسية، يضيف الخبير الاقتصادي، يعد المشروع مكسبا وانتصارا للدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية، التي حازت بدور فعال لا يستهان به في منطقة البحر المتوسط، وأصبحت فاعلا محوريا في مجال الأمن الطاقوي، تحتل الصدارة، خاصة بعد الحركية القوية التي عرفتها الدبلوماسية الاقتصادية، بعد الاتفاقيات التي تم إمضاؤها مع الشريك الايطالي في مجال تزويده بالمواد الطاقوية الجزائرية. نشهد مشروعا هيكليا جديدا يقول الدكتور هادف سيمكن الجزائر من أن تصبح حلقة مهمة في هذا المجال، فإضافة إلى الأبعاد الجيو سياسية والجيو استراتيجية، لابد من التأكيد على البعد الاقتصادي لهذا الأخير، حيث سيمكن البلدان الثلاثة وكذا الدول الإفريقية المجاورة ودول الساحل من الحصول على بعد تنموي مهم، يعززه مشروع شبكة الألياف البصرية العابرة للصحراء التي تمس الكثير من الدول الإفريقية، حيث عقد، مؤخرا، اجتماع رفيع المستوى في هذا الصدد. إضافة إلى مشروع الطريق السيار شمال- جنوب. مشاريع ستمكن الجزائر من أخذ زمام الأمور كقاطرة ستمكن الدول الإفريقية من المضي في مجال تنموي مستدام يمكن من تثمين كل المقومات والثروات الموجودة في إفريقيا برؤية جديدة شاملة بينية تمكن من وضع سلسلة قيم قارية تقوم على عمل تشاركي، تكاملي بين الدول الإفريقية. كما أشار إلى أن المشروع لبنة من مجموع مشاريع كبرى ستعرفها القارة الإفريقية وستكون الجزائر عنصرا فعالا فيها. أما من الجانب التقني، سيسمح بنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من إفريقيا إلى أوروبا، إضافة إلى أنابيب الغاز التي تحوز عليها الجزائر حاليا «ماد غاز» و»ترونس ماد» ما سيسمح للجزائر بالتموقع كمورد مهم فعال وآمن للمواد الطاقوية ويعزز مكانتها في الأسواق الطاقوية العالمية. الجزائر تتجه نحو فتح ورقة جديدة من حيث تنويع هذه الشراكة المبنية على مبدإ التكافؤ في التعامل والندية، معتمدين في ذلك على المورد البشري الإفريقي الكفء، القادر على التفاوض وإنجاز الدراسات وتنفيذ المشاريع بأدمغة وسواعد وموارد افريقية.