تطرق الاجتماع الخاص بمسألة التحكم في السوق ومواجهة المضاربة، الذي ترأسه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أول أمس، إلى الوضع الحالي للسوق وتذبذب توزيع بعض المواد الاستهلاكية وكذا تشخيص الخلل. ويأتي الاجتماع على خلفية تنامي سلوكات الاحتكار والمضاربة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى تسجيل نقص ملحوظ في عدد من المواد واسعة الاستهلاك. ليست المرة الأولى التي يحرص فيها رئيس الجمهورية على متابعة صارمة للممارسات المتعلقة بالمضاربة والاحتكار، حيث شدد على التصدي لهذه الظواهر مرات عدة خلال أزمة كوفيد-19، لماّ اغتنمت بعض الجماعات الظرف الصحي للتسبب في ندرة عدد من المنتجات الاستهلاكية والغذائية على وجه الخصوص، وقد سُنَّ لأجل ذلك قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة رقم 21/15 الصادر في 28 ديسمبر 2021، والذي ينص على تطبيق عقوبات صارمة على المتورطين في هذه الجرائم، تصل إلى 30 سنة سجناً والسجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة في إطار جماعة منظمة. ومع بداية الأسبوع الجاري، شدد الرئيس مرة أخرى خلال اجتماع مجلس الوزراء الاستثنائي الخاص بمشروع قانون المالية لسنة 2023 على دور الحكومة في الحفاظ على وفرة واستقرار المواد الغذائية، لاسيّما المدعمة منها، والتصدي لكل أشكال المضاربة، وإيلاء الأهمية القصوى لتحسين الوضع الاجتماعي للمواطن، بالدرجة الأولى. وقد دفع تنامي هذه السلوكات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، لدى عرضه بيان السياسة العامة للحكومة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، إلى الاعتذار للجزائريين علانية وبتأثر قائلا: «من هذا المقام، أقدم اعتذاري لكل رب بيت أو ربة بيت وجدوا صعوبة في وجود بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، واعداً بأن الدولة ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه اللعب بقوت الجزائريين». وتعليقاً على موضوع الاجتماع الخاص بمسألة التحكم في السوق ومواجهة المضاربة الذي ترأسه رئيس الجمهورية، يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي الدولي الدكتور فريد كورتل، أنه جاء لضرورة ملحة قصد وضع النقاط على الحروف وتحمل المسؤولية من قبل كل الأطراف المعنية، وأخذ الاحتياطات اللازمة لاستقرار السوق، وبالتالي الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، بحيث تعرف سوق السلع واسعة الاستهلاك عدم استقرار في الآونة الأخيرة ويرجع ذلك لعدة أسباب. وبالرغم من تسليط قانون المضاربة غير المشروعة عقوبات مشددة تصل حد 30 سنة، إلاّ أن البعض تمادى في الأمر من أجل تحقيق ربح سريع، ولذا لابد من تحريك عجلة المتابعة والمراقبة والعقاب، وهو ما دعا إليه الرئيس من خلال الحرص كل الحرص على السهر وتجنيد الجميع من أجل تطبيق القانون والحفاظ على استقرار السوق من أجل المواطن»، يختم الدكتور فريد كورتل تصريحه ل «الشعب». من جانبه، يرى أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة البليدة الدكتور أحمد الحيدوسي، أنه بالرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة قصد توفير المنتجات والسلع الغذائية الأساسية للمواطنين، «إلاّ أننا نشهد على فترات متقاربة حدوث خلل في تزويد السوق بهذه المواد واسعة الاستهلاك، ما يستدعي تدخل الحكومة بآلياتها في كل مرة لإنهاء التذبذبات الحاصلة»؛ سلوكات يؤكد الدكتور الحيدوسي، أنها تسعى، عبثاً، لعرقلة مسار دعم القدرة الشرائية الذي أطلقه رئيس الجمهورية من خلال تعهده برفع الأجور وقيمة الدينار وتقليص نسبة التضخم ورفع منحة البطالة. وعليه، فإن هذا الاجتماع الخاص، جاء تكملة للسياسة المنتهجة من طرف الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة التي صنفها الرئيس «جريمة» وليس جنحة. ويشير المحلل الاقتصادي الدكتور أبوبكر سلامي، أنه بالرغم من الإجراءات الردعية التي أقرتها الدولة، على رأسها قانون المضاربة، الذي سهر الرئيس على إعداده وتطبيقه، إلاّ أن مظاهر الاحتكار والمضاربة بقيت مستمرة بمستويات أقل، لكنها استفحلت الأيام الماضية بشكل ملحوظ، حيث سجل نقص محسوس في عديد المواد الأساسية والمدعمة، لا لأسباب إنتاجية وإنما لممارسات احتكارية، تريد ضرب الاستقرار الاجتماعي للبلاد، وعلى هذا الأساس قرر رئيس الجمهورية إشراك مختلف الجهات الفاعلة في عملية مكافحة المضاربة لإعطاء إشارة صريحة بأن محاربة هذه السلوكات ستستمر بقوة وبصرامة أكبر ودون هوادة. ويؤكد الدكتور سلامي، أن المواطن هو الآخر معني بالمساهمة في مجابهة الاحتكار والمضاربة عن طريق التبليغ عن هذه الظواهر وعدم الانسياق وراء الإشاعات والالتزام باقتناء ما يحتاجه دون إفراط، والتحلي بروح المواطنة والتضامن.