تتواصل فعاليات المهرجان الثقافي الوطني للمونولوج والفنون المسرحية، والذي تحتضنه دار الثقافة عبد الحميد مهري بتندوف، بمشاركة 12 فرقة من ولايات تندوف، البيض، سطيف، معسكر، سعيدة، سيدي بلعباس، تيارت، تمنراست، عنابة وأدرار، وبحضور كوكبة من الفنانين والأساتذة من جامعات المسيلةوتلمسان. يسعى القائمون على المهرجان الوطني للمونولوج الموسوم بعنوان «معاً نحو فعل مسرحي مبتكر»، إلى كسر الجمود الحاصل في المشهد الثقافي بالولاية، من خلال تقديم العديد من العروض المسرحية الناجحة ضمن حدث ثقافي واحد تجتمع فيه فسيفساء المونولوج والمونودرام ومسرح الشارع، وتقديمها للمواطن التندوفي المتعطش لهذا اللون من الفن. يعد المهرجان الثقافي الوطني للمونولوج والفنون المسرحية لقاءً فكرياً، فنياً وثقافياً ينطق برؤى مبدعين شباب، ويتلقاه جمهور ذوّاق لفنون المسرح وما يحمله من رسائل هادفة. خمسة عروض مسرحية قُدّمت على مسرح دار الثقافة عبد الحميد مهري خلال اليومين الأولين من فعاليات المهرجان، فكانت «صليحة وألف تكليحة» من باتنة، «زعفران» من أدرار، «البلا أوراق» من معسكر»، «أحلام أحلام» من تندوف و»يوميات طالب» من تيارت. تنوعت الأعمال المسرحية المقدمة بين المونولوج والمونودرام الفكاهي والاجتماعي، أبدع فيها الممثلون في الأداء، كما أبدع الكتاب والمخرجين في نسج خيوط الحبكة نبشت في قضايا مجتمعية بسيطة ومعقدة في آن واحد. وفي هذا الصدد، قال محمد يحياوي المدير العام للمسرح الوطني محيي الدين بشطارزي، إنّ جائحة كورونا لم تؤثر على العمل المسرحي بالجزائر بشكل كبير، رغم أنها أثّرت على كل القطاعات حول العالم، وعزا ذلك إلى وجود بعض المبادرات على مستوى المسرح الوطني والمسارح الجهوية، وكذا على مستوى الجمعيات والتعاونيات وبعض الفنانين الذين واصلوا إنتاج أعمال مسرحية ناجحة. وأشار محمد يحياوي إلى أنّ المسرح الوطني الجزائري قد اعتمد خلال جائحة كورونا على البرنامج الافتراضي في تواصله مع الجمهور، في بادرة هي الأولى من نوعها بالوطن العربي، هذه الخطوة يقول المتحدث - كانت محل انتقاد من طرف أهل المسرح من الوطن العربي، حجتهم في ذلك أن العمل الافتراضي يُفقد المسرح سحره ورونقه، مشيراً إلى أن الاستعانة بالعالم الافتراضي كان الهدف منها المحافظة على تلك الرابطة الروحية التي تربط المسرح بجمهوره، وهو ما أعطى للجمهور الجزائري فرصة لمتابعة الأعمال المسرحية الجزائرية، بالإضافة إلى عروض مسرحية بريطانية بحكم اتفاقية تعاون مبرمة بين وزارة الثقافة وسفارة المملكة المتحدةبالجزائر. - إنشاء مركز وطني لتوثيق الأعمال المسرحية أكّد المدير العام للمسرح الوطني الجزائري في تصريح خصّ به «الشعب»، أن الجزائر باتت تمتلك حركة مسرحية رائدة، وشباب وطلبة وباحثين يهتمون بعالم المسرح، ويتابعون تفاصيله بالبحث والدراسة، وهو أمر وصفه ب «المشجّع»، مشيراً إلى أن وزيرة الثقافة أشرفت على تنصيب مختبر التجارب المسرحية بالمسرح الوطني الجزائري وهو الأول من نوعه في الجزائر، إضافة الى فتح فضاءات جديدة لاستقبال المواهب الشابة، سواء في الكتابة أو في تقديم العروض. ونوّه المدير العام للمسرح الوطني الجزائري إلى الاستراتيجية الجديدة في القطاع، والهادفة إلى الاعتماد على رقمنة وتوثيق المسرح الوطني الجزائري ومختلف المسارح والحركة المسرحية في الجزائر، مشيراً إلى الشروع في إنشاء مركز وطني للتوثيق، والذي سيتمكن من جمع كل ما تم إنتاجه عن المسرح الجزائري. عرّج محمد يحياوي في تصريحه ل «الشعب» للحديث عن واقع المسرح الجزائري الذي اعتبره مسرحاً مستقلاً بذاته، أين أكّد على وجود أعمال مسرحية جزائرية «لا يستهان بها»، وهي أعمال تنافسية تحظى باحترام كبير، وتحصد جوائز كبيرة في مهرجانات مرموقة، بدليل أن مسرحية جي بي آس للمخرج محمد شرشال قد حصلت على أحسن عمل مسرحي عربي منذ عام 2019. كما نفى المتحدث وجود عوائق تحول دون إبراز الانتاج المسرحي الجزائري عربياً وعالمياً، باستثناء بعض المشاكل المتعلقة بالتمويل، مشدّداً على ضرورة التفكير في إيجاد «مصادر ذاتية» للتمويل وجعل المسرح مصدر دخل يساعد المنتجين في تمويل أعمالهم المسرحية. - «المسرح الفقير» توجّه جديد للمسرح موازاةً مع انطلاق فعاليات المهرجان الوطني للمونولوج، نظّمت محافظة المهرجان ملتقى فكري حول أبجديات العمل المسرحي وأهم الفروقات الفنية بين المونولوج والمونودرام وباقي الفنون المسرحية ذات الممثل الوحيد. وأشار دريس بن حديد محافظ المهرجان الوطني للمونولوج، إلى أن تنظيم ملتقى فكري بالموازاة مع المهرجان، يندرج في إطار السعي إلى تكوين جيل من المسرحيين، يمكنه التمييز بين مختلف الألوان المسرحية وكيفية التعامل مع كلٍ منها، إلى جانب العمل على إزالة أي لبس في هذا المجال، من خلال الاحتكاك بكوكبة من الفنانين والأساتذة على غرار محمد زعيتري من جامعة المسيلة وعبد الكريم بن عيسى من جامعة تلمسان. وعرّج محافظ المهرجان للحديث عن عقبات الانتاج المسرحي بالجزائر، مشيراً الى أن نقص الدعم والتمويل يلقي بظلاله على الانتاج المسرحي، ويؤثر سلباً على المسرح كماً ونوعا، ما دفع بالمسرحيين يضيف المتحدث - إلى ابتكار «المسرح الفقير» كتوجه جديد نحو مسرح بدون إنتاج وأعمال مسرحية غير مكلّفة، ولا تعتمد سوى على بعض الإنارة والاكسسوارات. وأعرب بن حديد عن أسفه لعدم وجود تنظير للمسرح في الجزائر، رغم وجود بعض المحاولات من أجل خلق مسرح جزائري مستقل بذاته، مشيراً إلى أن الانتاج المسرحي في الجزائر لا يزال في مرحلة التقليد، محملاً مسؤولية هذا الوضع للمعهد العالي كون ما يتعلمه الفنان في الجامعات والمعاهد الجزائرية غير كافٍ وينقصه الانفتاح على الآخر، وبالتالي، ينبغي العمل أكثر على خلق مسرح جزائري بدل مرحلة الاكتشاف التي «انغمسنا في طيّاتها كثيراً».