بعيدا عن فكرة جلد الذات وتقزيم الجهود والمبادرات الحاضرة فعلا بالقوة بدرجات متفاوتة، فإن سؤال ترجمة أدب الطفل في المشهد الثقافي العربي الراهن، سؤال حارق وشاحب بامتياز في كل الحقول المعرفية، ومنها بطبيعة الحال ترجمة أدب الطفل، الذي يعيش عدة إشكاليات، فالمتابعة الميدانية تؤكد أن الأمة العربية برمتها من الماء حتى الماء لم تفتح نافذتها الثقافية بما يستحق على ثقافة الطفل عند الأمم الأخرى، خاصة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، وقد ألقى هذا الوضع بظلاله على مسارات أدب الطفل عندنا. الثابت تاريخيا أن أدب الطفل العربي أدب وافد إلينا، تمخّضت نشأته جراء احتكاكنا بالغرب، وكل المصادر الحديثة تشير أن هذا الأدب انطلقت شرارته الأولى مع رفاعه رافع الطهطاوي 1801-1873 الذي تفاعل مع الثقافة الغربية في شقها الفرنسي والإنجليزي، إذ ترجم سلسلة من القصص تضمنها كتابه الموسوم «المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين»، كما ترجم الكثير من شعراء مصر في تلك الحقبة خرافات لافونتين، ونسجوا على منوالها نماذج شعرية بصيغ مختلفة، ومن ضمنهم ترجمة نقولا المخلصي سنة 1934. تدفق نهر الترجمة مع تدفق الزمن، وتراكمت التجربة ولو بشكل متثاقل.. وهنا لابد أن نشيد بتجربة اتحاد كتاب العرب بسوريا فقد أظهرت هذه المؤسسة الثقافية عدة أعمال أدبية في مجال الرواية والشعر والقصة، كانت كلها موجهة للطفل.. عاشت الجزائر مخاض التجربة ذاتها، فترجمة هذا الأدب الطفولي حاضرة وغائبة في الآن ذاته، ولتوضيح هذه النقطة بالذات، أشير أن البحث الأكاديمي الرصين عندنا لم يطرح إشكالية ترجمة الأدب محورا رئيسا في مباحث الدراسة، وهذا ما نلمسه في أطروحات د.فاطمة الزهراء خواني ود.ناصر معماش كمثال. ولتأكيد غياب فعل الترجمة أيضا تذكر معظم الدراسات الأدبية أن محمد ديب خاض تجربة الكتابة للطفل، لكن خطاباته تلك لم تصل للمتلقي البرعم أصلا، سواء بلغتها الفرنسية أو العربية. وفي مقابل هذه الصورة القاتمة هناك جهود جزائرية تشتغل على ترجمة أدب الطفولة، وقد أشار د. العيد جلولي في أحد كتبه إلى حصاد التجربة، ومنها مبادرات «دار ميموني» التي أصدرت قصصا مجهولة المؤلف منها «الطفل الصغير والخياط الصغير»، كما أشار الباحث أيضا إلى قصة «أين الهندباء» لإيفال يومو التي ترجمها سعيد دراجي.. وهناك قصة أخرى ترجمتها الشاعرة زينب الأعوج ظهرت في كتاب واسمها «تحت الكرمة». ولعلّ أهم تجربة في مجال ترجمة سلسلة من القصص ظهرت في كتاب بعنوان «أندرسن»، وهو مشروع شراكة بين الجزائر والدانمارك تضمن القصص التالية «عروس البحر» ترجمة أحمد خيلي، «ثياب الإمبراطورية الجديدة» ترجمة عزالدين أوبايش، «القنديل» ترجمة نورالدين عداد، «البطة الشقية» ترجمة مصطفى فرحات، «هانس الأبله» ترجمة مصطفى فرحات. أما في مجال الشعر الموجّه للطفولة يستحسن بنا أن نذكر هنا ترجمة بشير مفتاح لنصوص لافونتين، تحت عنوان أمثال وحكم، والتي صدرت 2013 عن دار القصبة.. وللإشارة فقد اشتغل شعراء الطفولة في الجزائر بكثافة على نصوص لافونتين برؤى مختلفة، على غرار ما نجده عند الشاعر الراحل عبد الرحمان زناقي في ديوانه «كليلة ودمنة»، وأيضا عند الشاعر بوزيد حرز الله في قصصه الشعرية التي كتبها خصيصا للطفل.