يعتقد البعض أن الكتابة للطفل سهلة ولكن المسألة ليست بهذا اليسر لوجود اعتبارات عديدة منها التربوية والسيكولوجية والفكرية، و خصائص لغوية وأسلوبية، و للحديث أكثر عن أدب الطفل وانشغالاته، اقتربت "الجزائر الجديدة" من الكاتبة والشاعرة حورية داودي صاحبة "ضيعة الحلواتي"، للحديث أكثر عن هذا الموضوع والتي أكّدت أن الكتابة للطفل ليست مسؤولية فقط، بل هي مشروع حضاري وثقافي واجتماعي يجب الاهتمام به وتطويره. حاورتها صباح شنيب بداية، كيف تقدّم حورية داودي نفسها للقراء، و متى كانت أول دفقة للحرف وبداية المغامرة مع الكلمة؟ أنا كاتبة للأطفال و شاعرة من برج الكيفان بالعاصمة، أشتغل في سلك التعليم منذ أكثر من 20 سنة، وأحاول إثبات وجودي كأيّ شاعرة أو كاتبة طموحة، أما عن بدايتي الأدبية فكانت سنة 2000 ببعض القصائد التربوية للأطفال وللمدرسة أيضا، وبعدها كان التدفق الشعري متتاليا، نشرت بعضه في جرائد وطنية، حيث كانت جريدة "كواليس" سابقا التي كان يشرف عليها الأديب والصحفي محمد الصالح حرز الله، أول من احتضنت إنتاجي الإبداعي وشجعتني كثيرا. لديك عمل إبداعي موجه للطفل، حدثينا عن هذه التجربة؟ عملي المنشور للطفل يحمل عنوان "ضيعة الحلواتي"، صدر في سنة 2005، وهو عبارة عن قصة تربوية اجتماعية ذات أهداف سامية، تبنتها وزارة الثقافة في إطار صندوق دعم الإبداع وذلك بعد لجنة القراءة المنصّبة آنذاك من طرف مديرة الفنون والآداب السيدة ربيعة جلطي. هل يمكنك تقديم قراءة سريعة عن هذه القصة؟ قصة "ضيعة الحلواتي"، هي قصة اجتماعية تربوية، تدور أحداثها في الريف بين الأب الذي يعمل في الضيعة كمربٍّ للنحل وصانع للحلويات، وأبنائه الأربعة الذين سألهم ذات يوم عن معنى القوة، فأجاب كل واحد حسب مفهومه، وبعد المناقشة والإنصات لهم، أعطى الأب المعنى الحقيقي للقوة، ولم يفوّت فرصة الاجتماع معهم ليوصيهم بأهم شيء وهو الضيعة أي "الأرض"، وتتواصل أحداث القصة، حيث مات الأب "الحلواتي"، وبقي الأبناء الأربعة يعملون في الضيعة، ولكن الأعداء استغلوا سفاهة عقل الابن الأكبر وتمكنوا من انتزاع الأرض بالمكر والخديعة، فتشتت الأسرة وذهب كل واحد منهم في حال سبيله، بلا كرامة أو شرف، لأن الأرض هي الشرف والشرف هو الأرض، كما جاء في القصة...لكن الابن الأصغر استوعب جيدا معنى القوة الذي غرسه أبوه في ذهنه منذ صغره، فدرس وتحصل على شهادة جامعية في العلوم الزراعية وتمكن من جمع إخوته وتوحيد صفوفهم، فاشتروا ضيعة أخرى بجانب ضيعته المسلوبة ورفعوا دعوة للقضاء للمطالبة باسترجاع أرض أبيهم من المحتالين وتنتهي القصة بمقولة: "لا يموت حق وراءه مطالب". يوصف أدب الطفل ب"الصعب" نظرا للخصائص التي تميّزه والتقنيات الدقيقة التي يجب إتباعها لإيصاله لجمهورٍ خاص له لغة وأسلوب محدد في التلقي، لماذا اخترت هذا النوع الأدبي؟ الكتابة بصفة عامة هي تورط جميل وليس اختيار، وتورطي في عالم الكتابة للطفل كان من باب الفضول، حتى أنّ عالم الكتابة للطفل أبهرني وأنساني كتابة الشعر، بل هجرني ملاك الشعر، من أجل تورطي مع ملاك الطفولة، أما وصفك لأدب الطفل بالصعب، فأنا لا أنفيه، لكنه ممتع وتكمن متعته في صعوبته وهو أيضا مسؤولية كبيرة، وكل أنواع الكتابة صعبة، كما يقول الكاتب اللبناني جبران خليل جبران: "الكاتب يكتب بدم القلب لا بالحبر". عالم الطفل له خصوصيات معينة، ألا ترين أنّك غامرتِ في بداياتك؟ عالم الطفل هو عالم خاص، يمتاز بالبراءة والبساطة والتلقائية وحب الفضول والمغامرة والتقليد و الإيمان العفوي بكل ما يقال أو يحكى، وأنا لا أعتبر تجربتي الأولى أنها مغامرة بل تورّط و مسؤولية، فبعد قراءتي لبعض قصص الأطفال رأيت أن بعضها يعتمد على الخرافة أو نقل للموروث الشفوي القديم وليس هناك تجديد في المواضيع فكتبت قصتي الأولى، وكنت على الأقل على اقتناع بأفكارها التي كنت أود أن أغرسها في عقل الطفل، لأن الكتابة "غرس"، فإذا كان نوع "الغرس" جيد سوف نحصد نتائج جيدة، ونتمكن من توجيه عقل الطفل إلى الايجابية والطموح والرّقي، وليس عيبا أن يغامر الكاتب في هذا النوع من الكتابة إذا كان على قناعة بأنه سيتمكن من غرس بذرة خير في عقل طفل مفتوح على استيعاب الخير والشر. بالمناسبة، هل هناك علاقة بين اختيار الكتابة للطفل وممارسة التعليم؟ ممارستي لمهنة التعليم جعلتني أحتكّ بالأطفال وأعرف بعض ميولاتهم ورغباتهم وأشاركهم فيها أحيانا، حيث أخلق لهم أجواء الفرحة والمرح والترفيه في بعض الحصص التعليمية، وقبل الدخول المباشر إلى عالم الكتابة كنت أكتب نصوصا لتلاميذي من إبداعي، خاصة في حصص اللغة أو المطالعة، وأولى بداياتي الشعرية كانت أيضا بكتابة شعر للأطفال بعنوان "مدرستي"، قرأه أحد التلاميذ في حفلة مدرسية أقيمت بمناسبة يوم العلم سنة 2000، فكنت أمارس التدريس والتأليف معا. ما هي الصعوبات التي لاقيتها خاصة أن الأمر يراهن على امتلاك قدرات وخصائص تستهدف جمهورا قارئا من نوع خاص؟ أول الصعوبات التي واجهتها في بداياتي هي أنني شعرت بمسؤولية كبيرة، لأني أدركت جيدا أنني لا أكتب من أجل الكتابة أو من أجل التسلية فقط بل أكتب من أجل إمتاع الطفل وتشويقه، وفي نفس الوقت من أجل بناء أفكاره الصغيرة وغرس بذور الخير في وجدانه، وهذه مسؤولية كبيرة أشعر بها أمام كل حرف أخطّه، وأيضا أمام نفسي والله والمجتمع، بالإضافة إلى مصادفة صعوبات أخرى في النشر والإخراج الذي يتطلب تكاليف وأتعاب من تشكيل وتلوين وتدقيق لغوي وتقنيات متطورة في إخراج الكتاب. الكثير من المثقفين والأدباء يرون أن أدب الطفل مجرد آفاق افتراضية، لما يطرحه من انشغالات حالت دون تطويره أو ترقيته إلى مصاف الأصناف الأدبية الأخرى، فكيف تستقرئين واقع الكتابة للطفل؟ يعتبر الكثير من الأدباء أنّ أدب الطفل مجرد آفاق افتراضية لأن كل الانشغالات التي وجهت لخدمة أدب الطفل باءت بالفشل، والسبب أنّنا لم نؤسس هيئات محليّة أو وطنية تأخذ على عاتقها الاهتمام بأدب الطفل كأولوية من أولوياتها، بل نجد اهتمامات مناسباتية في عيد الطفولة أو في العطل المدرسية، لكن الجهود بدأت من أجل النهوض بأدب الطفل وإعطائه الأولوية في النشر وتدعيمه، وأنا شخصيا أرى أنّ الكتابة للطفل في الجزائر ضرورة تربوية وطنية، لأننا عندما نكتب للطفل نؤسس لينابيع المعرفة والفكر والحضارة، ونؤسس لجيل متشبع بالقيم والأخلاق والوطنية لأن الوطنية ليست مجرد نشيد وعلم بل هي فكر. هناك إجماع على أنّ الاهتمام بالطفل الكاتب والكتابة للطفل أصبح ضروريا، خاصة أنّ مواهب الصغار تعدّ بمثابة مشاريع "كتّاب كبار"، ماذا تقترحين لتطوير أدب الطفل في الجزائر؟ الكتابة للطفل هي مشروع حضاري وثقافي واجتماعي، ومن الضروري النهوض بهذا النوع الأدبي وتطويره، ويمكنني اقتراح إنشاء جمعيات خاصة بانشغالات الأطفال من مطالعة ومسرح وكتابة، وكذا تشجيع نوادي المطالعة وتأطيرها سواء في دور الثقافة أو في المدارس، إضافة إلى فتح مسابقات موسمية لعرض إبداعات الأطفال من شعر وقصة ورسم وموسيقى من أجل اكتشاف المواهب الصغيرة واحتضانها، كما اقترح إنشاء لجان متخصصة لتوجيه الكتّاب المبتدئين في هذا المجال ومراقبة الأعمال قبل نشرها، لأنّ بعض الهيئات الخاصة أو الوطنية تنشر للكتّاب المبتدئين أعمالهم بمجرّد الاتفاق على مبلغ الدفع. هل من كلمة أخيرة تودّين قولها؟ أقول في ختام هذه الدردشة، أن الكتابة للطفل عالم ممتع وأخاذ، لكنه مسؤولية كبيرة لأنه موجه للبراءة. بعض الكتاب الشباب الذين يميلون للكتابة للطفل، اعترفوا بصعوبة هذا المجال نظرا لطبيعته الأصلية، وأجمعوا على أن الاهتمام بالطفل الكاتب والكتابة للطفل أضحى ضرورة ملحّة، خاصة أنّ مواهب الصغار تعدّ بمثابة مشاريع كتّاب، ما يستلزم توفير الظروف والفضاءات لاحتوائها وإخراجها للوجود من خلال النشر وصناعة أسماء أدبية واعدة من منطلق ما يعرف ب "أدب الطفل". كما نوهوا إلى أن الكتابة للطفل ليست سهلة، لوجود اعتبارات عديدة منها التربوية والسيكولوجية والفكرية والإبداعية، و خصائص لغوية وأسلوبية مختلفة عن اللغة التي تحاكي الكبار، لهذا أصبحت تشغل حيزا مهما في الساحة الأدبية والنقاشات الفكرية، في ظل الفراغ الموجود في هذا الجانب. و للنهوض بهذا النوع الأدبي والاهتمام بالقراءة عند الطفل واكتشاف مواهبه وملكاته، أكدوا على أنه ينبغي تنظيم نشاطات خاصة بهذه الشريحة كإقامة معارض لكتاب الطفل و مسابقات في أدب الطفل و متابعة الاصدارت عبر وسائل الإعلام، كما ينبغي إخراج نصوص جيدة شكلا ومضمونا تتميز بالمتعة والتسلية والإبداع الفكري.