تحولت البنوك إلى الواجهة منذ الإعلان عن إقحامها في العملية الاقتصادية والاستثمارية من خلال قرار تبسيط وتيسير جملة من الإجراءات لصالح المؤسسة الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص وكذا الأفراد، وسيشتد التدافع على شبابيك البنوك العمومية ووكالاتها عبر الوطن للاستفادة من هذه الدفعة القوية للاستثمار شرط أن تكون الملفات تمتاز بالطابع الإنتاجي وتتوفر على رؤية واضحة. وليس غريبا أن يزداد الضغط على القائمين على الدوائر البنكية بين رغبة في الانخراط في الديناميكية الجدية كأطراف احترافية وكاملة الوعي من جهة ومخاطر محتملة قد تترتب على قرارات ترتبط نتائجها بمدى شفافية المحيط ومصداقية المتعاملين في ظل عقدة الفساد التي تلقي بظلالها على الساحة حتى شوهت الكثيرين من الكفاءات المتخصصة في المصارف. لكن أن يطلق العنان للمؤسسات المصرفية في الاستجابة لطلبات التمويل لا يعني البتة التحرر من الضوابط التقنية والقانونية التي تتعلق بالضمانات والجدوى الاقتصادية للمشاريع. وهنا يعول على احترافية مهنيي البنوك وقدرتهم على التصرف بمسؤولية ترتكز على مرافقة التمويل والحرص على استغلاله في المشاريع المعلنة ومنع أي انحراف محتمل قد ينجم عن تسيب أو تهاون أو إغراء من أطراف تتربص بالمال العام وتجيد اللعب على التناقضات مستغلة الظرف المتميز بالإرادة الصريحة للدولة في تشجيع المتعاملين الاقتصاديين والوفرة المالية التي تسيل لعاب الكثيرين. إنها فرصة لاختبار مدى مواكبة البنوك العمومية للإصلاحات وقدرتها على المنافسة في سوق مفتوحة تقبل على مرحلة يكون الحسم فيها لمن يملك الجرأة في تحمل الأخطار، وبقدر ما يحق لمسؤول بنك أن يوافق على تمويل مشروع باستشارة مساعديه المختصين بقدر ما يحق له رفض ذلك إذا ما شعر بأن الضمانات غائبة أو غير كافية ولا يخشى لومة لائم من الوصاية أو المحيط. ولا بديل عن الشفافية والوضوح كأفضل ضمانة للبنوك العمومية لتنهض وهي تلاحظ كيف أن بنوكا خاصة ذات رأسمال أجنبي تجيد قطف الثمار وتعرف من أين تؤكل الكتف.