يتمدّدون في الطرقات، يفترشون الأرض ويقتاتون على ما تجود به أكياس القمامة. المتشردون فئة تعيش على هامش المجتمع، لا مأوى لهم ولا مسكن ولن يستثنى منهم الكبير أو الصغير، ولكن يبقى الطفل إذا تشرّد ألمه وخسارته أكبر من آخر راشد، حتى الآثار السلبية للظاهرة وانعكاساتها تكون كارثية مقارنة بالشخص البالغ. وحتى نقترب من الواقع اجتهدنا فس الاتصال بالجهات المختصة، ولكن في كل مرة تقف في وجهنا الأوراق والروتينات الادارية التي تعرقل عمل الصحفي وتبعده عن الحقيقة، لذلك اتجهنا إلى المجتمع المدني واتصلنا بالسيد عبد الرحمان عرعار رئيس شبكة ''ندى'' ليحدّثنا عن ظاهرة أطفال الشوارع التي تغزو كل مكان. أطفال في ظلام دامس وأكد أنّ أطفال الشوارع هم شريحة يصعب التعامل معها، فكل واحد منهم له السبب الخاص الذي جعله يسكن الشارع، فهناك من هرب من البيت وآخر اكتشف أنّه طفل مكفول فخرج من البيت الذي كفله سنوات ليتجه إلى الشارع، وهناك من اضطرته الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى ذلك، وهناك من تعرض إلى الاهمال وسوء معاملة فوجد نفسه في الشارع، وهناك من قاموا بأعمال مخالفة للقانون وعوقبوا عليها وخرجوا من السجن ليجدوا أنفسهم غير مرغوب فيهم وسط المحيط الذي ينتمون إليه. ولكن رغم كل الاختلافات الحقيقة الأكيدة إنهم موجودون في الشارع، وتأسّف السيد عرعار من عدم وجود حلول جذرية لهذه الفئة بل أكثر من ذلك المؤسسات التي تستقبلهم فبمجرد بلوغهم سن 18 سنة تخرجهم إلى الشارع ما يعقّد المشكل أكثر، لذلك يجب أن تنطلق الحلول من منبع المشكل وجذوره، لأن الاطفال الموجودين في إطار الكفالة ويتعرضون إلى هذه المشاكل لابد من مرافقة اجتماعية ونفسية لهم تبحث في الظروف التي يعيشونها في العائلة الكفيلة، وحتى إا كان هناك نزاع أو طارئ يتم تبليغ قاضي الأحداث أو قاضي شؤون الاسرة لاتخاذ التدابير المناسبة، ولكن في الواقع لا شيء من هذا يحدث فالطفل الكفيل بمجرد خروجه لن يسأل عنه اأحد. يقول السيد عرعار أنّ حياة الأطفال في الشوارع تؤدي بهم إلى انحراف آخر حيث يتم استغلالهم في الاتجار بالمخدرات، في الانتهاكات الجنسية، السرقة، الاعتداء على الممتلكات عامة أو خاصة وانتهاك الحرمات ما يعني أن هذه الفئة وأمام أعيننا تزداد انغماسا في الانحراف ما يجرّنا إلى الحديث على مستوى الجريمة الذي يزداد وعن ضحايا جدد في المجتمع. وهنا نسجل حساسية الموضوع مع وجود الفتيات ولعل روّاد موقف سيارات البريد المركزي يعلمون جيدا حجم المشكل الذي نتكلم عنه، فهنّ يعشنّ هناك برفقة مراهقين ويجب أن نتصور الأمراض المعدية التي قد يصبن بها بل منهن فتيات في الخامسة عشر أمهات عازبات لأطفال هم ضحايا غياب حلول جذرية لمشكلة أطفال الشوارع بل الكل يقف متفرجا ولا يحرك ساكنا. غياب المراكز زاد الظاهرة تفاقما أما فيما يخص المراكز المختصة والتي تأوي أطفال الشوارع، فأكد السيد عبد الرحمان عرعار رئيس شبكة ''ندى'' أنه يوجد مركز للأطفال الذين هم في خطر معنوي موجود بحي أول ماي ولكنه يتقبّل الأطفال الذين يتخلى عنهم عائلتهم أو هؤلاء الذين تمّ استغلالهم في سوق العمل، لذلك لا يمكن اعتباره مركزا للأطفال المتشردين، أما ديار الرحمة فهي موجهة اليوم لاستقبال الأمهات العازبات والآن يستقبلون المرضى القاطنين بالمناطق البعيدة، أما مؤسسة تستقبل اطفال الشوارع وتعيد بناء شخصيتهم من جديد بمرافقة نفسية واجتماعية أو اتباع منهج تربوى لإعادة إدماج هذه الفئة في المجتمع فهي غير موجودة أصلا، هناك مركز بئر خادم ولكن مهمته إلى اليوم غير واضحة وشبكة ''ندى'' تستقبل الكثير من الشكاوى بسبب سوء المعاملة هناك، ما يعني نقص في تكوين المؤطرين بل بعض الأطفال هناك يفرون إلى الشارع بسبب ذلك. وقال أنّ المراكز الموجودة تنحصر مهمتها في المأكل والمأوى، أما التكفل النفسي والإجتماعي والطبي وكمشروع تربوي لهذه الشريحة لإعادة إدماجهم في الحياة العادية والمهنية والتعليمية هو غائب تماما عن الواقع، والمفروض ألاّ يستقبل المركز الطفل لأكثر من سنة حتى يمكن إدماجه بسهولة في المجتمع يجب أن لا نحصرها في الجانب الردعي فقط. أما شبكة ''ندى'' فتهتم بسوء المعاملة وبالأطفال المولودين خارج إطار الزواج حتى لا يصبحوا بالغد أطفال شوارع، ''لذلك نحن نعمل في العمل الوقائي أمّا الدخول مباشرة في مشروع فنحن لا نريد الدخول في مغامرة ونحن غير جاهزون بكل الامكانيات الممكنة، فطفل الشارع عندما يأتي إليك ممكن أن يكون مُدمن مخدرات، يكون في حالة صحية متدهورة، شخصية محطمة لذلك لا بد من فريق بشري كامل لاحتواء الظاهرة''. شبكات تستغل أطفال الشوارع في الاتجار بالمخدرات أما فيما يخص العدد الحقيقي لأطفال الشوارع، قال السيد عبد الرحمان عرعار أنّه إلى حد الآن لا توجد دراسة ميدانية دقيقة يمكنها إعطاء الرقم الصحيح لهم، لكن هناك مبادرات تضع عددهم بين خمسة عشر ألف وعشرين ألف طفل متشرد في الجزائر، وقد طالبنا ببحث دقيق تشترك فيه وزارة التضامن لنقدم العدد الدقيق لهذه الفئة التي تعاني، ومعاناتهم في وهران وعنابة أكبر من العاصمة، وهناك شبكات حتى في الجنوب تستغل هذه الشريحة في المتاجرة في المخدرات والاستغلال الجنسي. يُمكن القول في هذا السياق حسب السيد عرعار رئيس شبكة ''ندى''، ''أنّ فرق الدرك الوطني والأمن الوطني تقوم بعمل جبّار لتفكيك هذه الشبكات، وتمّ إنقاذ الكثير من الفتيات، آخرها فتاة التي وجّهناها إلى مركز إيواء حيث كانت محل استغلال من طرف شبكة مختصة وهي اليوم ستتوجه إلى مركز للتكوين المهني، والحمد للّه أنّها لم تتغلغل في طريق الانحراف ولكن غيرها كثيرات ينتظرن الخلاص، لذلك يجب الاسراع في إيجاد الحلول الناجعة والفعّالة ولا نكتفي بالأرقام فقط ولأنها بلا فائدة إذا لم يتم استغلالها في وضع خطة علاج للظاهرة.