الكل يدق ناقوس الخطر، من مصالح الأمن، جمعيات وممثلي المجتمع المدني...الظاهرة في تزايد، أرقامها مرعبة لأنّها تعكس مستقبلا مجهولا لأطفال لم يعرفوا من طفولتهم سوى الرقم الذي يُكتب في خانة ''السن''. وللالمام بالموضوع، اقتربت ''الشعب'' من رئيس شبكة ''ندى'' التي تناضل من أجل حقوق الطفل ليتحدث عن المآسي التي تعيشها الطفولة في بلد تقرّ قوانينه بحقوق الطفل كلها. السيد عبد الرحمن عرعار، أكّد في هذا الإستطلاع أن ظاهرة العنف ضد الأطفال أخذت أبعادا كبيرة وأنماطا وأشكالا متعددة لم نكن نعرفها من قبل، وأرجع الأسباب إلى اجتماعية واقتصادية التي عرفها المجتمع الجزائري ما أدى إلى تغير على مستوى الفرد بحد ذاته من خلال تطلعاته وحاجياته اليومية، إلى جانب تراكم الآلام التي تعانيها الأسرة الجزائرية ما أدى إلى اختيار العنف كوسيلة لحل مشاكله. نزاعات أسرية حادة من خلال الحالات التي تتصل بشبكة ''ندى''، وجدنا أن النزاعات الأسرية في غالب الأحيان تنتهي إلى العنف في التعامل مع المشكل، فغياب الحوار والتشاور والحكمة والوساطة يؤدي دائما إلى ذلك، وطبعا الضحية الاولى ستكون الطفل الذي يتعرض إلى مشاكل أخرى كالهروب من البيت، أو تعرضه لاعتداء أو استغلاله في سوق العمل أو اتجاهه إلى التسول، ما يعني أنّ العنف ينتج وضعيات غير قانونية خاصة في حالة تعنّت الطرفين أو بقاء الأم وحيدة مسؤولة على أبنائها وهي لا تملك عملا أو أي مدخول يمكّنها من تلبية طلبات أبنائها، ففي حالات كثيرة كان السبب الأول لانحراف الطفل هو خروجه إلى العمل من أجل عائلته. هناك حالة عمرها 18سنة، وجدت نفسها في الشارع بعد طلاق والديها وهي اليوم حامل في شهرها الثالث، استطاعت شبكة ''ندى'' تأمين عائلة تعولها طوال فترة حملها، فمثلها ضحية والجنين الذي تحمله في أحشائها ضحية والمجتمع هو الوحيد الذي سيدفع الثمن، هذه الفتاة وغيرها تعكس الانكسار الذي تعرفه العلاقات الاجتماعية الأسرية. أما على مستوى الفضاء العمومي الذي أصبح خارج عن السيطرة ولا أحد يتحكم فيه رغم وجود قانون إلاّ أنّ العنف متجذر، فعندما نرى المجموعات التي يكوّنها القصر والمراهقين يستعملون السيوف والسكاكين والكلاب والشجارات التي تثار هنا وهناك بين الأحياء والصراع بين عائلة وعائلة، هذا كله يُعرّض المجتمع إلى كثير من المضايقات. وبلغة الأرقام، قال السيد عرعار أنّه من سنة 2011 إلى سنة 2012، سجلت 32 ألف حالة اعتداء على الأطفال والعائلات والأصول، في مجتمع له قيمُه ومبادئه التي تمنع مثل هذه الحالات، ما يجعل الملاحظ يعي أن المجتمع الجزائري يعرف انكسارا على مستوى روابطه الاجتماعية، وتلاشي في علاقاته الأسرية ونقص في عملية التضامن بين الأفراد المكونة للمجتمع. 1700 طفل في حالة خطر معنوي وجسدي أما على المستويات المؤسساتية، فالمدرسة لم تنجو من ظاهرة العنف، الملاعب أيضا مسّها العنف، المساحات الخضراء والمرافق العمومية لم تصبح آمنة للعائلات الجزائرية، ففي الفضاءات أصبح العنف هو المسيطر على العلاقات، وفي تسيير النزاعات والخلافات فمن أجل ''نعم'' أو ''لا''، يحمل الشخص السكين، ففي العاصمة مثلا سجلت 1700 حالة، هم أطفال في خطر معنوي أو جسدي أو نزاع مع القانون في السداسي الأول ل 2012. لا للعلاج الشكلي والمناسباتي أرقام مخيفة تتكلم في صمت عن معاناة كبيرة يعانيها الطفل وسط مجتمع مستقبله في خطر إن لم نعالج المشكل من جذوره، والكل معني به حسب السيد عرعار رئيس شبكة'' ندى''،.. ويجب أن يكون علاج جذري وليس مناسباتي مرتبط بتاريخ أو بيوم معين، لابد أن تمس السياسة عمق المشكل وحقيقته، لابد من محاربة الجريمة ولا بد من تدعيم الأسرة في تربيتها لأطفالها، لابد من مرافق بديلة لتدعيم الأسرة، أين دور السنيما؟ ين دور المسرح؟ إين دور المسابح الخاصة بالأطفال؟ أين دور الحضانة لابد من أن يلعب الكل دوره لإيجاد بيئة حامية للأطفال؟ عند بناء الأحياء السكنية لابد من توفير هذه المرافق التي نجدها غائبة في كثير من المجمعات السكنية الجديدة، ولكن بالمقابل لا تكون منشآت ميتة بدون برنامج أو نشاط، فمثلا دار الشباب تغلق أبوابها في الخامسة مساءً، بالاضافة إلى أن عددها لا يتعدى ال 2000، فكم ستستقطب من الشباب؟ هو أمر غير معقول، كيف لعاصمة كالجزائر تتوقف بها الحركة عند السابعة مساء، وإذا لم نسرع في العلاج ستكون مكتسباتنا في خطر. فإذا استمر العنف على مستوى المدارس سيفقد الطفل حقه في التعلم الذي أقرَّه القانون منذ 1962، إذا لم نُعالج استقرار الأسرة فيعني أن استقرار المجتمع والبلد مهدد لأنّها اللبنة الاولى لهما، العائلة التي لا تجد مرفقا تذهب إليه نهاية الأسبوع، فذلك يمثل ضغطا قد ينعكس سلبا على الأسرة وقد يولد نزاعا داخلها وتصبح الأم مضطرة إلى إرسال ابنها إلى الشارع، ما سيجلب لها المشاكل ويفتح لها باب نفقات جديدة قد تؤدي إلى تشنّج في العلاقات الأسرية، وهناك عائلات تخلّى عنها الأب بسبب الضغط الذي يعيشه وسط العائلة. 41 حالة طلاق سنويا توجد 41 ألف حالة طلاق سنويا، هو رقم وصفه السيد عرعار بالضخم، وهنا تساءل عن دور المراكز الخاصة لتكوين العائلة التي تعيد ترميم العلاقة الأسرية عند انكسارها أو تصدّعها، يجب أن نكتفي بالخدمات الأساسية كالتعليم والتربية والصحة، فمن حق الطفل الجزائري أن يسافر، من حق الطفل أن يستفيد من مخيم، كل سنة لدينا 8 ملايين طفل، كم عدد الذين يستفيدون من مخيمات في العطلة الصيفية؟ لماذا لا نترك تفكيرنا يصل إلى العدد الاجمالي للأطفال في الجزائر ولن نتحدث عن الطفلا المعاقا وحقّه في المخيم؟ فهذه الفئة منسية أصلا. مثلا في مرة سابقة أرسلنا طفل معاق للمخيم في فرنسا، وهناك وجد نفسه يلعب ''البولينغ'' في إحدى الخرجات رغم أنه ذهب ليتفرج عليهم فقط، ولكن إدارة المركب هناك أدخلوه وأحضروا له العتاد الرياضي الخاص بفئة المعاقين، استطاع تجاوز إعاقته ولعب معهم بل أكثر من ذلك جهّزوا هذا الطفل المعاق ليتزحلق على الجليد، الشيء الذي أثّر إيجابا على نفسيته وجعله يتغيّر ويتأقلم مع زملائه الأصحاء، بل عبَّر زملائه وقالوا أنه ليس الشخص الذي صعد معهم الطائرة، كل هذا لماذا؟ لأنّ البشرية تتقدم وتطور من اهتماماتها، لذلك وجب أن نتغير ولا نحكم على أبنائنا بالبقاء هكذا لأن العنف سيكون النتيجة الطبيعية لذلك. وأنهى السيد عبد الرحمان عرعار كلامه بالحديث عن الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له المراهقات في سائر أيام الأسبوع، عن المراهقين الذين يُدمنون المخدرات في مختلف الأحياء، عن الفراغ الذي يخنق القصر في كل مكان. العنف ليس سوء معاملة أو اعتداء جنسي على الأطفال، بل هو سلوك متجذّر يجب علاجه بتدخل الجميع في عمل متكامل ومشترك، ومستمر على طول السنة.