الاكتشافات الطّاقوية في مناطق غير تقليدية برهان على حصافة إستراتيجية «سوناطراك» في وقت يعاني العالم من أزمة طاقة غير مسبوقة، تظهر الجزائر بشكل لافت، وتحظى بمكانة الشريك الآمن الموثوق في سوق الطاقة، لتكون مصدرا هاما للإمداد بالغاز في العالم، وأول مصدر للغاز الطبيعي المسال في إفريقيا، وأوعز خبراء ومحللّون، تمكن الجزائر من مواكبة المستجدات الأخيرة بسوق الطاقة الدولية، إلى تعزيز نصوصها المنظمة للاستثمار في المحروقات، وتسطير إستراتيجية وفق ميزانية ضخمة للكشف والتنقيب عن الغاز والبترول. ذكر آخر بيان صادر عن عملاق النفط الجزائري «سوناطراك»، أنّ قانون المحروقات 2019، يعتبر جاذبا لعقود الشراكة، بالإضافة الى جهود التي تبذلها الجزائر في مجال الاستثمار، ومن بين أهم هذه الجهود، قانون الاستثمار الجديد، وذكرّت الحصيلة التي أبرزتها شركة «سوناطراك» بتوقيع عدة اتفاقيات لدعم دور الجزائر كمموّن موثوق على مستوى السوق العالمية للغاز، وهو ما يحيل المتابعين الى المراهنة على إمكانيات تلبية الطلب المتزايد على الطاقة خاصة «الغاز» في الوقت الحالي والمستقبل القريب. أوضح الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي، أنّ المكانة التي تحتلها الجزائر اليوم في مجال الطاقة على المستوى العالمي نصّبتها كورقة طاقوية هامّة، وشريك موثوق خاصة لدى دول الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن هذه المكانة تعزّزت بفضل الإستراتيجية التي وضعتها الجزائر، وترجمتها سياسة «سوناطراك» في هذا المجال. ويرى البروفيسور كواشي أنّ مجمّع سوناطراك وضع إستراتيجية رشيدة تعتمد على زيادة الاستثمارات في مجال الطاقة، واستغلال فرصة ارتفاع الأسعار التي تشهدها السوق الدولية للطاقة، خاصة وأنّ العرض يشهد اليوم شحّا كبيرا في الطاقة، مؤكّدا أنّ الشركة العملاقة بإفريقيا كثّفت من استثماراتها سواء بمفردها أو عن طريق شراكات مع مجمّعات أجنبية تتقدّمها شركة «إيني» الإيطالية، وشركات أخرى من أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية.وذكر الخبير الاقتصادي بالميزانيات الضخمة التي خصّصتها شركة سوناطراك للاستثمار، كما حقّقت الشّركة السنة الماضية خمسة عشر اكتشافا أهّلتها لاحتلال المرتبة الأولى عالميا في مجال الاكتشافات الطاقوية سنة 2022، وتمكّنت الجزائر من خلالها، من تعزيز احتياطاتها من الطاقة. ووصف محدّثنا رؤوس الأموال التي استثمرت في هذا المجال ب «الضخمة»، مذكّرا بالميزانية التي رصدتها شركة سوناطراك للفترة الممتدة من 2022 الى 2026، والتي فاقت 40 مليار دولار من أجل زيادة عملية الكشف والتنقيب والإنتاج في مادتي النفط والغاز. وأوضح البروفيسور كواشي، أنّ الاكتشافات المحققة العام الماضي من قبل شركة سوناطراك، تتميز بكونها جاءت في مناطق غير تقليدية كمنطقة البيض وقسنطينة…إلخ، وهو ما يفسّر أنّ هنالك استراتيجية واضحة جدّا للراغبين في الاستثمار، وعقد شراكات مع الجزائر في هذا المجال، فالجزائر عززّت مكانتها كشريك موثوق، وتعتبر ثالث مموّل للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، حيث تلبّي للاتحاد الأوروبي 12 بالمائة من احتياجاته من مادة الغاز الحيوية، كما رفعت الجزائر حجم صادراتها خاصة نحو إيطاليا، وهذه الأخيرة ستصبح منصة لتوزيع الغاز الجزائري إلى الدول الأوروبية. وقال كواشي: «أستطيع القول إنّ هذه المرتبة التي أصبحت تحتلها الجزائر في ميدان الطاقة مردّها إلى السياسة الحكيمة والإستراتيجية الواضحة للدولة الجزائرية، وفي مجمّع سوناطراك الذي يحتل المرتبة الأولى إفريقيا و12 عالميا ضمن قائمة أكبر شركات الطاقة، لذا، فهذه المكانة والإستراتيجية للمجمّع مكنت الجزائر من الاستفادة من الاختلالات في سوق الطاقة الدولية». وفي ذات السياق، ذكّر محدّثنا بمراجعة الجزائر لأسعار الطاقة خلال العام الماضي مع أهم شركائها، وهي تسير وفق إستراتيجية واضحة في الانتقال الطاقوي من خلال الاعتماد على الطاقات الاحفورية الغاز والبترول، وهذا من أجل الوفاء بالتزاماتها نحو زبائنها من الدول الأوروبية ودول العالم، وثانيا الاستثمار في مجال الطاقات البديلة والنظيفة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، لذا، فالإستراتيجية التي وضعتها الجزائر في مجال الطاقة تستهدف تعاظم شأن الجزائر الطاقوي على المستوى العالمي، وهذا ما نراه ونلمسه يوما بعد يوم. وعن النّصوص والتشريعات القانونية الجاذبة للاستثمار وعقود الشّراكة، أوضح البروفيسور مراد كواشي أنّ الجزائر وفّرت مناخا ملائما للاستثمار في قطاع المحروقات من خلال قانون المحروقات الجديد، الذي يتضمّن امتيازات كبيرة ومزايا جاذبة للمستثمرين، والكرة الآن في مرمى الأجانب الراغبين في الاستثمار مع الجزائر من أجل الاستفادة من ثروات الجزائر الطاقوية، وما عليهم سوى التقدم من أجل الاستثمار والشراكة وفق أسس وقواعد حدّدتها الجزائر ضمن منطق رابح-رابح، والاستثمار في قطاع المحروقات يتطلّب أموالا ضخمة، لهذا تلجأ العديد من الدول إلى عقد شراكات مع شركات كبرى في محال الطاقة من أجل تقاسم تكاليف الاستثمار ونسبة المخاطرة، كما أن الدول الراغبة في تعزيز أمنها الطاقوي ستبحث عن سوق استثمار آمنة وموثوقة، وهو ما توفّره الجزائر من خلال سمعتها بين جميع الدول. وأضاف محدّثنا أنّ الاحتياطات التي تملكها الجزائر وارتفاع معدل اكتشاف النفط والغاز، يؤهل الجزائر لاستقطاب استثمارات أكبر خلال السنوات القادمة، ناهيك عن الميزانية الضخمة المخصصة للبحث والاستكشاف التي خصصها عملاق النفط الجزائري خلالي الخماسي 2022 - 2026.وذكّر كواشي بعامل مهم في مجال استقطاب المستثمرين خاصة الأوروبيين، بما أنّ الحديث اليوم يكثر عن الأمن الطاقوي في أوروبا، فإنّ قرب المسافة بين الجزائر ودول الجنوب الأوروبي، يؤهّلها لاحتضان مشاريع طاقوية هامة في المستقبل القريب. وأضاف الخبير مراد كواشي، أنّ الجزائر لها القدرة على الوفاء بالتزاماتها والطلبات المتزايدة على الغاز سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب، وهذا بفضل الاحتياطات الهائلة التي تمتلكها الجزائر، وتعزّزت بالاكتشافات الأخيرة وإستراتيجية البحث والتنقيب المسطّرة على الأمد القريب والمتوسط، وهي إستراتيجية تمّ الشروع فيها بداية من العام الماضي أين استثمر مجمّع «سوناطراك» ما يقارب 5.5 مليار دولار في الاستثمار الطاقوي، وهو رقم كبير حسب البروفيسور كواشي. ويرى الخبير الاقتصادي، أنّه وبالنظر الى حجم الاستثمارات من جهة، وحجم الاحتياط الطاقوي من جهة أخرى، سيبقى المشكل الوحيد الذي قد يعترض المخطط العام في هذا الشأن هو المشكل «اللوجيستي»، خاصة وأنّ أنبوب الجزائر المار نحو إيطاليا قد وصل إلى مرحلة التشبع، لذا فإنّ التفكير بدأ في تشييد أنبوب ثان مباشر يربط الجزائربإيطاليا، وهذا لكي تستطيع الجزائر ضخ كميات أكبر من الغاز. وفي ذات السياق، ذكّر محدّثنا بأوامر الرئيس تبون بزيادة حجم الصادرات من الغاز إلى 100 مليار متر مكعب، وهو سيتحقّق مع زيادة أنبوب إضافي يربط الجزائر مع إيطاليا على مسافة لا تتجاوز 250 كلم عبر البحر. ودعا البروفيسور مراد كواشي إلى تطوير قدرات الإنتاج في ميدان الغاز المسال، من خلال تعزيز أسطول النقل البحري الخاص بهذه المادة الحيوية، خاصة وأنّ الجزائر أضحت أكبر مصدّر للغاز المسال في القارة الإفريقية، متفوّقة على جميع منافسيها في هذا المجال.