تشهد مدينة تندوف خلال الشهر الفضيل إقبالاً كبيراً على راحة الصائمين ومد يد العون للفئات الهشة من المجتمع، من خلال تسطير العديد من البرامج والنشاطات الجوارية من طرف بعض الجمعيات أو من خلال برامج مستقلة لشباب الأحياء. المتجول في شوارع مدينة تندوف خلال شهر رمضان، يلمس مدى إقبال شباب الولاية على فعل الخير، فمعظم أحياء المدينة تحولت إلى فضاءات مفتوحة لإفطار عابري السبيل حسب ما رصدته «الشعب»، وهي نشاطات شبانية جسّدت روح التعاون والتكافل الاجتماعي التي يمتاز بهما الشعب الجزائري في أبهى صورهما. موائد الرحمن وإفطار عابري السبيل، باتت اليوم من السمات الرائجة في ولاية تندوف، بل أصبح لكل حي رواده من المحتاجين وعابري السبيل في قرية حاسي خبي، أم العسل وتندوف، يتنافس على خدمتهم شباب رفعوا التحدي ورسّخوا مبدأ العمل التطوعي رغم شح الموارد المالية. كانت بداية جولتنا من محطة سيارات الأجرة بحي الرماضين، دقائق قليلة قبل رفع أذان المغرب.. تنظيمٌ محكم وتوافد كبير للمسافرين ومن انقطعت بهم السبل بالولاية، حيث تم تفريش الساحة المحاذية للمحطة من طرف سكان الحي من أجل استقبال الوافدين. حي الرماضين يشكّل أنموذجاً وعيّنة بسيطة لما تعيشه العديد من أحياء ولاية تندوف خلال شهر رمضان من مبادرات خيرية وأنشطة إنسانية تعكس معدن الشعب الجزائري المتأصل على فعل الخير، وهي مثال حي على صور التآزر والتكافل الاجتماعي. 200 وجبة ساخنة يومياً أشار أيوب بريك، أحد المشرفين على الإفطار في حي موساني الذي شهد أول تجربة إفطار جماعي بالولاية، أن شباب تندوف يتنافسون على تقديم الأفضل لعابري السبيل بالولاية، مشيراً الى وجود بعض العقبات التي تحول دون الحصول على تمويل رسمي للحملات الخيرية ولأنشطة الإفطار في الحي، منوهاً - في الوقت ذاته - بالتسهيلات الإدارية الممنوحة لشباب الأحياء من أجل تنظيم موائد الرحمن. قال بريك: «البداية لم تكن سهلة بسبب حرص شباب الحي على توفير كل الظروف التي تشترطها مديرية الصحة ومديرية النشاط الاجتماعي من أجل تنظيم إفطار جماعي في الهواء الطلق، فقد كان لزاماً على الجهات المختصة تكثيف المراقبة من أجل أن تكون ظروف الإطعام حسنة»، مشيداً بالتسهيلات الإدارية التي تصاحب عملية إفطار عابري السبيل والمرافقة المستمرة من طرف الجهات المختصة طيلة الشهر الفضيل، وهي ظروف مكنت من تحقيق حوالي 150 وجبة ساخنة يتم توزيعها على المحتاجين وعابري السبيل يومياً بالحي. من جهته، أوضح تياح أبوبكر أن إفطار عابري السبيل في طريق الوحدة يتم بنظام التفويج، بسبب كثرة الشباب الراغبين في الانخراط في العملية التطوعية، مشيراً الى أن هذه العملية تتم من خلال جمع تبرعات مالية من طرف سكان الحي ومحسنين من خارجه مرتين خلال شهر رمضان، وقد مكّنت من توفير 200 وجبة و60 قفة محمولة يومياً توزع على المحتاجين وعابري السبيل. كرمٌ.. تخطى حدود الوطن أشار صديقي عبد العزيز، إمام مسجد حمزة بن عبد المطلب بتندوف، إلى أن شهر رمضان هو شهر الرحمات، وشهرٌ تجتمع فيه القلوب الطيبة ويزداد فيه الخير والعطاء، وأن الأمة الجزائرية لا يزال فيها الخير قائماً ويجسّده شبابها الذي يهبُّ هبّة واحدة خلال شهر رمضان لإفطار عابري السبيل، تهيئة بعض الأحياء، نظافة المساجد وإنارتها والمساهمة في كثير من الأعمال الخيرية التي تدخل الفرح والسرور في قلوبنا. أوضح إمام مسجد حمزة بن عبد المطلب، أن تسابق الشباب لتنظيم موائد الرحمن هو فعل ينبئ عن الخير المكنون في القلوب، وهو يستشرف شيئاً في مستقبل بلادنا، بأن الخير قادم لها وبسواعد أبنائها، منوهاً الى أن الشباب الجزائري فيه الخير الكثير، ما يحتاجه هو بعض التوجيه والأخذ بيده وتوجيه دفّته الى ما فيه صلاح له وللبلاد. وأردف الشيخ صدّيقي قائلاً بأن الشباب الجزائري واقعٌ اليوم بين مجموعة أفكار متلاطمة تغذّيها مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التلفزيونية الأجنبية التي تحاول المساس به، وزرع أفكار غريبة عنه، تحت مسمى «الحرية» و»التحضّر»، داعياً مؤسسات الدولة وقنواتها الرسمية من دور الشباب، وكالات التنمية الاجتماعية، وكالات التشغيل، دور المقاولاتية وغيرها من المؤسسات الرسمية الى توجيه الشباب الذي لم يجد بيئة حاضنة له ولطاقاته الإيجابية بعيداً عن الطرق الأكاديمية والادارية الصلبة، مجدداً التأكيد على ضرورة النزول الى الشباب لمعرفة رغباته، آماله وتطلعاته، وضرورة الوثوق بقدراته وسعة صدره، وعلى ضوء ذلك، يمكننا معرفة الوتر الحساس الذي قد يساعدنا على اتخاذ الاجراءات والتدابير التي تمكننا من توجيهه. وعرّج المتحدث على مسألة البذل والعطاء اللذان يمتاز بهما الشعب الجزائري قائلا إن «هذا الشعب الذي يعرف حق جيرانه ويعرف حق التاريخ عليه، ويعرف حق الأمم التي كانت تقف معه وتسانده، وهو اليوم يقف شامخاً مناصراً للمظلومين والضعفاء وداعماً للقضايا العادلة منذ قيام هذا البلد العظيم». وأردف يقول: «في شهر رمضان يتجلى هذا العطاء كثيراً، من خلال إسهامات الجزائر حكومةً وشعباً في تسيير قوافل الدعم والمساعدات العينية الى الأشقاء الصحراويين والفئات الهشة في الجمهورية الاسلامية الموريتانية، وهو خير يعكس مبادئ الشعب الجزائري التي تربى عليها وألفها، وهو عنوان خير وبركة للقائمين على الشأن الانساني في البلاد، وهو أيضا مثال حي للتقارب والتعاون بين المسلمين خاصة في شهر رمضان الفضيل، فانتشر العطاء والخير بين الأمم المجاورة.