الصّادرات البينية القارية ستصل إلى 81 % حسب توقّعات الهيئات المالية الدولية بنى تحتية..آليات تمويل ولقاءات مكثّفة..السّمراء تنتفض اقتصاديا يعتبر التّوجّه الاستثماري نحو القارة الإفريقية، أهم الرّكائز التي تقوم عليها الإستراتيجية الاقتصادية للدولة الجزائرية، مدعومة في ذلك بالتوافق في الرؤى الاقتصادية للدول الإفريقية، بضرورة الالتفاف حول نفس الأهداف الاقتصادية النابذة للتبعية للاقتصادات العالمية، خاصة ما تعلق بأمنها الغذائي والطاقوي، مقتنعة أنّ حلول الأزمات الإفريقية سياسية كانت أو اقتصادية لن يكون إلا إفريقيا، ما يؤسّس لتعاون اقتصادي جنوب - جنوب، تؤطره اتفاقيات تجارية بين الدول الإفريقية، كمنطقة التبادل التجاري الحر "زليكاف" باعتبارها قناة للتجارة البينية الإفريقية، إلى جانب توفير الآليات التمويلية لتمويل الاستثمارات على مستوى القارة السمراء على غرار البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد الذي انضمت إليه الجزائر. "الشعب" وعلى هامش أشغال الطبعة التاسعة لملتقى إفريقيا للاستثمار والتجارة، المنعقد بفندق "شيراطون"، أجرت حوارا مع مدير مخبر التكامل الاقتصادي الجزائري -الإفريقي بجامعة أدرار، البروفيسور بلال بوجمعة. حول بنية الاقتصاد الإفريقي وخصائصه، والتوزيع الإقليمي للتجارة البينية بين مختلف الدول الإفريقية وسبل تعزيزها. - الشعب: الحضور القوي للوفود الإفريقية في التظاهرات الاقتصادية التي تنظمها الجزائر في كل مرة، وإجماع الفاعلين الاقتصاديين على أهمية الاحتكاك بنظرائهم من جميع البلدان الإفريقية من أجل شراكات واستثمارات واعدة، يؤكد اليوم مدى وعي البلدان الإفريقية بضرورة توحيد الرؤى من أجل تحقيق أمنها الاقتصادي وإدراكها إلى أي مدى يمكن أن تستفيد من تكتلها اقتصاديا مما يمكنها من التصدي للازمات العالمية ما رأيك بروفيسور؟ مدير مخبر التّكامل الاقتصادي الجزائري - الإفريقي بلال بوجمعة: فعلا، فالاتحاد أيا كانت خلفياته، يبقى النجاح نتيجته الحتمية. وقد عرفت القارة السمراء تكتلات اقتصادية إفريقية سابقة ناجحة تمكّنت من المساهمة بشكل كبير في تعزيز التعاون الاقتصادي بين بلدانها وتقوية المبادلات التجارية بينها. نذكر منها على سبيل المثال التجربة الثلاثية الحرة بين أطراف "الكوميسا" وجماعة شرق إفريقيا، ومجموعة تنمية الجنوب الغربي "صاداك" التي تمكنت من تحقيق نجاحات اقتصادية مهمة، وشاركت بشكل فعال في تنمية التجارة البينية الإفريقية، حيث بات الانضمام إلى أكثر من تكتل اقتصادي ضمانا للاستفادة من مزايا منطقة التبادل التجاري الحر، على غرار الجزائر التي تمكّنت من تصدير كميات كبيرة من المنتوجات خارج المحروقات إلى إفريقيا، ما دفعها إلى فتح معابر اقتصادية حدودية ستمكّنها مستقبلا من تحقيق المزيد من المكاسب في إطار التجارة البينية، خاصة في ظل استكمال مشروع الوحدة الإفريقية، وتسريع وتيرة إنجاز مشروع السكة الحديدية نحو إفريقيا عبر الجنوبالجزائري، إضافة إلى مشروع الطريق الرابط بين تندوف والزويرات الموريتانية بتمويل جزائري 100بالمائة، ممّا يعزّز البنية التحتية اللوجيستية لبلادنا. إلى جانب المبادرات التي تقوم بها الجزائر في كل المناسبات والمحافل من أجل توطيد الروابط مع إفريقيا، ما يؤكد توفر إرادة سياسية حقيقية لدى الدولة الجزائرية من أجل لعب دور أساسي وجوهري في تقوية وتعزيز العلاقات الاقتصادية الإفريقية، تؤكّد ذلك التظاهرات لاقتصادية التي تقام بانتظام من أجل مد جسر التواصل التجاري بين المتعاملين الاقتصاديين الأفارقة، والعمل على فتح المعابر الاقتصادية الحدودية. إلى جانب العمل على تعميم وتطوير تكنولوجيات الاتصال الحديثة، من أجل استغلال المعلومات التجارية الإفريقية، بهدف تحسين آليات الحصول على المعلومات التجارية واستغلال أمثل للفرص التجارية الممكنة، مما يحقّق تكاملا بناءً للأسواق الإفريقية، ويعجّل بتطوير منطقة التجارة الحرة الإفريقية التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2021، مشكلة بذلك أكبر تكتل اقتصادي من 3.4 ترليون دولار. - تتميّز القارّة السّمراء بمؤهّلات اقتصادية تجمع بين الثّروات الطّبيعية والمورد البشري، ترشّحها لتحقيق معدّلات نمو سريعة، وتحقيق أمنها الغذائي في حال اعتمدت دولها استراتيجيات ناجعة قائمة على استغلال إمكاناتها بشكل كلي..هل بإمكانكم، بروفيسور، أن تحدّثونا عن بنية الاقتصاديات الإفريقية وما يميّزها؟ قبل ذلك، أريد أن أؤكّد أنّ دول القارة الإفريقية، تحاول منذ الحقب الاستعمارية أن تنمّي تجارتها الخارجية وصادراتها، ولها في ذلك العديد من المؤشّرات المحفّزة، حيث تبلغ السوق الإفريقية 300 مليون نسمة 75 بالمائة منها شباب، ما يشكّل موردا بشريا حقيقيا، موزعا على دول القارة الإفريقية. كما تمتلك القارة السمراء ثروات طبيعية تعتبر نادرة مقارنة مع باقي دول العالم، حيث أنّ 60 بالمائة من إجمالي أراضيها، صالحة لمزاولة النشاط الفلاحي، ما يشكل بدوره مجالا استثماريا خصبا من شأنه تعزيز التجارة البينية في المجال الزراعي. كما تمتلك إفريقيا مخزونا هاما من الثروات الباطنية، جعلها محل أطماع استعمارية على مدى حقب وعصور تاريخية طويلة، أهمها احتياطي الذهب والمحروقات، حيث تنفرد ب 30 بالمائة من الثروات المعدنية بالعالم، و40 بالمائة من إنتاج الألماس عالميا و12 بالمائة من احتياطي الغاز عالميا، إلا أنه ورغم الثراء الطبيعي والبشري الذي يميز القارة الإفريقية، تبقى تعاني تبعية مزمنة للدول المتقدمة فيما يخص أمنها الغذائي من جهة، ومن جهة أخرى ما تزال تعاني من عدم الاستغلال الكلي لثرواتها التي تصدرها على شكل خامات، لتعيد استيرادها من جديد في شكل مدخلات ومواد أولية أو سلع نهائية، ممّا يؤثّر كثيرا على اقتصاديات بلدانها، ما جعل العديد منها يعاني من أعباء المديونية. - هناك مساع حثيثة وإرادة سياسية حقيقية من أجل تعزيز التجارة الخارجية الإفريقية البينية، هل من الممكن إفادتنا ببعض الأرقام التي تجسّد هذا المسعى؟ بلغت التجارة الخارجية الإفريقية نحو العالم 4800 مليار دولار، بمعدل متوسط يصل إلى 480 مليار دولار - حسب إحصائيات تم تسجيلها في الفترة ما بين 2010 و2019 - كما بلغ إجمالي صادرات البلدان الإفريقية مجتمعة خلال نفس الفترة 680 مليار دولار، حيث لم يتعدّ المعدل السنوي 70 مليار دولار. ويمكن تفسير ذلك من خلال تقسيم الفترة التي أجريت خلالها الدراسة إلى مرحلتين اثنتين، أولهما من 2010 إلى 2013، حيث شهدت القارة الإفريقية تنمية كثيفة بالنسبة للتجارة البينية خاصة ما تعلق بصادراتها التي تراوحت بين 10 و12 بالمائة، أما الفترة الثانية الممتدة ما بين 2014 و2019، فقد عرفت انتعاشا ملحوظ للصادرات التي قفزت ما بين 15 و17 بالمائة، أما بالنسبة لسنة 2020 فقد وصلت قيمة التجارة البينية من وإلى 230 دولة من العالم، 1015 مليار دولار منها، أكثر من 564 مليار دولار واردات، مقابل 452 مليار دولار من الصادرات نحو 223 دولة. النسب والأرقام المذكورة لا تتعدى 7 بالمائة من إجمالي حركة التجارة العالمية، كما لا تتعدى قيمة التجارة البينية الإفريقية سنويا 70 مليار دولار. - وماذا عن التّوزيع الجغرافي للصّادرات السّلعية البينية الإفريقية؟ تحتل جنوب إفريقيا المركز الأول من حيث الصادرات، حائزة بذلك على الحصة الأهم بنسبة 33 بالمائة، حيث تمثّلت أغلب صادراتها في آلات ومعدات النقل المطلوبة بكثرة على المستوى القاري بنسبة 60 بالمائة، إضافة إلى السلع الغذائية بنسبة 28 بالمائة، تليها منطقة "الكوميسا" وهو تجمع اقتصادي إفريقي له دور مهم جدا في تعزيز التجارة البينية بنسبة 19 بالمائة، تليها بلدان جنوب الصحراء بنسبة 18 بالمائة، في حين لم تساهم بلدان المغرب العربي في الصادرات السلعية الإفريقية إلا بنسبة 3 بالمائة، وهي نسبة ضئيلة جدا. وفي هذا الصدد أشار صندوق النقد الدولي في تقريره إلى أنّ نسبة صادرات الدول الإفريقية ستصل إلى 29 بالمائة بحلول سنة 2035 مقارنة بالأرقام المذكورة سالفا، ومن المتوقع أن تصل الصادرات البينية القارية إلى 81 بالمائة. - ما هو دور المنطقة القارية الإفريقية في تحقيق التّوقّعات التي أشار إليها صندوق النقد الدولي؟ وكيف يمكن للدول الإفريقية من خلال التكتلات الاقتصادية أن تساهم في تعزيز التّجارة البينية؟ بإمكان هذه المنطقة أن تساهم وبشكل فعال في تعزيز المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء، إذا ما أخذت بعين الاعتبار الأولويات المتعلقة بالتبادل التجاري البيني، خاصة ما تعلق بدعم السياسة التجارية الخارجية وتوفير مقوماتها من الوسائل اللوجيستية، والعمل على خفض تكاليف شحن ونقل السلع نحو جميع الوجهات التجارية الإفريقية. حيث أن سلاسل القيم الإقليمية القارية تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي والسلع المنتجة إقليميا، ممّا يستدعي آليات مبتكرة لتعزيز مشاريع البنية التحتية مثل الطاقة والنقل. وبالحديث عن سبل تعزيز التجارة البينية، يستوقفنا الجانب التمويلي من خلال دعم كل المؤسسات المالية والآليات التمويلية من أجل دعم وتشجيع الاستثمار المتبادل بين الدول الإفريقية. وهنا تجدر الإشارة إلى الدور الذي يلعبه البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير - الذي انضمت إليه الجزائر في 08 جوان 2022 - في مرافقة ودعم عمليات التبادل التجاري الإفريقي، حيث من المتوقع أن يستفيد المستثمرون الجزائريون من القطاعين العام والخاص من حزمة من البرامج التمويلية موزعة على مجالات زمنية محددة، تشمل قطاعات مختلفة لتدعيم الصادرات الجزائرية نحو وجهات مختلفة من القارة الإفريقية، تصل قيمتها إلى مليار دولار. كما أريد أن أوضح، أنه لا يمكننا التطرق إلى التجارة البينية الإفريقية، دون الحديث عن ضرورة إلغاء الحواجز التعريفية وغير التعريفية بين الدول الإفريقية، ممّا يسمح بتعزيز العلاقات التجارية ذات المزايا المتبادلة، من خلال خطط تحرير التجارة، ما يعتبر شقا مهما جدا، حيث تحقّق هذه الأخيرة إسهاما معتبرا في مضاعفة التبادل التجاري، الذي يمكن البلدان من التخفيض من فاتورة الاستيراد وتحقيق التكامل بينها. - حقّقت الجزائر تقدّما اقتصاديا تشهد له الهيئات المالية الدولية، يرشّحها لفرض تواجدها الفعّال والقوي في منطقة التبادل التجاري الحر، من خلال منتجات تنافسية من حيث الجودة والأسعار والكمية، ما هي قراءتك؟ بالحديث عن المؤشرات الاقتصادية الإفريقية، أود التوقف عند ما حققته الجزائر من مؤشرات جد إيجابية خلال الثلاث السنوات الأخيرة التي عرفت تصاعدا ملحوظا في منحنى جميع المؤشرات الاقتصادية، حيث وصلت صادرات الجزائر خارج المحروقات إلى 7 مليار دولار سنة 2022، ويتوقّع أن تصل إلى 13 مليار دولار مع نهاية 2023، بفضل الحوافز والامتيازات التي جاء بها قانون الاستثمار الجديد، خاصة ما تعلق بإعفاءات وتخفيضات في تكاليف النقل تصل إلى 50 بالمائة، وتخفيضات تكاليف المشاركة في الصالونات الدولية تصل هي الأخرى إلى 50 بالمائة. وهنا يجدر التنويه بالموقع الريادي الذي تتربع عليه الجزائر بالمنطقة، حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية بينها وبين الدول الإفريقية ما يعادل 5 بالمائة سنة 2020، حيث تعتبر الجزائر ممونا موثوقا للدول الإفريقية ومنافسا قويا للأسواق العالمية من حيث أسعار وجودة العديد من السلع، على رأسها المواد الغذائية والتمور ذات الصيت العالمي والمواد الكيميائية ومواد البناء، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تحديات ينبغي للدول الإفريقية العمل على تجاوزها، كضرورة إنجاز شبكة نقل كثيفة تربط بين جميع البلدان الإفريقية سواء عن طريق البر أو البحر، حيث ستعزز هذه الأخيرة، قريبا بدخول ميناء الحمدانية حيز النشاط ليشكّل همزة وصل بحرية بين أوروبا وإفريقيا، من أجل انسيابية أكثر للحركة التجارية الإفريقية. بالإضافة إلى ضرورة التصدي إلى المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة، وضرورة تغليب لغة الحوار بين الفرقاء. وفي هذا الصدد، أشيد بالتجربة الجزائرية التي أثبتت نجاعتها في مجال التصدي للمخاطر الأمنية ومواجهتها، حيث خطت الجزائر أشواطا تحسب لها في مجال مكافحة الجريمة والمخاطر الأمنية.