يرى الخبير الاقتصادي البروفيسور نورالدين جوادي، أنّ قرار رفع التجميد عن المشاريع الكبرى وما يتعلق بالبنية التحتية والأداء اللوجستي للاقتصاد الوطني، يُترجم بقوة الاحترافية التي أضحت تكتسي أداء الحكومة ومؤسساتها، منذ تولى الرئيس تبون قيادة البلاد، في نقلة عملية غابت لسنوات وكلّفت الدولة والمواطنين الكثير. قال البروفيسور نورالدين جوادي، في تحليل خصّ به "الشعب"، إن حجم المشاريع والقطاعات التي تنتمي إليها وتوقيت الإفراج عنها، يُشير إلى انتهاج الحكومة لإستراتيجية جديدة، وتعمل جاهدةً على تجسيدها عبر مراحل مدروسة بعيداً عن القرارات العشوائية. وكشف جوادي، بأن تحليل السياسة العامة للدولة في إطار تنفيذ مشروعها الخماسي للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي 2020/ 2024، والنظر في المكتسبات التنموية الضخمة التي تحققت، يُمكن من خلاله ملاحظة أن الإجراءات جاءت في وقتها بعد أكثر من ثلاث سنوات متزامنةً مع الانتعاش الصناعي والفلاحي المسجّليْن، المتبوع بتطور مجال المؤسسات الناشئة والمتوسطة والصغيرة، وتحقق رهان 7 ملايير دولار كصادرات خارج المحروقات سنة 2022، وكذلك توسّع اتجاهات التجارة الخارجية وتنوّع سلتها. وتابع بالقول: "تلك الإنجازات حتّمت على الحكومة تعزيزها بمشاريع ضخمة وبنية تحتية وأداء لوجستي يتناسب ومتطلبات المرحلة القادمة وأهدافها المسطرة على غرار تحسين مناخ الاستثمار، جذب الشركات العالمية، الطّموح لبلوغ صادرات 13 مليار دولار خارج المحروقات، تجسيد استراتيجية الانتشار الواسع والعميق في الأسواق الأفريقية، السّعي إلى الدخول بقوة في التحالفات والمنظمات الاقتصادية الدولية، مثل مجموعة "بريكس" ومنظمة التجارة العالمية، مع الاهتمام بمراجعة عقود الشراكة، خاصة منها العقد الأورو متوسطي". إلى ذلك، توقع البروفيسور نورالدين جوادي، أنْ يُحسِّن قرار رفع التجميد عن المشاريع تموضع الجزائر على المدى القريب في مؤشر الأداء اللوجستي للبنك الدولي بحوالي 0,4 نقطة بمؤشره الفرعي المتعلق بالبنية التحتية الذي يصدر كل عامين، بالصعود من 2,1 نقطة كنتيجة للسنة الحالية إلى أكثر من 2,5 نقطة كنتيجة مع نهاية العام 2024، وهو ما سوف يمنح الاقتصاد الوطني نقاط قوة وفرصا هائلة لتعزيز الطمُوحات المُبرمجة. ووفقاً له، يُعتبر هذا المؤشر اليوم من بين أهم المحددات التي تعتمدها الدول الكبرى والشركات العالمية في تقييم أداء الحكومات، باعتباره يقيس جودة البنية التحتية المساندة للأنشطة الاقتصادية، من خلال تبيان كفاءة التخليص الجمركي وما تعلق به من إجراءات وإمكانات مسخرة، مدى جاهزية المطارات والموانئ وشبكات السكك الحديدية والطرق ومنشآت التخزين والحفظ المواكبة لحركية التجارة الخارجية، نوعية الخدمات التي تتوافر عليها مختلف المرافق، بالإضافة إلى طبيعة التخليص ومدّته والوقت اللازم لإجراءاته وتدابيره. كما تعتبر العوامل ذاتها - مثلما أضاف - متطلبات رئيسية في سياسات الدول الصناعية الكبرى والشركات العالمية للتوجه نحو الأسواق الخارجية، وبمثابة مُتغيّرات جد مؤثرة بالنسبة للجزائر في مفاوضات التعاقد والحصول على امتيازات اقتصادية ضمن قاعدة رابح/رابح. علاوة على ما سبق ذكره، أشار جوادي، إلى أن صون وتطوير الإنجازات التنموية المتحققة، يبقى مرهونا بمستوى جودة خدمات البنية التحتية التي تسعى الحكومة إلى تجسيدها من خلال رفع التجميد عن المشاريع الكبرى. واستطرد المتحدث قائلاً: "هذا الرهان بحاجة عاجلة لمعالجة ملفين رئيسيين، قطعت الدولة فيهما أشواطا لا بأس بها، لكن لا يزالان أقل من المستوى المطلوب، أولهما التحول الرقمي وتعجيل وتيرة تعميقه في جسد الاقتصاد الوطني، باعتباره الضامن الوحيد لرفع أداء السياسة العامة للدولة وأجهزتها. أما ثانياً، فالإسراع في استكمال بناء المنظومة الإحصائية الوطنية وتوفير أرقام شاملة ودقيقة وآنية تكون متاحة بشكل واسع؛ ذلك أنها المادة الأولية والأساسية لصناعة القرار التنموي الاستراتيجي وتقويمه وتقييمه، وتُمثل العمود الفقري لمراكز البحث والتطوير لإنتاج علمي رصين يُرافق القرارات التنموية ويُطورها على أرض الواقع". وختم الخبير الاقتصادي نورالدين جوادي بأنه يستحيل الحديث عن مشروع للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي في ظل وجود تخلف رقمي وهشاشة في الإحصائيات.