تعمل الحكومة على إنعاش الفلاحة في الجزائر لتأمين تحقيق الأمن الغذائي للبلاد من خلال توفير وترقية الإنتاج الوطني للبذور. يرى مختصون في الاقتصاد أن تدشين البنك الوطني للبذور ووقف استيراد بذور الخضر، ابتداء من السنة المقبلة، سيعودان بالفائدة على الجزائر في السنوات المقبلة، خاصة أن الفلاحة حجر أساس تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز السيادة الوطنية. في قراءة اقتصادية لهذا القرار، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الوادي، الدكتور نورالدين جوادي، في تصريح ل «الشعب أونلاين»، إن «الفلاحة تأتي في مقدمة القطاعات خارج المحروقات التي تراهن عليه الحكومة اليوم، عليه لتجسيد برنامجها للإنعاش الاقتصادي 2020 /2024 وفك الارتباط مع البترول، وبلوغ 7 مليار دولار صادرات غير نفطية نهاية هذا العام، هو قطاع حجر الأساس في إستراتيجيتها لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز سيادتها الوطنية». وأشار المتحدث إلى أن بلوغ كل ذلك هو «عملية بعيدة الأمد تحتاج تخطيطا استراتيجيا وإصلاحات هيكلية للقطاع الفلاحي، وكل القطاعات ذات الصلة، خاصة قطاع التجارة الخارجية وبالضبط استيراد مدخلات الفلاحة، مثل البذور والأدوية». وأوضح المتحدث أن الأمن الغذائي «بحاجة ماسة لإشراك عام وعميق لكل الفاعلين في المجال الفلاحي، لاسيما المستثمرين والمختصّين في البحث والإرشاد العلمي الفلاحي والمجالات ذات الصلة، ويشكل «بنك البذور» وما يحتويه من بذور، تجهيزات مخبرية، كوادر بشرية.. إلخ مصدراً مهما لمدخلاتهم الإنتاجية والبحثية؛ وهو ما أدركته الحكومة اليوم بتأسيس «البنك الوطني للبذور» وتنظيم استيرادها بداية من العام المقبل». أكد المتحدث أن امتلاك بنك وطني للبذور وتنظيم استيراد البذور، ليس بدعة جزائرية، فغالبية دول العالم المتقدمة والنامية تمتلك بنوكا للبذور، فيها قوانين صارمة لاستيراد البذور والفسائل النباتية، وخاصة النباتات التي تتميز بها عن غيرها من الدول، و/أو التي تغذي الزراعات الاستراتيجية فيها». ويرى الدكتور أن «هذه الخطوة وبالرغم من أنها متأخرة بالنسبة للجزائر، لكنها جاءت في وقتها نظرا للأهمية الإستراتيجية للقطاع، وفي ظل التطور الهائل الذي يعيشه قطاع الفلاحة في السنوات القليلة الماضية من ناحية ثانية، فهو القطاع الوحيد الذي شهد نموا خلال فترة جائحة كوفيد 19، بالرغم من تراجع أداء الاقتصاد بأكثر من 9 مليار دولار أمريكي العام 2020 مقارنة بالعام 2019». وإضافة إلى «تراجع أداء قطاعي الخدمات والصناعة بأكثر من 3.4 مليار، فإن القيمة المضافة للقطاع الزراعي في الجزائر شهدت نموا بقرابة 280 مليون دولار العام 2020 و2.15 مليار العام 2021 مقارنة بالعام 2019؛ كما أنه ولأول مرة ساهمت الفلاحة بقرابة 25 مليار دولار في الاقتصاد الوطني، وفي حدود 73% من الاحتياجات الوطنية، ووضع الجزائر وفق تقرير منظمة الغذاء العالمية في المرتبة الأولى عربيا وإفريقيا من حيث الأمن الغذائي». بحسب الأستاذ جوادي، فإن إنشاء «البنك الوطني للبذور» وتنظيم استيرادها، بداية من العام القادم يدخل ضمن رؤية «اعتماد التصور العملياتي المبني على خصوصيات الواقع الفلاحي بدل النظريات الأكاديمية»، الذي تنتهجه الحكومة، منذ نهاية العام الماضي، في رسم سياسات الإصلاح لقطاعات الاقتصاد الوطني، والذي دعت إليها الدولة في اجتماع مجلس الوزراء ليوم 19 ديسمبر 2021، خاصة فيما تعلق بالقطاع الفلاحي. ويضيف المختص في الاقتصاد: «سيكون للقرارين أثر جد إيجابي على القطاع الفلاحي في السنوات القليلة القادمة، وهو ما سينعكس مباشرة على معدل الأمن الغذائي وحجم الصادرات الفلاحية ومن ثم على الاقتصاد الوطني ككل». وختم جوادي بالقول: «أعتقد أن استدامة ذلك الأثر الإيجابي مرهون بتعميم الفكر المقاولاتي الفلاحي على حساب الفلاحة التقليدية، واحتواء الحجم الضخم للناشطين فيه خارج الأطر الرسمية، وتعزيز المنظومة الإحصائية الخاصة بالقطاع باعتبارها البنية التحتية لصناعة القرار الاقتصادي والتخطيط التنموي، ولأنها المادة الأولية للبحث العلمي الرصين الذي يشكل المدخل الرئيسي لتطوير الفلاحة وتحسين نوعية مخرجاتها بما يخدم التنمية المستدامة للبلاد». ودشن الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، الخميس، البنك الوطني للبذور، بالمركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها، بالجزائر العاصمة. وأكد بن عبد الرحمان، في مراسم التدشين، التي حضرها أعضاء من الحكومة والأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، على أهمية هذا الهيكل في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد من خلال ترقية الانتاج الوطني للبذور. وأعلن الوزير الأول بالمناسبة وقف استيراد بذور الخضر، ابتداء من السنة المقبلة.