إرادة سياسية صارمة للقضاء على الظاهرة وتجفيف منابعها على دول التوطين مساعدة الجزائر في استرجاع الأموال المهربة أكد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، خلال إشرافه على الإطلاق الرسمي للاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، أن رئيس الجمهورية، منذ انتخابه، أولى عناية كبيرة لأخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد بشتى أشكاله، حيث تم لهذا الغرض، تفعيل العديد من التعهدات، لاسيما تلك المتعلقة بتعزيز الحكم الراشد، وإصلاح شامل للعدالة لضمان استقلاليتها وتحديثها وتدعيم الديمقراطية التشاركية وبناء مجتمع مدني حر، نزيه ونشيط، بُغية بناء جزائر جديدة قوامها الحق والقانون، وركائزها العدالة الاجتماعية والمساواة في كنف الديمقراطية التشاركية تحقيقا لرفاهية المواطن ورخائه. نظمت السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، أمس، بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال، ملتقى للإعلان الرسمي عن إطلاق الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته بمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لليوم الإفريقي لمكافحة الفساد المصادف للحادي عشر من شهر جويلية من كل سنة، تزامنا مع مرور سنة على تأسيس السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وذلك يوم 15 جويلية 2023. ذكّر الوزير الأول في كلمة بالمناسبة، بأن دستور 2020 أسس للعديد من الإجراءات والتدابير المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته، لاسيما من خلال ديباجته التي هي جزء لا يتجزأ منه، تنص على ما يلي: «تعبر الجزائر عن تمسكها بالعمل بالوقاية من الفساد ومكافحته وفقا للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها»، وكذلك مختلف المواد التي تناولت مواضيع ذات الصلة، منها ما تعلق بحماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب، وتفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية، وواجب التصريح بالممتلكات وتفادي وضعيات تعارض المصالح، وأن لا تكون الوظائف والعهدات في مؤسسات الدولة مصدرا للثراء ولا وسيلة لخدمة المصالح الخاصة. كما أضاف الوزير الأول، خلال كلمته، بأن الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته التي كانت محل استشارات وطنية ودولية واسعة، تعدّ أحد الخطوط التوجيهية التي سيتم اعتمادها على مستوى المؤسسات العمومية والقطاع الاقتصادي العام والخاص، والمجتمع المدني بمختلف أطيافه، وفق الآليات التي تضعها هذه الاستراتيجية، والمستمدة من القوانين المعمول بها، لاسيما دستور 2020، واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، والقانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، والقانون 22-08 الذي يحدد تنظيم السلطة العليا، وتشكيلتها وصلاحياتها ومهامها، وبالتالي، فإن هذه الاستراتيجية الوطنية – يتابع بن عبد الرحمن- ستصبح من الآن فصاعدا، وثيقة مُلزمة لجميع الأطراف، بحيث ينبغي العمل بها والسهر على متابعة تنفيذها وفقا للمؤشرات القابلة للقياس الموضوعة بموجب أنظمة المتابعة والتقييم المرفقة بهذه الإستراتيجية، خلال الفترة الخماسية 2023-2027 التي ستُشرف عليها هيئة وطنية تتشكل من مختلف الفاعلين الرسميين والشركاء الاجتماعيين، برئاسة رئيسة السلطة العليا. هذا ودعا الوزير الأول، في الختام، البلدان والشركاء الأجانب إلى مساعدة الجزائر والدول النامية في مساعيها لاسترجاع الأموال المهربة إلى الخارج، بالقول إنه لا يستقيم أن تطلب منا الدول والهيئات مكافحة الفساد والرشوة من دون أن تمد لنا يد المساعدة من أجل استرجاع الأموال المهربة، بل هي توفر أحيانا ملاذا آمنا لها. وعليه، نطلب من كل الهيئات الدولية والدول التي استفادت من توطين الأموال المهربة، مساعدتنا على استرجاعها بالآلية التي تسمح للشعوب بالاستفادة من هذه المقومات التي في الحقيقة هي نتاج فساد وممارسات غير مشروعة. مسراتي: تعزيز الشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته من جهتها، أفادت رئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، سليمة مسراتي في كلمتها، بأن إطلاق الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته 2023-2027، تهدف إلى وضع مجموعة من التدابير والخطط الإستراتيجية القطاعية التي تتولى بصفة أساسية معالجة إشكالية تغيير سلوك الأفراد والجماعات، بغية تعزيز الشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته على مستوى القطاعين العام والاقتصادي والمجتمع المدني، باعتبارهم فاعلين معنيين بتنفيذ ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، كما تعتبر قيمة مُنشأة، تم التفاوض بشأنها مع مختلف الفاعلين طيلة ثلاث سنوات من خلال ثلاث مراحل أساسية وهي مرحلة البلورة والإعداد خلال سنة 2020 ومرحلة التحديث والتحيين خلال سنة 2022 بالمطابقة مع أهم ما ورد بالنصوص القانونية الجديدة، والمعدلة، والمرحلة الأخيرة خلال سنة 2023 المتعلقة بإعداد أنظمة المتابعة والتقييم المرفقة بالاستراتيجية الوطنية، المدعومة بمؤشرات قابلة للقياس. وأضافت الدكتورة مسراتي، أن الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، جاءت استجابة لمحددين أساسين متكاملين؛ يتعلق الأول بتكريس المعايير الدولية والوطنية المتصلة بالوقاية من الفساد ومكافحته، ويتعلق الثاني باعتماد نهج تشاركي وشامل لإعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية التي نتج عنها وضع مجموعة من التدابير الواجب اعتمادها لتفعيل وتعزيز دور الوقاية والمكافحة في آنٍ واحد. وتوضح رئيسة السلطة بأن الإستراتيجية الوطنية عبارة عن نظام مترابط، تتشابك فيه مجموعة من الغايات والأهداف فيما بينها، ترتكز على نظرية التغيير في صياغة العلاقات السببية المطروحة، مدعومة بتدابير تفترض حلولا مؤقتة من خلال منطوقات متماسكة قابلة للتحقق، من بينها الارتقاء بمستوى أداء الموظف العمومي، ومكافحة الإثراء غير المشروع، وتكريس الشفافية في تسيير الشأن العام وتعزيز المساءلة كنهج تعتمده الإدارة العمومية لإطلاع الجمهور وعامة الناس بالمعطيات والمعلومات في ظل تكريس مبدإ الحق للوصول إلى المعلومات. أليكو: خطوة مشرفة وإضافة لجهود الجزائر في مكافحة هذه الآفة من جهتها، اعتبرت الممثلة المقيمة الدائمة لمكتب الأممالمتحدة الإنمائي بالجزائر، بليرتا أليكو، إطلاق هذه الاستراتيجية خطوة مشرفة وإضافة لجهود الجزائر في مكافحة هذه الآفة. عميدة السلك الدبلوماسي الإفريقي بالجزائر، باندولونت كاينو، نوهت بذات الاستراتيجية التي من شأنها تعزيز جهود القارة في محاربة الفساد. وثيقة توافقية للإرادة المشتركة يذكر، أن الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، هي وثيقة توافقية للإرادة المشتركة لجميع الجهات الفاعلة الوطنية التي تم التشاور معها خلال مرحلة الإعداد، والتي ساهمت في اعتماد ووضع التدابير بالاستراتيجية بصفة تشاركية، على غرار المؤسسات العمومية والهيئات والمؤسسات الدستورية، القطاع الاقتصادي بشقيه العام والخاص وفعاليات المجتمع المدني من جمعيات وطنية ومحلية وباحثين جامعيين ومهنيي الصحافة والإعلام. كما تعتبر هذه الوثيقة نتاج شراكة وثيقة بين السلطة العليا وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي بالجزائر، الذي كان له دور فعال في تنظيم مختلف الجلسات واللقاءات الرامية إلى تقديم الدعم التقني ورفع القدرات وتقديم الممارسات الفضلى والتجارب الأخرى التي سمحت للسلطة العليا، بالتنسيق مع مختلف الفاعلين بوضع الإستراتيجية في صيغتها النهائية لخمس سنوات الممتدة ما بين 2023-2027. وتكمن الغاية الأساسية من تنظيم هذا الملتقى، في مشاركة السلطات العليا للبلاد لتوجيه رسالة إلى الرأي العام الوطني والدولي من خلال الإعلان الرسمي عن إطلاق الاستراتيجية، كونها وثيقة سياسية بامتياز، والأولى من نوعها، والتي تعبر عن الإرادة السياسية للسلطات العمومية للقضاء على الفساد واجتثاث منابعه، وهي فرصة أيضا لدعم الوثيقة، باعتبارها مرجعا يلزم كل الأطراف المتدخلة وأصحاب المصلحة لتنفيذها ومتابعة تنفيذها خلال الفترة الخماسية 2023-2027. ويرتكز الإطار المرجعي في وضع سياسات لمكافحة الفساد على العديد من المعايير المكرسة قانونا، النابعة من التزامات الجزائر الدولية وكذلك تلك المعايير الوطنية المكرسة بالدستور والقوانين السارية، من بينها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد المصدق عليها بالمرسوم الرئاسي رقم 04-128 المؤرخ في 19 أفريل 2004، لاسيما المادة 05 منها، وكذا اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد. من جهة أخرى، يستند الإعداد للاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته لمضمون المادة 205 دستور 2020 التي تنص على أن «السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته تتولى وضع استراتيجية وطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والسهر على تنفيذها ومتابعتها». وشارك في هذا الملتقى نحو 350 مشاركا يمثلون مختلف المؤسسات العمومية والقطاع الخاص وقطاع المجتمع المدني، مع تسجيل دعوة وفود أجنبية من دول صديقة وممثلي الهيئات الدولية والإقليمية، على غرار رئيس المجلس الاستشاري للاتحاد الإفريقي حول مكافحة الفساد، ووفد عن هيئة الرقابة الإدارية لجمهورية مصر العربية، ووفد عن هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية الذين يشاركون في هذا الملتقى الوطني بمناسبة إبرام مذكرة التفاهم بالجزائر بين الهيئتين، علاوة على ممثل عن الديوان المركزي لمكافحة الإثراء غير المشروع بجمهورية مالي، ورئيس المشروع الإقليمي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في البلدان العربية لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي. ويعد الملتقى الوطني للإعلان الرسمي عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، محطة تاريخية كونه يدخل في سياق المجهودات المبذولة من طرف السلطات العليا وتتويجا للعديد من التدابير والإجراءات التي اتخذتها في استحداث منظومة شاملة ومتكاملة لمحاربة الفساد، حيث استحدث دستور 2020 السلطة العليا وترقيتها إلى مصاف المؤسسات الرقابية من خلال منحها صلاحيات أوسع، نابعة أساساً من التزامات الجزائر الدولية التي صادقت عليها، لاسيما اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، وعليه فإن صلاحية وضع استراتيجية وطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والسهر على تنفيذها ومتابعتها هو اختصاص أصيل للسلطة العليا المنصوص عليه في النقطة الأولى من المادة 205 من دستور 2020.