تأكيد على رفع حجم الاستثمارات التركية بالجزائر إلى أكثر من 10 ملايير دولار بعد زيارة الدولة التي أداها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى كل من دولة قطر وجمهورية الصين الشعبية، حطت طائرة الرئيس في تركيا وذلك في إطار زيارة عمل أجراها إلى هذا البلد دامت يومين، وهي الزيارة الثانية التي يؤديها الرئيس تبون إلى تركيا بعد الزيارة الأولى التي كللت بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم الهامة في عديد القطاعات، وتأكيد قائدي البلدين على رفع حجم الاستثمارات التركية بالجزائر إلى أكثر من 10 ملايير دولار. وتتميز العلاقات الجزائرية التركية الضاربة في عمق التاريخ، بالمتانة والانسجام والتوافق في كثير من الرؤى السياسية الإقليمية والدولية، وقد برزت معالم الصداقة والتعاون الصادق بين البلدين خلال الزلزال الذي ضرب تركياوسوريا مطلع شهر فيفري الماضي، حيث هبت الجزائر منذ الساعات الأولى التي تلت وقوع الزلزال المدمر، إلى إرسال فرق إغاثة ومساندة إلى الدولتين، مصحوبة بأطنان من المساعدات الإنسانية، لتليها فيما بعد مساعدات مالية، أعلن عنها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بهدف التخفيف من وطأة الكارثة التي ألمت بآلاف من الأشخاص في سورياوتركيا. هذه العلاقة بين الدولتين الصديقتين والشقيقتين الجزائرية والتركية، وهي نتاج ما يربطهما من علاقات تاريخية وأخوية وثقافية ودبلوماسية واقتصادية عميقة، عرفت تطورا ملفتا في السنوات الأخيرة على مختلف الأصعدة، وأسهم في ذلك اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006، كما اكتسبت العلاقات زخما متصاعدا منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر نهاية 2019. وسبق لسفيرة تركيا السابقة لدى الجزائر، ماهينور أوزدمير غوكتاش، (وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية حاليا) أن صرحت في هذا الصدد أن "العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين تعززت بشكل ممتاز، لاسيما بعد الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون إلى تركيا"، مشيرة إلى أنّ التبادلات التجارية ارتفعت بنسبة 30 بالمئة في ظرف سنة حيث بلغت 5.3 ملايير دولار رغم فترة ركود التجارة العالمية. إستراتيجية جديدة للترويج بالإمكانات والموارد وفي هذا الصدد، يقول الكاتب الصحفي المختص في الشؤون الاقتصادية صابر عيواز، إن زيارة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون لتركيا تعكس مدى اهتمام البلدين بتطوير وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي، فمن جهة، تسعى تركيا إلى تعزيز اهتمامها بالقارة الإفريقية عموما، والشمال خصوصا، بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى، تسعى الجزائر لتنويع شراكاتها الاقتصادية مع دول صاعدة مهتمة بالاستثمار الخارجي ومنافسة الاقتصادات الإمبريالية المستحوذة على الأسواق العالمية، ومناطق والتبادلات التجارية في مختلف الأقاليم، وفي إفريقيا على وجه الخصوص. ويضيف صابر عيواز أن الجزائر تبنت إستراتيجية جديدة تهدف للترويج والتعريف بالإمكانات والموارد التي تحوز عليها، والتي تمنحها الأفضلية كبلد مستقطب للاستثمار الأجنبي، وتطمح من خلال ذلك لأن تكون دولة رائدة في هذا المجال، وهو ما تعمل عليه عن طريق النشاط الدبلوماسي وإرساء قاعدة تشريعية وقانونية صلبة تفسح المجال واسعا وتقدم تسهيلات وضمانات كافية للمستثمرين الأجانب، وتحفّزهم لدخول السوق الجزائرية وإقامة مشاريع تعود بالفائدة على الطرفين. أما بالنسبة للدولة التركية - يوضّح المتحدّث ذاته - فإن اهتمامها بالشراكة مع الجزائر يدخل ضمن تبينها لإستراتيجية وسياسة الانفتاح على قارة إفريقيا، الذي بدأ منذ مطلع الألفية الماضية حيث ترجمها احتضانها لعدة قمم تخص التعاون التركي-الإفريقي، ثم رافقتها جولات عديدة للرئيس أردوغان لدول القارة، توّجت بإبرام معاهدات واتفاقيات أمنية واقتصادية ضخمة في قطاعات حيوية كالزراعة والطاقة ومشاريع المقاولات وتشييد البنى التحتية لتلك الدول، لتدخل تركيا بذلك عهدا جديدا يؤسس للشراكة والتواجد في العمق الإفريقي، مزاحمة وبشكل مباشر القوى الغربية التي سيطرت كليا على المشهد الاقتصادي واستغلت على نحو مباشر جل الفرص المتاحة في إفريقيا على مدى عقود طويلة. وفي ذات السياق، يردف صابر عيواز تعقيبا على زيارة الرئيس تبون لدولة تركيا للمرة الثانية، وقبلها زيارة الرئيس التركي أردوغان للجزائر مع بداية سنة 2020، أن الطرفين يستغلان عمق العلاقات التاريخية بين البلدين التي تمتد منذ خمسة قرون، من أجل تعزيز العلاقات بينهما، اقتصاديا ودبلوماسيا وأمنيا واستراتيجيا، في إطار مصالح مشتركة ومتوازنة، فالجزائر تنظر إلى تركيا كنموذج ناجع في مجال التنمية والتحول الاقتصادي والسياسي والأمني، وتحاول نقل التجارب والخبرات وتعزيز التعاون والشراكات خاصة في القطاعات الحيوية كالتصنيع واستغلال المواد الأولية، بينما في الجهة الأخرى، تنظر تركيا إلى الجزائر كدولة فاعلة ومفتاح للتوغل في العمق الإفريقي بحكم موقعها الجغرافي، ومكانتها التاريخية والجيو-سياسية، وهذا ما يعكسه الاهتمام المتزايد بين البلدين في تطوير وتقوية العلاقات ورفع حجم المبادلات التجارية، ورسم سياسات وإبرام معاهدات تؤسس لمستقبل واعد من الشراكة بين البلدين. ويختم الصحفي المختص في الشؤون الاقتصادية حديثه لجريدة "الشعب"، أن الجزائر اعتمدت على الشراكة غير التقليدية كبديل وخيار استراتيجي، تحت لواء ومبدإ المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة، وتعمل على إحراز التقدم في هذا المسعى وتعميقه على المستوى الدولي، مستغلة إمكاناتها ومقوماتها التي تمكّنها من تحقيق التنمية الاقتصادية، لتكون تركياوالصين وروسيا وإيطاليا في طليعة الدول التي عقدت معها الجزائر اتفاقات الشراكة، في مختلف المجالات والقطاعات، لدفع عجلة التنمية والارتقاء بالاقتصاد الوطني. التأسيس لعهد اقتصادي جديد من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي فيصل بوعروة، أن توجهات الجزائر مؤخرا لاسيما بعد القمة العربية، مهمة جدا، ومن شأنها التأسيس لعهد اقتصادي جديد في البلاد، فعلى غرار تعزيز العلاقات الثنائية التي تجمع الجزائر بمختلف دول العالم، تركز السياسة الجزائرية على توطيد ومد خطوط تعاون وشراكة جديدة مع دول صديقة، وهو ما ينطبق على العلاقات الجزائرية التركية كعينة ناجحة ومتنامية منذ عقود، خاصة العقدين الأخيرين. وتأتي زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى تركيا لترسخ وتجسد على أرض الواقع مشروع الجزائر الجديدة، باستقطاب رؤوس أموال واستثمارات أجنبية، وبلغة الأرقام، فإن المبادلات الاقتصادية بين الجزائروتركيا مهمة جدا، حيث تفوق الاستثمارات التركية في الجزائر 5 ملايير دولار، في حين يسعى الطرفان إلى مضاعفتها لتصل إلى حدود 10 ملايير دولار، لتشمل الاستثمار في مجالات الحديد والصلب والبترول الخام والغاز، وتوريد الغاز المميع على غرار مجالات إستراتيجية أخرى، وهذا رقم كبير جدا يفتح آفاق واسعة أمام سوق الشغل بالجزائر، على غرار التوجه نحو التصدير من بوابة إفريقيا كميزة تنافسية تحظى بها الجزائر. ويضيف ذات المتحدث أنه بالنسبة للمبادلات التجارية، فإن تركيا تستورد من الجزائر ما قيمته 2.5 مليار دولار من مختلف السلع والمواد، لا سيما الحديد والصلب والمواد الكيماوية، في حين تصدر للجزائر سلعا ومنتجات بقيمة 1.7 مليار دولار، وهذا حسب إحصائيات 2021، كل هذه الأرقام تعبر على أن العلاقات بين البلدين هي علاقات إستراتيجية، وتتجسد كذلك من خلال الرؤية الموحدة في حل القضايا الدولية العالقة من القضية الفلسطينية وللأزمة في ليبيا. ثم إن هذا التقارب بات يتعدى المجال الاقتصادي إلى مجالات القضاء، والسياسة والثقافة والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، والتطوير التكنولوجي، والرقميات، ومجال الدفاع والتعاون العسكري، وبالتالي، فإن مواصلة المجهود المبذول على الصعيد الدولي بنفس الوتيرة مهم جدا، وذلك من أجل جني ثمار هذه التوجهات في أقرب الآجال.