في ظرف وجيز حسمت القوات الفرنسية والجيش المالي المرحلة الأولى من الحرب على الجماعات الإرهابية، وتمكنت من طردها خارج المحافظات الرئيسية في الشمال، ليبدأ التفكير في الفترة القادمة وكيفية إعادة اللحمة بين أطياف الشعب الواحد عن طريق الحوار والمصالحة. بداية انتشار جيش مالي والطلائع الأولى للقوات الإفريقية في المدن، لا يعني النصر، وهي حقيقة تعيها فرنسا جيدا، لأنها خبرت هذا النوع من الحروب في أفغانستان، واعترف الرئيس فرنسوا هولاند أمام القوات الفرنسية في تمبكتو، أن المهمة لازالت طويلة رغم أنهم وجهوا ضربات قاسية للجماعات الإرهابية، وحتى الولاياتالمتحدة التي التزمت بدعمها لباريس في هذه الحرب لوجيستكيا واستخباراتيا، قالت إن الفرنسيين أمام مهمة شاقةّ، وهي تعي من تجربتها الطويلة في محاربة الجماعات الإرهابية وأساليبها القتالية وحتى التقارير الأولى عن “الحرب بدون الصور" كما تسمى، لم تنقل ما يتعلق بعدد القتلى وحجم الخسائر في صفوف المجموعات الإرهابية، لأنها قامت بإخلاء مواقعها مجبرة أمام القصف الجوي الفرنسي على ذلك. وتطرح تساؤلات كثيرة هذه الأيام عن وجهة هؤلاء الإرهابيين، رغم أن المصادر المحلية تؤكد لجوءهم إلى مغارات وكهوف جبال كيدال الواقعة في أقصى الشمال الشرقي، أين تنفذ الطائرات الحربية الفرنسية غارات مكثفة، دمرت عدة منشآت ومراكز تدريب للجماعات الإرهابية التي توقف ضجيجها بعد كل ذلك التهديد والوعيد قبل بدء العمليات العسكرية. فرار المجموعات الإرهابية السريع من المدن، في ظرف 20 يوما، فُهم على أنه انسحاب تكتيكي، حاولت من خلاله تجنب خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وتذهب تحاليل الخبراء إلى الاعتقاد أن هذه الجماعات قد تلجأ إلى طريقتها المعتادة، متمثلة في أسلوب الكمائن والخطف والتفجيرات الانتحارية، لأن هدفها ليس الانتصار على الجيوش الجرارة، بل تسعى لزرع الرعب وضرب الأمن والاستقرار، لكن المؤكد أن الأمور ضاقت عليها ولم يعد لديها ما يرقى إلى المفاجأة، فليس بإمكانها التحرك بحرية، لأنها تحت المراقبة الدائمة لطائرات الاستطلاع الأمريكية وأي تحرك مكشوف يجعلها فريسة سهلة لمقاتلات الميراج الفرنسية وحتى التنقل ليلا أصبح محسوبا، لأن سيارات الدفع الرباعي التي تستعملها تحتاج إلى البنزين الذي سيكون من الصعب عليها الحصول عليه بعد غلق البلدان المجاورة حدودها وإعلانها مناطق عسكرية. إن التحدي الأكبر لمالي، يتمثل في المصالحة الشاملة بين جميع أطياف المجتمع وفتح حوار مع الأطراف التي تنبذ العنف والتطرف ومكافحة كل أشكال الصراعات العرقية العقائدية، لأن ذلك من شأنه أن يدخل البلد في دائرة عنف أكثر خطرا يصعب معها تحديد هوية الظالم والمعتدى، وأعمال التخريب والتصفية التي سجلت في مدينة تمبكتو، بعد وصول القوات الفرنسية والجيش المالي، تعد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وتتطلب تحركا فوريا من المجتمع الدولي لوضع حد لها.