خضوع سوق الصرف للقانون.. حماية للعملة الوطنية ثمّن الملاحظون والمهتمون بالشأن النقدي والمالي، مصادقة البنك المركزي على النص التنظيمي المتعلق باعتماد وإنشاء مكاتب صرف، مما سيسمح بصرف العملات وفق أطر قانونية، بعد تبني السلطات العمومية لنهج الإصلاحات الذي باشرت به في قطاعات حساسة، لم يستثن منها القطاع المالي والمصرفي، حيث جاء القانون النقدي والمصرفي الجديد 23-09، بجملة من الإصلاحات ستجسدها النصوص التطبيقية المرافقة لذات القانون، لتكون البداية بإنشاء مكاتب صرف لتنظيم حركة العملة الصعبة، خاصة بعد ارتفاع أسعارها بالسوق الموازية. أوضح الخبير المالي الدكتور محمد بوخاري، في تصريح ل«الشعب"، أن المجلس النقدي والمصرفي كسلطة نقدية تابعة للبنك المركزي، في إطار صلاحياته التي تكفلها المادة 64 من القانون رقم 23-09، المتضمن القانون النقدي والمصرفي وتحديد شروط اعتماد مكاتب الصرف، قام في إطار دورته العادية الأخيرة باعتماد مشروع للنظام المتعلق بشروط الترخيص بإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف، مؤكدا على أن المقاربة المنتهجة من طرف البنك المركزي من خلال هذه الخطوة التنظيمية الجريئة ستكون تدريجية. ويتوقع الخبير المالي أن البداية ستكون بتهيئة الأرضية وتحضير شروط ملائمة تشجع على الاستثمار في فتح مكاتب الصرف على المستوى الوطني، من أجل تكوين شبكة واسعة من هذه المكاتب. كما أشار بيان البنك المركزي صراحة - بحسب المتحدث - إلى أحد هذه الشروط، المتمثلة في منح مكاتب الصرف التي سيتم استحداثها، القدرة على القيام بالعمليات المتعلقة بمنحة الصرف لصالح المواطنين المقيمين، فيما يخص الرحلات السياحية أو المهنية إلى الخارج، وكذا نفقات الدراسة والتربص، في ظروف تجارية رسمية ومسجلة، خاصة وأنها تندرج ضمن أهم نشاط بالاستراتيجية الاقتصادية للبلاد، وهو النشاط المالي، وتداول الأموال بما فيها العملة الصعبة وضبط الأرقام المتعلقة بها. وفي هذا الصدد، كان البنك الدولي قد حدد ما قيمته (2) ملياري دولار من العملة الصعبة التي يتم تحصيلها من الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج. نقاط قوة لصالح مكاتب الصرف أما بخصوص البيئة المالية التي سترافق نشاط مكاتب الصرف، قال بوخاري إنه من البديهي أن تكون هناك إجراءات ومبادرات تحفيزية تمنحها السلطة المالية والنقدية، ممثلة في البنك المركزي، كمنح حصرية ممارسة هذا النشاط إلى مكاتب الصرف التي سيتم إنشاؤها، أو إعفاؤها من الرسوم الضريبية، أو تحديد هامش ربح مرتفع. كما شدد على ضرورة ربطها بقاعدة بيانات مرتبطة مباشرة بالبنك المركزي، لتقييم قيمة الصرف بصفة آنية. بالمقابل، حلل الخبير المالي عبارة "تيسير عمليات الصرف على الجمهور"، التي وردت في بيان البنك المركزي، إثر صدور النص التنظيمي المتعلق بمكاتب الصرف، بقوله إن عمليات الصرف التي كانت تقوم بها البنوك، لم تكن قادرة كخدمة مالية، على الاستجابة للطلب الكبير على صرف العملة الصعبة من حيث القيمة المالية المطلوبة أو من حيث سعر الصرف، مما يدفع بالمواطن إلى البحث عن حاجته في السوق الموازية، وهو ما يؤدي إلى توسع انتشار هذه الأخيرة، وهيمنتها على سوق العملة الصعبة، وجعل امتصاص الأموال المتداولة بها يزداد تعقيدا. وبالتالي - يواصل بوخاري - فإن هذه النقائص المسجلة على مستوى المنظومة المالية، سابقا، تشكل نقاط قوة وفرص انتعاش ستستفيد منها مكاتب الصرف التي ستجد أمامها سوقا خصبة، تمكنها من تحقيق أرباح معتبرة فور مباشرة نشاطها، وستدعم انتشارها عبر مساحات أوسع من الترب الوطني، كما أنها ستوفر خدمة مالية يتوق إليها المواطن. وعلى ذكر مدى الفائدة التي سيدرها القرار التاريخي بإنشاء واعتماد مكاتب الصرف على المواطن، أشار المتحدث إلى جملة العمليات التي ستتم لصالح المواطنين المقيمين، على غرار منحة الصرف المتعلقة بالرحلات السياحية أو المهنية إلى الخارج، إلى جانب خدمة أخرى متمثلة في نفقات الدراسة والتربص، إضافة إلى فتح المجال أمام خدمات أخرى، تم تحديدها ضمن نص المشروع، إلا أنه لم يتم الإعلان عنها بعد، حيث يرتقب أن يتم ذلك لاحقا، من خلال نصوص تطبيقية أخرى سترافق القانون النقدي والمصرفي الجديد، وفقا للتطورات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. مسالك قانونية للعملة الصعبة أما في الشق المتعلق بتمويل مكاتب الصرف من أجل تمكينها من تأدية مهمتها المصرفية، يرى بوخاري أن ذلك سيتم من خلال البنك المركزي بصفته القائم على استحداث واعتماد هذه الأخيرة، موضحا أن إضافة المشروع لعمليات أخرى، كشراء العملة وفق شروط محددة، فهذا يعني – بحسبه - شراء العملة الصعبة من كل شخص يريد تحويل العملة الصعبة التي بحوزته إلى عملة وطنية وفق الشروط المنصوص عليها، مما سيخلق حركية اقتصادية، خاصة في مجال السياحة، من خلال سوق صرف مدعومة من طرف الدولة تسمح بمراقبة وحماية حركة الأموال على مستوى المنافذ البرية والبحرية للبلاد، ما يؤدي إلى فرض مسالك قانونية على حركية العملات. في هذا الإطار، يرى الخبير المالي ضرورة مرافقة مكاتب الصرف هذه بحملة تسويقية لإيجابيات نشاطها والترويج للثقافة المالية على المستوى الأفقي، فيما يتعلق بمفهوم الصرف وأهميته بالنسبة للاقتصاد الوطني وأسس العمليات المالية.