تشير التقارير الإعلامية أن من بين الأهداف الرئيسية لمشروع قانون النقد والعرض، الذي سيعرض على البرلمان بغرفتيه لدراسته وإثرائه والمصادقة عليه، هو محاربة ظاهرة السّوق السّوداء للعملة الصعبة التي استفحلت في العشرية الأخيرة، وأصبحت مشهدا اقتصاديا موازيا للبنوك الرسمية، رغم مخالفته للقوانين الوطنية سارية المفعول، ولن يكون ذلك إلّا باعتماد مكاتب الصرف وتأطيرها قانونيا وتنظيميا. كما يهدف مشروع القانون الجديد إلى إصلاح النظام المالي الجزائري؛ وذلك تماشيا مع تدبير وحوكمة دقيقة لبنك الجزائر ولمجلس النقد والقرض، خاصة فيما يخص الممارسات والمعايير الدولية واللجنة المصرفية والبنوك والمؤسسات المالية. كما سيكرس المشروع، ولأول مرة، في الجزائر، التغطية القانونية للصيرفة الإسلامية والتي تعود ممارستها إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، مع إنشاء بنك البركة. كذلك من أهداف المشروع رقمنة النشاط المصرفي عن طريق انفتاح النظام المصرفي على البنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع، وكذا عمليات الدفع بالعملة الإلكترونية. وفي انتظار صدور المصادقة على القانون ونشره بالجريدة الرسمية، نستعرض فيما يلي التطور التشريعي الذي عرفه هذا القانون بداية من ديسمبر 1962، وذلك بإنشاء البنك المركزي الجزائري، ونشر قوانينه الأساسية بالجريدة الرسمية، إلى غاية قانون النقد والعرض الذي ظهر في 2003، والذي تعرض إلى كثير من التعديلات بمقتضى قوانين مستقلة وأخرى متعلقة بالقوانين المالية السنوية والتكميلية. 1- الخلفية التاريخية للنظام البنكي الجزائري يعود تاريخ إنشاء أول بنك جزائري إلى الفترة الاستعمارية، وبالضبط إلى 4 أوت من سنة 1851. وقد كانت له صلاحية إصدار الأوراق البنكية بالجزائر في إطار السيادة الفرنسية. وكان من الطبيعي، غداة الاستقلال، أن تسترجع الدولة الجزائرية إحدى مهامها السيادية والمتمثلة في إصدار العملة الوطنية، لكن مشاكل الفترة الانتقالية أدّت بالدولة الجزائرية إلى إبرام بروتوكول بين الحكومة المؤقتة تحت رئاسة عبد الرحمن فارس من جهة، والبنك الجزائري الذي كان يديره محافظ البنك (جيل واغنيي دو وايلي) من جهة أخرى، وذلك يوم 28 أوت 1962، من أجل التأكيد، وبصفة مؤقتة، على امتياز إصدار العملة لمدة شهرين ابتداء من أول جويلية 1962، وعند الحاجة يتم تمديده باتفاق ضمني دون أن يتعدى ذلك 31 ديسمبر 1962 وهو ما حدث تاريخيا. وبالفعل، وتطبيقا للبروتوكول السابق الذكر، تم إنشاء البنك المركزي الجزائري بمقتضى القانون رقم 62-144 المؤرخ في 13 ديسمبر 1962، المتضمن إحداث وتحديد القانون الأساسي لذات البنك، والصادر عن المجلس الوطني التأسيسي بقيادة فرحات عباس؛ (أنظر ج. ر عدد 10 1962). وقد نص هذا القانون على أن البنك المركزي الجزائري مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، كما أن له صفة التاجر في علاقاته مع الغير، ومن ثمة فهو خاضع لأحكام التشريع التجاري، وإلى قواعد المحاسبة التجارية. أما من حيث تنظيم البنك، فقد نص القانون على وظيفتين هامتين في السلم الإداري وهما محافظ البنك المسؤول الأول، وكذا المدير العام، إلى جانب مجلس الإدارة الذي يتكون من الشخصيتين السابقتين، إلى جانب عدة مستشارين خبراء في العمليات البنكية والنقدية وما شابهها. أما الحراسة البنكية، فقد أوكلها القانون إلى مراقبين يعينان بموجب مرسوم. 2- القانون البنكي والقرضي لسنة 1986 بقيت أحكام القانون رقم 62-144 المؤرخ في 13 ديسمبر 1962، السابق الذكر، سارية المفعول لأكثر من عقدين من الزمن، أي من 1962 إلى 1986 وهي السنة التي عرفت صدور القانون رقم 86-12 المؤرخ في 19 أوت 1986 (أنظر ج. ر عدد 34). نصّ هذا القانون على عدد من الأحكام، يمكن إيجازها فيما يلي: ● اختصاص الدولة وحدها بامتياز إصدار الأوراق المصرفية وقطع النقود المعدنية عبر كامل التراب الوطني. ويقتصر تفويض ممارسة هذا الامتياز على البنك المركزي. - مشاركة البنك المركزي في إعداد التشريع والتنظيم المتعلقين بالصرف والتجارة الخارجية وتطبيقه فيما يخص مجالات تدخلاته. - تكوين المنظومة المصرفية من البنك المركزي ومؤسسات القرض ذات الصبغة العامة والمتخصصة. - ملكية الدولة لرأسمال البنك المركزي ومؤسسات القرض. - خضوع البنك المركزي ومؤسسات القرض لأحكام التشريع التجاري. - قيام البنك المركزي بضبط ومراقبة توزيع الاعتمادات على قطاعات الاقتصاد من خلال ممارسة امتياز الإصدار وجمع احتياطات الصرف على المستوى المركزي وسيرها وتوظيفها. - انفراد البنك المركزي بجميع العمليات الخارجية الخاصة بالذهب وترخيص عمليات استيراد مواد الذهب وتصديرها وكل المواد والمعادن الثمينة غير المدرجة في المنتجات الصناعية. - قيام البنك المركزي لحساب الدولة بجميع عمليات الصندوق والعمليات المصرفية وعمليات القرض. - إنشاء مجلس وطني للقرض ولجنة لرقابة العمليات المصرفية وهيئات لرقابة المنظومة المصرفية. - تنظيم عمليات القرض من قبل المؤسسات القرضية وتحديد التزامات الدولة قصد ضمانها. - تنظيم العلاقة بين الزبون والمؤسسات القرضية. ● تنظيم الرهن الحيازي لفائدة المؤسسات القرضية. وقد تعرّض هذا القانون إلى تعديل أساسي في بداية سنة 1988، وذلك تماشيا والإصلاحات التي بادرت بها الحكومة، بدءًا بصدور القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية. وكرس هذا التعديل القانون رقم 88-06 المؤرخ في 12 يناير 1988 (أنظر ج.ر عدد 2) الذي جاء بالتعديلات الآتية: - تحويل البنك المركزي ومؤسسات القرض إلى مؤسسات عمومية اقتصادية. - تطبيق على رأسمال مؤسسات القرض أحكام القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية. - تولي البنك المركزي تسيير أدوات السياسة النقدية بما فيه تحديد شروط البنوك ومنها تحديد الحدود القصوى لعمليات إعادة الخصم المخصصة لمؤسسات القرض مع احترام مبادئ المجلس الوطني للقرض. - إنشاء، بمقتضى القانون، مؤسسات مالية لا تكتسي الطابع المصرفي وتقوم بقبول المساهمات على شكل أسهم أو سندات اشتراك في الأرباح أو كل عملية بالرأسمال، كما يمكن لهذه المؤسسات أن تنظم في إطار القانون معاملات للقيم المنقولة، وتعد مؤسسات عمومية اقتصادية يسري عليها القانونان المدني والتجاري. ونشير إلى أن هذا القانون تم إلغاؤه بمقتضى القانون رقم 90-10 المؤرخ في 14 أبريل سنة 1990 المتعلق بالنقد والقرض. (أنظر ج.ر عدد 16) 3 - قانون النقد والقرض لسنة 1990 صدر هذا القانون في إطار الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي شهدته البلاد بعد صدور دستور 1989، وكان الهدف من صدوره هو إعادة النظر في المنظومة البنكية والسياسة النقدية والقرضية، وفتح القطاع البنكي أمام الخواص والأجانب. وأهم ما جاء في هذا النص التشريعي يتمثل فيما يلي: - تحديد قيمة الدينار بمقتضى القانون مع احترام الاتفاقيات الدولية. - معاقبة كل تقليد أو تزوير للأوراق النقدية والقطع المعدنية سواء أكانت وطنية أو أجنبية. - إعادة تسمية البنك المركزي ببنك الجزائر. - لبنك الجزائر صفة التاجر في علاقته مع الغير، ومن ثمة فهو خاضع لقواعد المحاسبة التجارية ولأحكام القانون التجاري إلا إذا نص القانون الأساسي خلاف ذلك. - إعادة النظر في إدارة ومراقبة البنك المركزي والذي يتكلف به محافظ يعاونه ثلاثة نواب له ومجلس النقد والقرض ومراقبان. - تعيين المحافظ لمدة ست سنوات، والنواب لمدة خمس سنوات، مع إمكانية تجديد ولايتهم مرة واحدة فقط، مع تحديد حالات التنافي مع الوظيفة. - تحديد صلاحيات المحافظ في مجالات التسيير النقدي والوظيفي والإداري والاستشاري. - تحديد تكوين وسير مجلس النقد والقرض وكذا صلاحيته بصفته مجلس إدارة البنك المركزي وبصفته أيضا كسلطة نقدية تصدر أنظمة وترعى تنفيذها ومراجعتها. - توكيل عمليات مراقبة وحراسة البنك المركزي وكذا مراقبة البنوك والمؤسسات المالية للجنة مصرفية. - تعريف صلاحيات البنك المركزي وعملياته، خاصة فيما يخص إصدار النقد والعمليات على الذهب وعلى العملات الأجنبية والعمليات ضمن السوق النقدية وإعادة الخصم والتسليف للبنوك والمؤسسات المالية والمساهمات الممنوحة للدولة. - إنشاء غرف المقاصة وتنظيمها وإقفالها؛ - تحديد الشروط العامة المرخصة لتأسيس البنوك والمؤسسات المالية في الجزائر. - تنظيم عمليات البنوك والمؤسسات المالية مع زبائنها. - تنظيم الصرف وحركة رؤوس الأموال مع الخارج. - تعريف التنظيم البنكي وتحديد أشكال الترخيص والاعتماد للبنوك والمؤسسات المالية مهما كان وضعها القانوني. - طرق وكيفيات حماية المودعين والمقترضين. - الأحكام الجزائية المطبقة على المخالفين لأحكام هذا القانون. وقد تعرّض هذا القانون لتعديلات طفيفة من قبل عدة نصوص تشريعية نسردها كما يلي: - المرسوم التشريعي رقم 93-12 المؤرخ في 5 أكتوبر 1993 المتعلق بالاستثمار (ج.ر عدد 16)، والذي ألغى الفقرة الثانية من المادة 183 والفقرة الثانية من المادة 184 المتعلقتين أساسا بدور مجلس النقد والقرض في تمويل حاجات الاقتصاد الوطني؛ - الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 9 يوليو 1996 (ج.ر عدد 43) والمتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج والذي ألغى المادة 198 المتعلقة بإلغاء العقوبة الخاصة بمخالفة الأحكام الواردة في الباب السادس من القانون. - الأمر رقم 01-01 المؤرخ في 27 فبراير 2001 (ج.ر عدد 14) الذي أدخل أحكاما جديدة تتعلق بالفصل بين مهام مجلس النقد والقرض ومجلس الإدارة وكذا إلغاء الحكم الخاص باقتراض أي مبلغ لدى مؤسسة مالية أو أجنبية من قبل المحافظ ونوابه. ولم يدم هذا القانون أكثر من ثلاث عشرة سنة بعد أن لاحظت السلطات البنكية والمالية بعض النقائص، وجاء في الحقيقة تزامنا وفضيحة «الخليفة بنك»، الأمر الذي أدى إلى إلغائه واستبداله بقانون جديد والمتمثل في الأمر رقم 03-11 المؤرخ في 26 أوت 2003 المتعلق بالنقد والقرض.(ج.ر عدد 52). 4- قانون النقد والقرض لسنة 2003 حافظ هذا القانون على المبادئ الأساسية التي أقرها قانون 1990 وأدخل بعض التعديلات تتمثل فيما يلي: - توسيع صلاحيات مجلس النقد والقرض وذلك بتحديده الأهداف النقدية، لاسيما فيما يتصل بتطور المجاميع النقدية والقرضية. - وضع قواعد الوقاية في سوق النقد والتأكد من نشر معلومات في السوق النقدية قصد تفادي مخاطر الاختلال. - حماية زبائن البنوك والمؤسسات المالية في مجال المعاملات المصرفية. - تدعيم التشاور والتنسيق بين بنك الجزائر والحكومة فيما يخص الجانب المالي. - إثراء مضمون وشروط التقارير الاقتصادية والمالية. - إنشاء لجنة مشتركة بين بنك الجزائر ووزارة المالية لتسيير الحقوق والديْن الخارجي. - تمويل إعادة البناء الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي تقع في البلد. - العمل على انسياب أفضل للمعلومة المالية. يتبين من خلال هذه الأحكام الجديدة التي أدخلها هذا الأمر، أن السلطة التنفيذية أرادت أن تسترجع بعض الصلاحيات التي فقدتها في قانون 1990 أين تم الفصل بين بنك الجزائر والسلطة التنفيذية الممثلة في وزارة المالية، وهذا يمثل تراجعا بالقياس إلى الإصلاحات الاقتصادية التي بادرت بها الجزائر في بداية التسعينيات من القرن الماضي. وقد تعرض هذا الأمر إلى عدة تعديلات خاصة من قبل القوانين المالية السنوية والتكميلية وذلك ابتداءً من قانون المالية التكميلي لسنة 2009، وآخرها قانون المالية لسنة 2022. وهي في الحقيقة تعديلات خفيفة تمس غالبا مادة أو مادتين. كما تعرض إلى تعديلات أخرى بموجب الأمر رقم 10-04 المؤرخ في 26 أوت 2010 (ج.ر عدد 50)، والقانون رقم 16-09 المؤرخ في 3 أوت 2016 (ج.ر عدد 46)، والقانون 17-10 المؤرخ في 11 أكتوبر 2017 (ج.ر عدد 57). ملاحظة: المقال تم اقتباسه من كتابي المعنون: «مدخل إلى قانون الرقابة الجزائري: الفصل السابع المعنون الرقابة البنكية».