تحت قصف صهيوني وحصار غير مسبوقين في شمال قطاع غزة وجنوبه، وجرائم المستوطنين بحماية جيش الاحتلال في الضفة الغربية والبلدات الفلسطينية المختلطة، يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الصهيوني، التي مهدت لانتفاضات متتالية، كان آخرها طوفان الاقصى، عبر فيها الفلسطينيون عن تمسكهم بأرضهم وحريتهم رغم الصمت الدولي والتآمر على أعدل قضايا العصر الحديث. تحل اليوم السبت الذكرى السادسة والثلاثون لاندلاع الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة"، التي فجرها الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني ودامت سبع سنوات، لتشكل منعطفا في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني ضد التواجد الأجنبي على أرض فلسطين. تسببت غطرسة مستوطن صهيوني في مدينة جباليا، عقب دهسه أربعة مواطنين فلسطينيين بشاحنته على حاجز بيت حانون "ايريز" الاحتلالي عام 1987، في انتشار غضب المقيمين في مخيم جباليا، الذين خرجوا صباح اليوم الموالي في مظاهرات سلمية منددة بالفعل الإجرامي، قبل أن تتحول الى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال لم تنطفئ جذواها إلا بعد سبع سنوات. أوّل الشهداء أطفال ثم اتسعت رقعة الاحتجاجات من مخيم جباليا، إلى مخيم بلاطة، ونابلس، سارت الانتفاضة إلى مجدها وعلوها، فاستشهد في 10 ديسمبر1987، الطفل إبراهيم العكليك (17 عاما)، ولحقه في 11-12-1987 الشابة سهيلة الكعبي (19 عاما)، والطفل علي مساعد (12 عاما) من مخيم بلاطة، ثم قامت الانتفاضة، واشتعلت واسفرت عن مئات الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى والأسرى. وعلى مدار سبع سنوات، قدمت العائلات الفلسطينية قوافل من الشهداء، إذ تشير معطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى إلى استشهاد 1550 فلسطينيا خلال الانتفاضة، واعتقال 100-200 ألف فلسطيني خلالها، كما تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، و65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة. كما كشفت إحصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي، أن 40 فلسطينيا استشهدوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الصهيونية، بعد أن استخدم المحققون معهم أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات. ومن الجانب الآخر قتل عشرات المستوطنين، وكان مركز المعلومات الصهيوني لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم) أصدر في الذكرى العاشرة للانتفاضة إحصائية أشارت إلى قتل 256 مستوطنا و127 عسكريا من قوات الاحتلال، وتم ترحيل 481 فلسطيني من الأراضي المحتلة، وتعذيب عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال استجوابهم، وإصدار 18000 أمر اعتقال إداري ضد فلسطينيين، وهدم 447 منزلا فلسطينيا على الأقل هدما كاملا كعقوبة، وإغلاق 294 منزلا على الأقل إغلاقا تاما كعقاب، كما جرى هدم 81 منزلا فلسطينيا على الأقل هدما كاملا خلال قيام عساكر الاحتلال الصهيوني بعمليات البحث عن المطلوبين، وهدم 1800 منزل فلسطيني بحجة قيام أصحابها بالبناء دون ترخيص. أطفال يواجهون دبابات المحتل بالحجارة الانتفاضة الأولى أو كما أطلق عليها "انتفاضة اطفال الحجارة" قوبلت برد صهيوني أقل ما يقال عنه إنه شيطاني، من خلال إقرار أمر عسكري يقضي بتكسير عظام الأطفال الذي يعتقلهم عساكر الاحتلال وهم يرمونهم بالحجارة، في مواجهة رشاشاتهم ودباباتهم، أطفال الحجارة كبروا وصاروا مقاتلين وربما شارك الكثير منهم في التخطيط لطوفان الأقصى الذي أذهب عقل المحتل الصهيوني ومرغ أنفه، رغم أن الرد هذه المرة كان أقسى من أي وقت مضى، لكنه في الواقع صورة لما عاشه الفلسطينيون من طنطورة إلى قبيل الطوفان، لكن الفرق هو في تسليط الضوء وتوجيه العالم كاميراته للهجوم الذي أعاد القضية الفلسطينية التي كادت أن تباد، إلى الواجهة.