انتصار دبلوماسي جزائري جديد    وزير العدل يجتمع برؤساء ومحافظي الدولة    نحو تعزيز التعاون العسكري بين الجزائر والصين    أكبر مصنع للحليب.. بداية التجارب    بداري يرافع لتكوين ذي جودة للطالب    معرض دولي للبلاستيك بالجزائر    هكذا ردّت المقاومة على مؤامرة ترامب    حملات إعلامية تضليلية تستهدف الجزائر    هذه رسالة بلمهدي للأئمة    فريقا مقرة وبسكرة يتعثران    هل تكبح الأسواق الجوارية الأسعار في رمضان؟    وزارة الصحة تحيي الأسبوع الوطني للوقاية    حملة تحسيسية مشتركة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    الحماية المدنية تواصل حملاتها التحسيسية للوقاية من الأخطار    محمد مصطفى يؤكد رفض مخططات التهجير من غزة والضفة الغربية المحتلتين    المغرب: تحذيرات من التبعات الخطيرة لاستمرار تفشي الفساد    عرض فيلم "أرض الانتقام" للمخرج أنيس جعاد بسينماتيك الجزائر    الأمين العام للأمم المتحدة يؤكد أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام في الشرق الأوسط    بمناسبة تأسيس الندوة الجهوية حول تحسين علاقة الإدارة بالمواطن    حسب مصالح الأرصاد الجوية " أمطار "و" ثلوج " على عدد من الولايات    " لطفي بوجمعة " يعقد اجتماعا مع الرؤساء والنواب العامين للمجالس القضائية    سفيرة الجزائر لدى أثيوبيا،السيدة مليكة سلمى الحدادي: فوزي بمنصب نائب رئيس المفوضية إنجازا جديدا للجزائر    الرابطة الأولى: نجم مقرة واتحاد بسكرة يتعثران داخل قواعدهما و"العميد " في الريادة    إعفاء الخضر من خوض المرحلة الأولى : الجزائر تشارك في تصفيات "شان 2025"    الذكرى ال30 لرحيله : برنامج تكريمي للفنان عز الدين مجوبي    المهرجان الثقافي للإنتاج المسرحي النسوي : فرق مسرحية تتنافس على الجائزة الكبرى "جائزة كلثوم"    موجب صفقة التبادل.. 369 أسيراً فلسطينياً ينتزعون حريتهم    تضاعف عمليات التحويل عبر الهاتف النقّال خلال سنة    6 معارض اقتصادية دولية خارج البرنامج الرسمي    الديوان الوطني للمطاعم المدرسية يرى النور قريبا    "سوناطراك" تدعّم جمعيات وأندية رياضية ببني عباس    تزامنا مع شهر رمضان:زيتوني يدعو التجار إلى تنشيط الأسواق الجوارية    22 نشاطا مقترحا للمستثمرين وحاملي المشاريع    اقتراحات المنظمات النقابية على طاولة الوزير    اختتام دورة تكوينية لدبلوماسيين أفارقة بالجزائر    انطلاق التسجيلات للتعليم القرآني بجامع الجزائر    تنسيق بين "أوندا" والمنظمة العالمية للملكية الفكرية    مشاركون منتدى وكالة الأنباء الجزائرية..إبراز أهمية إعلام الذاكرة في تعزيز المناعة السيادية ومجابهة الحملات التضليلية    جامع الجزائر.. منارة حضارية وعلمية وروحية    حمّاد يعلن ترشحه لعهدة جديدة    تنظيم الطبعة ال9 للمعرض الدولي للبلاستيك, الطباعة والتغليف من 24 إلى 26 فبراير    الطبعة الثانية لمعرض التجارة الإكترونية والخدمات عبر الانترنت من 22 الى 24 فبراير بوهران    دراجات: طواف الجزائر 2025 / الجزائري ياسين حمزة يفوز بالمرحلة السابعة و يحتفظ بالقميص الأصفر    أبو عبيد البكري.. أكبر جغرافي الأندلس    مدرب بوروسيا دورتموند يشيد بخليفة رامي بن سبعيني    بوبان يفتح النار على إدارة ميلان    امرأة عشقت الجزائر ورفعت تاريخها القديم عاليا    محرز ينال تقييما متوسطا    كيف كان يقضي الرسول الكريم يوم الجمعة؟    سايحي يواصل مشاوراته..    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مالك بن نبي... كيف يكون إصلاح جهاز التّفكير؟
نشر في الشعب يوم 02 - 02 - 2024

يعي "مالك بن نبي" وعيًا منهجيًا حصيفًا، بأنَّ للأفكار وزنها في التَّاريخ وفي رسم مصائر البشرية، لأجل ذلك قام بعملية تشريح لجهاز التفكير، لكن ليس على طريقة المنطق النَّظري الذي عُرِفَ به الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط"، الذي حلَّل ملكات التَّفكير ورسم لنا خريطة الوعي وعلاقته بالعالم الخارجي، فهي محاولة من منظور فلسفة المعرفة، بينما "مالك بن نبي" شرَّح عالم الأفكار من منظور الوعي الاجتماعي والدّور التّاريخي، ومن منظور كيفية تحويل الأفكار إلى قِوى دافعة ورافعة في التَّاريخ..
إنَّ إعادة فتح هذه الورشة الفكرية تعدُّ لازمة حضارية في ظلّ أزمات العالم العربي والإسلامي اليوم، لأن ثمّة فوضى فكرية وثمّة قطيعة بين الكلمات والأشياء، وثمّة انتصاب لأشخاص باتوا هم أوْلىَ بالتَّفكير من غيرهم، فضلًا عن هذا الميل الشَّديد إلى عالم الأشياء والدَّوران حول معايير الكم في التفكير والتَّقدير وإرادة التقدُّم.
إنَّ ما نصرفه من فكر "مالك بن نبي" أمامنا اليوم هو؛ الوعي بإعمال الرُّؤية الكونية في التَّفكير وفي الثقافة، فالرؤية الكونية إما أن تكون رؤية ذات جذور غيبية وأخلاقية، وإما أن تكون ذات جذور مادية تقنية، ونحن بالجذور الغيبية والأخلاقية أَوْلىَ، لأنَّنا مجتمعات الأسُس، ولسنا مجتمعات السُّيولة، وأيّة قطيعة بين الرُّؤية الكونية وبين عالم الأفكار، يكون المآل فيها؛ هو الاعتلال والانشقاق بين الوعي والفعل، لنقل إذن بأنَّ عوالم أفكارنا يجب أن تتأسَّس على رؤية كونية كلية وليس على رؤية مادية تقنية، تُشارف اليوم على نهايتها مع الحضارة الغربية التي تحالفت فيها ثقافة التّرف والتوحّش بشكل غير مسبوق.
وفضلًا عن هذا الوعي، فإنَّنا في امتساس الحاجة كذلك إلى أفكار دافعة أو إحياء الأفكار الدَّافعة، التي يُمَثِّل عليها بن نبي بالفكرة الشيوعية، التي استطاعت أن تتصدَّى للمَد الألماني النازي في ستالينغراد "روسيا"؛ والمثال الذي يَمْثُلُ أمامنا كفكرة دافعة، هو هذه الصَّلابة والقوة التي لاحظناها عند الفلسطينين المقاومين في تصدِّيهم للاحتلال الصّهيوني، في معركة "طوفان الأقصى" الذي يُعبّر عن الفكرة الدَّافعة في مرئيّتها الاجتماعية والتَّاريخية، فلولا الفكرة المُقَاوِمة الدّافعة؛ لما استطاع أن يكون هذا التَّحدي وهذا الصُّمود؛ ليس في وجه الاحتلال فقط، وإنّما في وجه تحالف دولي، توهَّم أنه يُمثِّلُ قانون العدل؛ بينما تُمثِّل المقاومة الفلسطينية قانون الإرهاب.
يمكن أيضًا، صَرف القول إلى أنّ من شروط حيوية مشاريعنا الفكرية والإصلاحية: الموازنة بين عالم الأفكار وعالم الأشياء، فالميل إلى المنزع الكمي، هو أسلوب غربي في التَّفكير والتقدير، وألقى بضلاله على ثقافة العالم الإسلامي في صورة التَّكديس، فالتَّكديس هو الجهة التي تُؤْتى منها التَّبعية والاستعمار، فلا معنى أن تُكَدِّسَ التقنيات المصنوعة في الغرب، لأنَّك تمتلك المال، فالمال ليس هو العنوان الذي يقتدر به الإنسان على الكينونة في العالم، إنّما الطَّاقة الإبداعية التي تمتلك الأفكار وتستولدها من ذاتها، وتَشْرع في البناء الصِّناعي انطلاقًا من الخصوصيات الثقافية، وليس اتّباعًا لخصوصيات ثقافية أخرى. فالمطلب إذن، هو تحسين التَّفكير، كي نستطيع تفعيل الإمكانات والوسائل التي بين أيدينا ومن خلفنا.
ثم إنّ ثمَّة قانونًا آخر، ما أشدَّ الحاجة إليه، هو الوعي بقانون "انتقام الأفكار"، في سياق إرادة التَّغيير والبناء؛ فالعمل الذي لا يشتقُّ قوانينه من الثقافة ومن المعايير العِلمية، ويميل إلى تغليب اللَّاتخطيط والعفوية والفساد، يكون مآله الفشل وبصورة صادمة، مثال ذلك، أنَّنا في سياق البحث عن إصلاح في الجامعات والمدارس التَّعليمية، لا معنى للعقل المُكتظ الذي يُتقن حشو الأذهان، من غير مخطط استراتيجي واضح، أو يفهم الجودة بمعايير كمية مادية، تظهر في تعديد مراكز الأبحاث والجامعات، واقتباس العُلوم الجاهزة من تاريخ العلوم أو راهنًا في الغرب؛ وينتظر الإبداع والتميّز والتأثير في المجتمع، كلا!، إنَّ إصلاح منظومة التَّعليم يجب أن يراعي السياق والقدرة على الإدماج في السِّياق، فالعلوم التي نتعلَّمها، خاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية، من اللَّازم أن تكون علومًا ذاتية داخلية، تنفتح على المعرفة الغربية في أفقها المنهجي وليس في خصوصيّتها الذَّاتية، وتتعالق من حيث الإشكاليات مع التحديات الراهنة.
إنّ عدم مراعاة قوانين التَّفكير وقوانين الاجتماع والرُّوح الثقافية، سيكون مآله الفشل، وهذا القانون الذي رسمه "مالك بن نبي" هو القانون الذي به استطاعت المجتمعات الحضارية أن تملك وأن تسود؛ وتتحقَّق بالعدل الاجتماعي وكرامة المواطن، أمَّا المجتمعات التي يسود فيها الإخلال بالقانون النَّفسي والاجتماعي، وترتهن إلى القيادات التّاريخية أوالشَّخصيات المتعالية؛ فإنَّ طاقة الحركة تتعطَّل والقدرة الحضارية تخبو، لأن المجتمع الذي لا يكون مجتمع مؤسَّسات وتشريعات علمية، فإنَّ الأفكار ستنتقم منه وترمي به إلى خارج الذات من غير فعل ولا أثر في العالم. كمن يبني جسرًا ويَغُش في مواده الاستعمالية، فمع مرور الزمن، حتى وإن بدا هذا الجسر في الظاهر صالحًا، لكنّه سينهار لأنّه غير مبني على المتطلّبات الحقيقية في نظامه الهندسي.
فلا يكفي إذن، أنّ نرافع عن أنَّ الأفكار المقدّسة هي هويتنا، لا بد من ضمان النجاح لها في الواقع، فالعصر هو عصر الفعالية والاقتدار الذاتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.