نجحت الجزائر، مرة أخرى، في صنع دعم المجموعة الدولية للقضية الفلسطينية، على مستوى مجلس الأمن، وتحديدا حول منح العضوية الكاملة لفلسطينبالأممالمتحدة، رغم اعتراض الولاياتالمتحدةالأمريكية التي وقفت وحيدة في وجه الإجماع الدولي، وواصلت انحيازها الفاضح للكيان الصهيوني المجرم. صوّتت 12 دولة لصالح مشروع القرار الذي تقدّمت به الجزائر، ويتضمّن طلب دولة فلسطين الانضمام إلى عضوية الأممالمتحدة، بينما امتنعت دولتان (بريطانيا وسويسرا)، مع استخدام أمريكا لحق النقض، للمرة الخامسة منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، قبل 7 أشهر. وبشكل عملي، يكون مجلس الأمن قد أضاف إلى رصيده فشلا آخر، في إنصاف القضية الفلسطينية العادلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لكن وبالنظر إلى الظروف التي أحاطت بمشروع طلب العضوية، يتأكّد مدى تزايد دعم المجموعة الدولية لفلسطين. هذا الدعم وهذا الإجماع، تقف خلفه الجزائر، مهندسة عديد المبادرات والنصوص، منذ شغلها لعضويتها غير الدائمة، مطلع جانفي الماضي، حيث نجحت في خلق انسجام كبير في مواقف وقناعات أعضاء مجلس الأمن الدولي، وخاصة مجموعة 10 المكونة من الأعضاء غير الدائمين. ويتأكّد ذلك، بالنظر لما كشفته وسائل إعلام دولية، عن ضغوط شديدة مارستها الولاياتالمتحدةالأمريكية على القيادة الفلسطينية، من أجل عدم تقديم مشروع قرار طلب العضوية في الأممالمتحدة، وعلى بعض الدول غير الدائمة العضوية مثل الأكوادور وكوريا الجنوبية، حاثة إيّاهما على التصويت ب "لا"، وكل ذلك حتى لا تضطر لاستخدام "الفيتو". ولم تتوقّف المناورات داخل أورقة مجلس الأمن الدولي، طيلة يوم الخميس، حيث تعدّدت محاولات تأجيل موعد جلسة التصويت إلى الجمعة، لكنها جرت في اليوم ذاته، مع تأخير بحوالي 7 ساعات. التحليل الأولي لنتيجة التصويت، يظهر مدى عزلة الموقف الأمريكي داخل مجلس الأمن الدولي، فهو الوحيد الذي عارض انضمام فلسطين إلى الأممالمتحدة، عبر اللجوء مرة أخرى إلى ورقة الفيتو، وما يسبّبه لواشنطن من أضرار جسيمة على صورتها في العالم أجمع، وليس فقط العالمين العربي والإسلامي الأحرار المتضامنين مع الشعب الفلسطيني. وحتى حلفاء أمريكا في آسيا، وهما اليابان وكوريا الجنوبية، صوّتا لصالح مشروع القرار الجزائري، بينما رفضت بريطانيا الحليفة التقليدية لأمريكا، استخدام الفيتو مفضلة الامتناع والنأي بالنفس عن الأضرار الأخلاقية التي تسببها مثل هذه مواقف. ويحسب للجزائر تمكّنها من إنهاء حالات الاستقطاب داخل مجموعة 10، وتحييدها عن التّجاذبات العميقة بين الخمسة الكبار، ما سمح ببلورة موقف داعم لفلسطين وبأغلبية ساحقة، أبان بوضوح عن وقوف المجموعة الدولية إلى جانب الحق، ورفضها الانصياع للطغيان والإجرام الصهيوني مهما عظمت المصالح. ممثل الجزائر الدائم وسفيرها في الأممالمتحدة، عمار بن جامع، وبعد انتهاء عملية التصويت كانت له - وكالعادة - كلمة متميزة، استند فيها إلى تصريح لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أكّد فيه بأنّ "جهود الجزائر لن تتوقّف حتى تصبح دولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الأممالمتحدة". ووعد بن جامع، بالعودة مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي، لطلب عضوية فلسطين في الأممالمتحدة حتى تتحقق بدعم الأغلبية الساحقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلا: "نعم سنعود أقوى وبصوت أعلى..وسنعود ومعنا الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة". واعتبر سفير الجزائر أنّ التأييد الساحق لتطبيق دولة فلسطين بعث برسالة واضحة وضوح الشمس، وهي أنّ "دولة فلسطين تستحق مكانها الصحيح بين أعضاء الأممالمتحدة"، معربا عن امتنانه العميق باسم المجموعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز للذين صوّتوا لصالح القرار الذي تقدمت به الجزائر. وخاطب بن جامع أولئك الذين لم يتمكّنوا من دعم قبول دولة فلسطين، آملا أن "يفعلوا ذلك في المرة القادمة"، عندما تتم العودة إلى المجلس وطلب عضوية كاملة لفلسطين حتى تتحقق. وقبل عملية التصويت، أكّد سفير الجزائر في الأممالمتحدة، أن "قبول العضوية الكاملة لفلسطين يعد خطوة حاسمة نحو تصحيح ظلم طال أمدة"، معتبرا أنّ ذلك أقل ما يمكن القيام به "للوفاء بالدين الذي ندين به لشعبها، وسيمثل إشارة واضحة إلى وقوف المجتمع الدولي إلى جانب فلسطين". وأضاف قائلا: "لابد من معالجة هذا الظلم التاريخي وإعادة توازن ميزان العادلة"، مندّدا "بمواصلة الكيان الصهيوني وقوفه ضد نيل فلسطين عضويتها في الأممالمتحدة"، معتبرا أن دعم المطلب سيشكّل رفضا لمحاولة الاحتلال محو الشعب الفلسطيني، وتدمير الدولة الفلسطينية وكل آفاق السلام".