اعتمدنا إصلاحات عميقة لبناء نموذج اقتصادي جديد قائم على التنويع وخلق الثروات وتحرير المبادرة بحث سبل مواجهة التفاقم القياسي لمستويات الديون وارتفاع أسعار الفائدة وشح التمويل لا يمكن المراهنة على تعزيز الأمن والسلام دون تحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي دعم التنمية البشرية وتعزيز الأمن الغذائي وتطوير مشاريع البنية التحتية والطاقة والرقمنة أبرز رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أمس الاثنين بالعاصمة الكينية نيروبي، الدور الريادي للجزائر في إرساء نظام اقتصادي جديد عادل وشامل، داعيا إلى حشد الإمكانيات المالية اللازمة لتحقيق أولويات التنمية في إفريقيا. جاء ذلك في كلمة ألقاها باسمه الوزير الأول نذير العرباوي، خلال أشغال قمة المؤسسة الدولية للتنمية "IDA21" من أجل تعبئة الموارد لإفريقيا، بحضور الرئيس الكيني وليام روتو، ورئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، محمد ولد الغزواني الذي يترأس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي لسنة 2024. وأكّد رئيس الجمهورية الأهمية البالغة التي تكتسيها هذه القمة باعتبارها "محطة أساسية لدعم أولويات وتطلعات المجموعة الإفريقية خلال عملية إعادة تأسيس موارد المؤسسة الدولية للتنمية IDA وفرصة مواتية لبحث سبل مواجهة التحديات التي يفرضها السياق الدولي الراهن، لاسيما التفاقم القياسي لمستويات الديون وارتفاع أسعار الفائدة وشح التمويل". وبهذا الخصوص، أشار رئيس الجمهورية إلى أن هذا السياق "المحفوف بالمخاطر وعدم الاستقرار" فرض على العديد من البلدان الفقيرة تقليص النفقات الضرورية، بما فيها تلك الموجهة لقطاعات حيوية كالصحة والتعليم والبيئة، بما يقوض تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وفي هذا الصدد "تبرز الحاجة الملحة لتجند المجموعة الدولية من أجل المساهمة في الاستجابة للتحديات المعقدة التي تواجه البلدان الفقيرة ومعالجة الأسباب الجذرية التي تغذي النزاعات وعدم الاستقرار، لاسيما استفحال الفقر والتهميش وعدم المساواة"، يتابع رئيس الجمهورية مؤكدا أنه "لا يمكن بأي شكل من الأشكال المراهنة على تعزيز الأمن والسلام دون تحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي المستدام". وفي ذات الاتجاه، أكّد الرئيس الدور التمويلي "المحوري" الذي تضطلع به المؤسسة الدولية للتنمية، والتي خصصت أكثر من 70 بالمائة من مجموع التزاماتها لإفريقيا خلال العملية 20 لعملية تأسيس مواردها. و«تتطلع الجزائر لانتهاج مقاربة طموحة ونوعية في عملية إعادة تأسيس الموارد، تساهم في رفع سقف الموارد المسيرة، مع مراعاة احتياجات البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة لاسيما في إفريقيا، وأن تراعي هذه العملية الأولويات والاحتياجات الخاصة لهذه البلدان بما يسهم في بلوغ الأهداف المسطرة، وتحقيق النتائج المرجوة"، يقول رئيس الجمهورية. وجدّد الرئيس تبون "دعم الجزائر لكل المبادرات والآليات التي من شأنها سد فجوة التمويل وزيادة حجم المساعدات الإنمائية وتحسين كفاءتها، وكذا تفعيل أدوات مناسبة للتخفيف من وطأة الديون بما يشمل إلغاء وإعادة هيكلة الديون وتعليق خدمات الدين، لاسيما لصالح البلدان الأقل نموا، وتحرير السياسات المتعلقة بالأمن الغذائي والصحي من المقاربات الاقتصادية البحتة، وبالأخص فيما يتعلق بالوصول إلى المواد الغذائية والأدوية، فضلا عن أهمية رصد الموارد الكفيلة بدعم جهود هذه الدول في مواجهة آثار التغيرات المناخية وتوفير الدعم التقني الضروري في هذا المجال". ومن أبرز المجالات ذات الأولوية التي ينبغي أن تحظى بالاهتمام، أشار رئيس الجمهورية إلى دعم التنمية البشرية وتعزيز الأمن الغذائي، وتطوير مشاريع البنية التحتية والطاقة والرقمنة، بالإضافة إلى تشجيع المقاولاتية والابتكار وتعزيز القدرة على الصمود والتكيف مع تغير المناخ. ولفت رئيس الجمهورية إلى أن دعم التنمية في إفريقية يرتبط، بالإضافة إلى ما سبق، بتسريع وتيرة الاندماج القاري وتنفيذ أجندة الاتحاد الافريقي 2063، "وهو ما تعكف الجزائر على تجسيده، لاسيما من خلال تصور اندماجي لمشاريعها الوطنية، وإنجاز مشاريع تنموية أخرى بعدة دول افريقية مجاورة". «إنّ الجزائر التي رافعت دوما على قضية التنمية في افريقيا، وكان لها دور ريادي في المسعى الجماعي في إرساء نظام اقتصادي جديد عادل وشامل، تتطلع إلى جعل هذا اللقاء الهام منصة لتقاسم الخبرات وتشارك التجارب الناجحة واستكشاف السبل الامثل للدفع بالتنمية في قارتنا"، يضيف رئيس الجمهورية. وأكّد "دعم الجزائر لجهود مختلف الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع بما يسمح بتوفير الامكانيات المالية الضرورية، وإدماج مجمل الأولويات الوطنية الافريقية ضمن خطة عمل المؤسسة الدولية للتنمية، والمضي قدما نحو مستقبل أكثر إنصافا واستدامة". وذكر الرئيس بأن "الجزائر بحكم انتمائها الإفريقي والتزامها التاريخي بروح التضامن والوحدة في قارتنا، ومن منطلق قناعتها الراسخة بترابطية الأمن والتنمية، ترافع باستمرار عن قضية التنمية في القارة الإفريقية، وتبذل جهودا حثيثة لتعزيز التعاون وتنسيق السياسات الوطنية وتعزيز قدرات البلدان الإفريقية الشقيقة في رفع تحدي التنمية، لاسيما عبر تجسيد مشاريع تنموية بعدة دول من الجوار المباشر، من خلال الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، التي رصدت لها الحكومة الجزائرية مبلغ مليار دولار". كما تطرق رئيس الجمهورية في كلمته إلى الإصلاحات الاقتصادية "العميقة" التي باشرتها الجزائر لبناء نموذج اقتصادي جديد قائم على تنويع الاقتصاد وخلق الثروات وتحرير المبادرة. وبفضل هذه الجهود حققت الجزائر ارتفاعا ملموسا للناتج المحلي الخام في السنتين الأخيرتين، "مما سمح بتعزيز المكاسب الاجتماعية ودعم الاستثمار وتمويل تطوير البينة التحتية القاعدية". وبخصوص هذه الإصلاحات، أشار رئيس الجمهورية إلى إصدار منظومة قانونية وتنظيمية جديدة للاستثمار "تتضمن العديد من المزايا والتحفيزات وتكرس الاستقرار القانوني، والشفافية، والمساواة بين المستثمر الوطني والأجنبي"، إلى جانب نظام جديد لمنح العقار الاقتصادي الموجه للاستثمار وفق مقاربة "اقتصادية شفافة"، فضلا عن مراجعة شاملة للقانون النقدي والمصرفي وتنويع العروض التمويلية، وفتح وكالات للبنوك الجزائرية في الخارج لاسيما في القارة الافريقية. وعلى الصعيد الاجتماعي، تعمل الدولة باستمرار على تحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين المواطن من الوصول لخدمات نوعية في جميع المجالات، يؤكد رئيس الجمهورية الذي لفت بأن هذه المقاربة "المتوازنة" سمحت بالتوفيق بين متطلبات التنمية وتكريس الطابع الاجتماعي للدولة "وهو ما جعل الجزائر تحتل مكانة رائدة في تحقيق اهداف التنمية المستدامة في قارتنا".