خطاب صريح وعمل جاد على معالجة المشاكل التنموية من جذورها وعدم إخفاء الحقائق تكتسي التنمية المحلية في الجزائر أهمية استراتيجية كركيزة أساسية للحكم الراشد، وتجسيد مبدأ التوزيع العادل للثروة والدعم الاجتماعي للدولة. وتُجسّد زيارة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لولاية خنشلة، نموذجاً مضيئاً لهذه الرؤية، حيث شهدت الولاية تدشين العديد من المشاريع ذات البعد التنموي المحلي بملايين الدولارات، وتُلامس احتياجات المواطنين وتُساهم في تحسين مستوى معيشتهم. وفقًا لآخر تقرير سنوي حول التصنيف العالمي للبلدان الصادر عن برنامج الأممالمتحدة للتنمية لسنة 2023، جاءت الجزائر في المرتبة 91 عالميًا، وفي المرتبة الأولى في شمال إفريقيا، والثالثة على مستوى القارة الإفريقية في مصاف الدول التي تحظى بمؤشر "مرتفع" للتنمية البشرية. هذا التقدم يعكس الجهود المبذولة من قبل الدولة في تحسين نوعية الحياة للمواطنين، بما يضمن توزيع عادل للثورة، لاسيما وأن العديد من الدول في إفريقيا ظاهريا تبدو مؤشرات الاقتصاد الكلي جيدة لكنه لم ينعكس على مؤشرات التنمية البشرية. من الناحية الاقتصادية كذلك، جاءت الجزائر في المرتبة الثامنة إفريقيا في متوسط الدخل الفردي، حيث وصل إلى أكثر من 5300 دولار وفق موقع Statista المتخصص في تقديم المؤشرات الاقتصادية، حيث ارتفع متوسط الدخل الفردي في الجزائر بأكثر من 1800 دولار خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ممّا يدل على التحسن الملحوظ في المستوى المعيشي لدى المواطنين مع تراجع مؤشرات التضخم والتي من المتوقع أن تستقر في حدود 5 ٪ مع نهاية العام الجاري، وجاءت هذه القفزات متوافقة مع الزيادات في الأجور التي أقرتها الدولة والتي بلغت إلى حد الآن 48 ٪، ومن المتوقع أن تصل الى 100 ٪ في حدود سنة 2026. تنمية شاملة خلال زيارته التاريخية إلى ولاية خنشلة، أكّد الرئيس عبد المجيد تبون أنّ هذه الولاية لم تحظَ بنصيبها الكافي من التنمية. ويشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد القادر منصوري، في تصريح ل "الشعب"، إلى أن الرئيس تبون منذ توليه الحكم في 2019 تميز بخطابه الصريح، والعمل الجاد على معالجة المشاكل التنموية من جذورها وعدم إخفاء الحقائق خاصة الواقع الاقتصادي، مؤكّدا في وقت سابق أننا نعيش أزمة اقتصادية. وأوضح أن هذا المسعى يتطلّب إرادة سياسية قوية، موارد مالية ضخمة، ومتابعة دقيقة، وهو أمر ليس بالهين في بلد بحجم الجزائر الذي مرّ بأزمة اقتصادية معقدة. ومع ذلك، بفضل القرارات السياسية الرشيدة، تمكّنت الجزائر من تحويل المؤشرات الاقتصادية السلبية إلى إيجابية، ممّا يعد إنجازًا كبيرًا يحسب لرئيس الجمهورية. وفي نفس السياق، أوضح الدكتور منصوري أنّ مشاريع التنمية المحلية في السنوات الخمس الماضية لم تقتصر على منطقة واحدة، بل شملت جميع الولايات تقريبا دون استثناء، مع التركيز على الولايات الأكثر تهميشًا. وأضاف أن قرار إنشاء عشر ولايات جديدة أعطى دفعًا قويًا للتنمية المحلية في الجنوب الجزائري من خلال تقريب الإدارة من المواطن وتقليص المسافات. وأشار إلى أنّ المشاريع الكبرى التي أطلقتها الجزائر مست مناطق واسعة من البلاد، فمثلاً مشروع غارا جبيلات سيكون له أثر إيجابي كبير على التنمية في ولايات تندوف وبشار وأدرار المجاورة. وكذلك مشروع الفوسفات في الشرق، الذي شمل أكثر من خمس ولايات، بما في ذلك تبسة، سوق أهراس، قالمة، عنابة، وسكيكدة، وأسهم في تجديد البنى التحتية. كما أضاف الدكتور منصوري أنّ هناك مشاريع تعدين أخرى لم تحظَ بنفس الاهتمام الإعلامي، لكنها مهمة جدًا، حيث تمّ إطلاق عشرات المصانع المتوسطة للتنقيب في مختلف المعادن في أم البواقي، معسكر، تلمسان، عنابة، وولايات أخرى. وتابع قائلاً إن هذه المشاريع كثيرة، وقد لا يسع المجال لذكرها جميعًا. وأكّد أنّ جني ثمار هذه الجهود يتطلّب وقتًا، خاصة وأنّ رئيس الجمهورية حدد عام 2027 كموعد رئيسي للتحول الاقتصادي في الجزائر، مما يجعلها سنة فاصلة بين مرحلتين زمنيتين: قبل 2027 وما بعدها.