اختارت وحدة المجاهدين هضبة بوشيبان الواقعة في الشمال الشرقي لعرش أوزلاقن، وهو موقع استراتيجي ممتاز ومناسب للقتال كونه عبارة عن سفوح وأخاديد كلها مغطاة بأشجار الزيتون والبلوط والكروم، أي غابة كثيفة يستحيل على العدو أن يصل إليها عن طريق الآليات لعدم وجود طرق المواصلات بالجهة، ممّا يسهّل لكتائب المجاهدين التحرك دون أن يكتشف العدو أمرهم، وكذا قادة الثورة الذين اختاروا هذا الموقع لإقامة مراكزهم القيادية مثل قائد المنطقة مغني محمد صالح وقائد الناحية موح وعلي، وحتى ميرة عبد الرحمن قائد الولاية بالنيابة، الذي أقام مقره القيادي في هذه الجهة التي كان العدو ورجال الحركى يلقّبونه بمستنقع الموت أو دار الغول. وتكوّنت وحدة المجاهدين الذين خاضوا المعركة من كتيبة البطل مقران بوجمعة العائدة من تونس، فصيلة المساعد محند أبركان الجهوية، عدة أفواج من مسبلي الجهة بقيادة المساعد الحسين قادري، وعدة إطارات ممن تقتضي مهامهم أن يتحركوا في الميدان بمعية حرس يبلغ عددهم حوالي 300 فرد. وبالنسبة لأسلحة الكتيبة العائدة من تونس فكانت كلها آلية حديثة وأغلبها سلاح شبه ثقيل، إذ يتوفر لديها على أكثر من 30 قطعة من رشاش ثقيل ومدفع هاون عياره 60 والباقي أسلحة آلية عادية منها قطع ذات الطلقات الانشطارية والرشاشات، أما الفصيلة فتوفرت على سلاح معتبر ميدانيا منها الرشاش والباقي أسلحة آلية ونصف آلية، بينما كانت أفواج المسبلين عبارة عن بنادق صيد ومسدسات وقنابل يدوية. وسبب معركة بوشيبان هو مصادفة وصول الكتيبة إلى المكان لعقد العدو العزم على استهداف الجهة بعملية تمشيط واسعة، فأدركت كتائب جبهة التحرير ذلك فتوزّعوا في المواقع الاستراتيجية استعدادا لقتال العدو، لاسيما وأنّ المكان مناسب والأسلحة حديثة والذخيرة متوفرة، فوقع الاصطدام بين الجيشين وانطلقت المعركة، حيث فوجئ ضباط العدو بقذائف مدفع الهاون تنفجر أمامهم وخلفهم. وكان الاصطدام الأول مع القوة الزاحفة من جهة اشميني وافلازن في الضفة الشمالية لوادي بوشيبان محاولين العبور، ظانّا منهم أنّ الجهة خالية، ولكنهم ما كادوا يصلون الى حواف المنحدر حتى فاجأهم وابل من الرصاص من الرشاشات الثقيلة من الضفة الجنوبية ففر الباقون، وكذلك الشأن بالنسبة لمن حاول عبور الوادي الأحمر في ضواحي بوعيسي. وأعلنت حالة استنفار في صفوف الجيش الفرنسي في الصومام، وهنا وصلت أسراب الطائرات المقنبلة المختلفة من حيث النوع والحجم، وشرعت في التحليق حول المكان والقنبلة العشوائية للضواحي البعيدة عن الميدان بقنابل النابلم والروكيت. وفي هذه الأثناء تدخّلت البطاريات الأرضية المنصبة في اغزر أمقران واشميني وصدوق، التي أخذت بدورها تمطر الجهة بقذائفها لكنها دائما كانت تسقط في الضواحي البعيدة عن الميدان، لكون مشغلي تلك البطاريات لم تتضح لديهم مواقع المجاهدين من مواقع جيش العدو لتداخلها وقرب بعضها من بعض، واشتدت المعركة وقائد المنطقة يحث المجاهدين على الثبات والاقتراب أكثر من مواقع العدو. وهكذا استمر القتال الى غروب الشمس ليسفر عن مقتل 17 شهيدا فيما بين مجاهد ومسبل وقتل 93 جندي، وسقوط طائرة كشافة من نوع ت6 وحرق آليتين للعدو وكذا سقوط 12 قتيل. وتعتبر هذه المعركة الثالثة من المعارك التي وقعت بالمكان، وقد ارتأت السلطات المعنية في حوض الصومام إقامة نصب تذكاري في المكان تخليدا لهذه المعارك الثلاثة، وقد اعتبرت الإدارة الفرنسية منطقة بوشيبان منطقة محرمة إلى غاية إيقاف القتال شأنها في ذلك شأن باقي مناطق أوزلاقن العليا. زيادة على ذلك، فقد تلقى الضابط مقران بوجمعة قائد الكتيبة بعد هذه المعركة أمرا من قيادة الولاية الثالثة يقضي رجوعه إلى تونس لإيصال بريد هام مستعجل ومرافقة الرائدين خير الدين وعمر أوصديق من الولاية الرابعة إلى تونس بعدما تقرّر التحاقهما بالحدود.