انضم، أمس، مائة رئيس دولة إلى مائة ألف من أبناء جنوب افريقيا للمشاركة في وداع الزعيم ورئيس البلاد الأسبق نلسون مانديلا في مراسم تأبين تكريما لقدرته على إزالة الاختلافات السياسية والعرقية والتقريب بين الخصوم. وتوافدت حشود من أبناء جنوب افريقيا وهم يغنون ويرقصون وسط الأمطار على ملعب «سوكر سيتي» لكرة القدم بجوهانسبورغ الذي يسع 95 ألف والذي شهد قبل 23 عاما إحتفاء أنصار مانديلا به بعد خروجه من سجن نظام الفصل العنصري ورأوا فيه الأمل في جنوب افريقيا جديدة. وقالت بيوتي بيول (51 عاما) التي شاركت الحشد في توديع مانديلا «كنت هنا في 1990 عندما أفرج عن مانديلا وأنا هنا مجددا لأودعه». «أنا متأكدة أن مانديلا فخور بجنوب افريقيا التي ساعد في تكوينها... ليست مثالية، ولكن لا يوجد شيء مثالي.. لقد حققنا خطوات واسعة.» وافتتح حفل التأبين بالنشيد الوطني لجنوب أفريقيا، ليلقي بعدها رئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما، ونظيراه الأمريكي باراك أوباما والبرازيلية ديلما روسيف، وغيرهم من رؤساء وزعماء العالم خطبا لوداع أخير لمؤسس «أمة قوس قزح». وبعد الكلمة المؤثرة التي ألقاها زوما والتي عاد فيها الى مناقب الزعيم والى أيام سجنه وصراعه السياسي الذي انتصر فيه وتوّج رمزا عالميا للنزاهة والتسامح، وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مانديلا بأنه «عملاق العدالة»، وانتقد الكثير من زعماء العالم الذين يدعون مناصرتهم لكفاح مانديلا من أجل الحرية «لكنهم لا يقبلون المعارضة من شعوبهم». وألقى أوباما، الذي حضر الى جوهانسبورغ رفقة زوجته وثلاثة من الرؤساء الأمريكيين السابقين، كلمته أمام حشد من الزعماء المشاركين، من بينهم لي يوان تشاو، نائب الرئيس الصيني، ورئيس زيمبابوي روبرت موغابي، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وسلفه نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ورغم العداء الإيديولوجي بين الولاياتالمتحدة وكوبا، منذ أكثر من 50 عاما، فقد صافح أوباما الرئيس كاسترو الذي ابتسم له. كما شارك عدد كبير أيضا من المشاهير في مراسم التأبين ومن بينهم المذيعة الأمريكية الشهيرة اوبرا وينفري والمغنيان بيتر جابرييل وبونو وعارضة الأزياء ناعومي كامبل ورجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون. وطبقت عملية أمنية ضخمة لتأمين الحدث، حيث منعت السيارات الخاصة من دخول المنطقة المحيطة بالملعب، وطلب من المواطنين الراغبين في المشاركة استخدام المواصلات العامة. هذا وتزامن التأبين مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي وافق نهار أمس. ومعلوم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس شمعون بيريس، لم يشاركا في مراسم تأبين مانديلا، ويوجه الكثير من أبناء جنوب افريقيا انتقادات لإسرائيل ويقولون إنها قامت بتسليح حكام نظام الفصل العنصري الذي سجن مانديلا 27 عاما. وبعد انتهاء مراسم، أمس، سيظل جثمان مانديلا مسجيا على نعش مفتوح لمدة ثلاثة أيام في مبنى يونيون بلدينجز في بريتوريا الذي أدى فيه مانديلا اليمين الدستورية، كأول رئيس أسود لجنوب افريقيا عام 1994. ويدفن الزعيم الافريقي بعد ذلك يوم الأحد 15 ديسمبر في كونو مسقط رأسه بإقليم الكيب الشرقي على بعد 700 كيلومتر جنوبي جوهانسبرج. ولن يشارك الكثير من زعماء العالم في مراسم الدفن في كونو، حيث يرجح أن تكون عائلية وخاصة. يُذكر أن مانديلا سجن 27 سنة وخرج عام 1990، وصار، أول رئيس، أسود لجنوب أفريقيا عام 1994، ولم يبق بالمنصب سوى فترة رئاسية واحدة، ثم اعتزل العمل السياسي إلى حد كبير منذ عام 2004، وكان آخر ظهور شعبي له أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم التي نُظمت في جنوب أفريقيا عام 2010.