القارئ الجزائري اكتشفني عبر نافذة مشرقية تكشف الكاتبة الجزائرية المقيمة بالقاهرة ندى مهري للنصر أنها بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مجموعة من الأعمال التي سترى النور هذا العام منها قصص للأطفال والقصة القصيرة، وكتاب يضم كافة مقالاتها التي نشرت على مدار السنوات في الصحف والمجلات الجزائرية والعربية، وتتحدث عن علاقتها بكتاب كالطاهر وطار و أحلام مستغانمي إلى جانب حكايتها مع الغربة والفقدان. أجرى الحوار هشام جبار الكاتبة ندى مهري عرفك القارئ الجزائري كمبدعة عبر صفحات جرائد المشرق و الخليج العربي ماسر هذا التفوق هل توجد مساحة للإبداع أكثر من الجزائر ؟ -قبل ظهوري عبر صفحات المشرق والخليج العربي نشرت في الصحافة الوطنية ، ولكن لم تكن هناك متابعات ايجابية أو سلبية لأعمالي حتى أقيمها، وإذا وجدت لم تصلني فشعرت بالخواء المطبق وباليأس، ولما انتقلت للعيش في القاهرة انطلقت من الصفر في مجال الكتابة وهذا لا يعني أنني أقصيت ما سبق من خطوات حققتها، ولكن أن تثبت للأخر براعتك الإبداعية التي تراها بمفردك وبشك كامن أرقت بالي طويلا ، و ما أن بدأت أتواصل مع جرائد مصر وجدت ترحيبا جميلا فالجرائد والمجلات فتحت لي قلبها بحب فنشرت العديد من المقالات والحوارات الصحفية كما فتحت لي المجلات الأدبية حضنها الدافىء لإبداعاتي ثم توسعت كتاباتي لتصل إلى بعض الجرائد والمجلات الرائدة في الخليج العربي، ما أود قوله أنني ممتنة لجرائد المشرق والخليج العربي لأنها من أوصلتني وعرفتني للقارىء الجزائري وجعلته يلتفت إلى قلمي . درست الاقتصاد و انتهى بك المطاف إلى شؤون الأدب و الإعلام ما حدود التماس بينهما ؟ -رحيل والدي هو الذي غير خريطة حياتي كلها، وكأن ضرر الفقدان أيقظ بصيرة الاختيارات وكأن موجة الألم العاتية التي ضربت قلبي ، منحتني شراعا لترتيب أحلامي، لم أستطع البقاء في أي حيز يذكرني برحيله وحتى دراسة الاقتصاد لم تشف غليلي فانتقلت للجزائر العاصمة ودرست الإعلام، أما الأدب فهو وحده الثابت في خطة القدر وبرز من خلال شغفي بالقراءة في شؤون الأدب أو أي مجال آخر ، وبعدها الحضور لمختلف الندوات والأمسيات الثقافية التي كانت تقام أنذاك، مع خربشاتي الغريبة التي ألقيتها على الأهل والأصدقاء . كيف بدأ مشوارك الأدبي و منهم أباؤك في الكتابة ؟ مشواري الأدبي بدأ بالمطالعات وتحولت مع الوقت إلى رغبة ملحة في الكتابة دون أن أعرف من أين يأتي هذا التحريض وبتلقائية، وأول ما كتبت مذكراتي اليومية وكنت أجد في ذلك متعة رائعة أجهل مصدرها ،ومنذ ذلك اليوم أدركت تورطي بالكتابة، وعن الكتاب الذين عبدوا طريقي الإبداعي فأنا أقرأ لكل الأجيال ومختلف المشارب ولكل مرحلة من مراحل العمر والوعي كتابها قرأت لجبران خليل جبران ونزار قباني ، للطاهر وطار ، والسيدة زهور ونيسي ،فدوى طوقان، وغادة السمان، بهاء طاهر، نوال السعداوي ، سيجموند فرويد ،أحلام مستغانمي ، اليزابيت جلبرت، فضيلة الفاروق ، مالك بن نبي ، محمد الغزالي ، باولو كويلو ، غابرييل غارسيا ماركيز ، الحكيم أوشو...الخ يصعب حصر الكتاب الذين قرأت لهم . هل يمكن ان نعرف القراء على انتاج ندى مهري؟ تأخرت في نشر أعمالي لظروف وأسباب وأول عمل أدبي ظهر للنور يتمثل في المجموعة القصصية للأطفال التي تحمل عنوان" أميرة النجوم " وحصلت بها على جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2009. ولكن لدي أعمال أدبية منشورة في كتب حيث اختيرت قصيدة من قصائدي مع كوكبة من شعراء العالم العربي والمهجر وصدر الكتاب بأمريكا وحمل عنوان : مختارات من الحركة الشعرية المعاصرة "، ولي نص شاركت به في كتاب حمل عنوان " الاشراقة المجنحة" وصدر بفلسطين، و قصتي الفائزة بجائزة الامتياز في القصة القصيرة في ملتقى الكاتبات المتوسطيات بفرنسا العام 2008 ، والتي صدرت في كتاب مع نصوص قصصية أخرى لكاتبات وصدر تحت عنوان "القناع " وهو عنوان المسابقة . وحاليا أستعد لخوض تجربة النشر على نطاق واسع بإصدارات متنوعة في مجال قصص الأطفال والقصة القصيرة، وكتاب يضم كل مقالاتي التي نشرت على مدار السنوات في الصحف والمجلات الجزائرية والعربية والتي ستجد طريقها إلى النور عام 2012 . فزت بجائزة الشارقة للإبداع 2009 عن المجموعة القصصية"أميرة النجوم" وجائزة الامتياز بفرنسا عن قصة الانكشاف 2008 وغيرها من الجوائز ماهو شعورك وآنت على منصة التتويج ببلد أجنبي ؟ شعور مقدس بالامتنان لله أولا ، ولوالدي الراحل ولأمي وجميع أحبتي وللجزائر، وهذا التتويج أهديه لكل الأنامل الرائعة التي كفكفت أدمعي ووقفت إلى جانبي في أصعب الظروف . في لقاءاتك الحوارية تبدو ندى متأثرة جدا بالكاتب الطاهر وطار ، ماهي أهم الانطباعات العابرة التي تركها عمي الطاهر في شخصية الكاتبة وبماذا نصحك عندما كنت تزورينه بالجاحظية ؟ "انه العيش والملح والعشرة" كما يقال ومن منا لا يتأثر بألم الفقد ، شعرت بحزن شديد لرحيل عمي الطاهر وطار ،لقد احتوتني الجاحظية لفترة طويلة فترة البحث عن لقمة حرف ولقمة اعتراف وتقدير وهناك تعرفت بالروائي الطاهر وطار، صحيح في الأول لم نكن على وفاق في الأمزجة ولكن مع الوقت اتفقنا على اختلافنا،فما محبة إلا بالإختلاف وليس بالعداوة. ثم هذا الرجل له وزنه الأدبي الكبير في الوطن العربي وله رصيده التاريخي الجدير بالاحترام والتقدير وان اختلفت المشارب الفكرية على كتاباته و مزاجه ورؤيته للأشياء، وبالمناسبة لقد قدمت شهادة عن الروائي الطاهر وطار في ملتقى الإبداع الروائي الخامس بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة في ديسمبر 2010 تضمنت كل انطباعاتي عن الراحل الطاهر وطار. من هي الأديبة الأقرب إلى قلبك ؟ إنني مدينة لمجموعة من الكتاب والكاتبات الذين تركوا بصمتهم النورانية في قلبي وفي مشواري الأدبي وحاليا أنا الآن في عمر يؤسس لتاريخه الشخصي والأدبي إذا صح القول. يرى البعض انك تقتفين أثر الروائية الكبيرة أحلام مستغانمي ، هل هذا صحيح ؟ دعني أقول لك سأكون سعيدة لو بلغت قدرا بسيطا من انجازات نوارة الأدب الجزائري أحلام مستغانمي التي أحمل لها مكانة خاصة في قلبي فلقد جمعتني بها علاقة إنسانية جميلة تعود إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي وحتى أنني وقتها كتبت مقالا نشرته في جريدة صوت الأحرار يحمل عنوان " أحلام وهوية قارئة" وعلاقتي بأحلام لا تزال لحد الآن وان تباعدت بسبب الجغرافيا وظروف الحياة إلا أن تواصلنا مستمر ، فأحلام لم تقصر في اطمئنانها علي أثناء الفترة العصيبة التي بدأت بها ثورة 25 يناير المصرية . وأحلام من بين الكتاب الرائعين الذين شجعوني ووقفوا إلى جانبي كثيرا لمواصلة الكتابة الأدبية وتحمل مشقة الإبداع وعراقيله المختلفة ،ولذلك أجد أنه ليس عيبا أن أتتلمذ على أيدي وخبرات كتاب سبقوني وان أشق طريقي الإبداعي الشخصي بالعمل الدؤوب والمستمر وخلق توقيعي الخاص. ما طعم الغربة لدى كاتب يدفع ثمن إقامته و هويته وماذا أضافت لندى مهري ؟ الغربة وحدها الغربة تغتالنا مرارا ، مرة لفقداننا الوطن ، ومرة لفقداننا الأحبة ، ومرة لفقداننا الحلم الذي جئنا لأجله،عندما تكون بعيدا عن وطنك يجب أن تعرف أين تضع قدميك وأي طريق تختار ، يجب أن تتحلى بالفراسة والى من تفتح قلبك لأنك لا تدري من القادم إليه ، الغربة هزائمها كثيرة ويومية إذا عشت غريبا عن وطنك فأنت تدفع ثمن إقامتك من دمك من عمرك من عرقك من هويتك من أشياء تتنازل عنها لحظيا، وأشياء تتأثر بها وفق معطيات وطنك البديل وما يمر به من ظروف .أما فيما يتعلق بالانفجار الإبداعي فهناك أرض تحييه وهناك أرض تميته وهناك أرض تجهزه للولوج والانبتات في مكان آخر وهذا ما حصل لي، ففي الجزائر كنت ملغمة بإرهاصات الكتابة ونشرت بعض كتاباتي وأشعاري وخواطري في بعض الصحف ولكن الكتابة الكبرى تأسست خارج الوطن ربما لتوسع أدواتي المعرفية والابداعية من خلال تجارب أخرى وجديدة ،ربما لهدوئي من عنفواني الغاضب من الجزائر وقتها وما كانت تمر به من أوقات شرسة وأحيانا أتساءل ومع مرور كل هذه السنوات لما بقيت لصيقة ووفية لحقبة الموت في الجزائر فحسب ، ولا أنسى أيضا دور الحركة الثقافية الهائلة التي تميز بها هذا البلد الذي استضافني بمحبة. رغم أن سكيكدة مسقط راسك و عنابة احتضنت مسارك العلمي ؟إلا أن قسنطينة كما عبرت عنها في لقاءاتك الصحفية أنها ملكت جوارحك و مشاعرك ؟ما سر هذا العشق ؟ لدرجة كتبت عنها مقالا تحت عنوان غربة امرأة تعشق مدينة؟ أحيانا أحن إلى مدن لم أزرها بعد ، ووجوه أحبة لم التقيها بعد ، فما بالك بمدينة لها أكثر من أثر في روحي كقسنطينة سيدة الجسور ويبدو أن التعلق بمدينة أو هيأة مدينة تزداد عندما تكون بعيدا عنها حيث تراها بشكل مختلف وحميم فلنقل تستحضرها في قالب خيالي ورومانسي لأن هذا القالب يأتي من مسامات الروح و تهندسها الأبجدية، ولأننا أدمنا فكرة التعلق "بالمفقود أكثر من الموجود" هكذا هي علاقتي بقسنطينة ، أحب هذه المدينة وكلما زرت الجزائر أحرص على زيارتها أحب ثقافتها وتراثها وجسورها الرائعة الشاهدة على حضارة غافية في واد الرمال ،ولي أيضا علاقات صداقة حقيقية بمدن أخرى.