وكأنّ الاضطرابات التي تشهدها مصر وتونس وليبيا وأفريقيا الوسطى ونيجيريا غير كافية، حتّى تفجّرت بؤرة توتّر جديدة في دولة جنوب السودان الفتية، التي تعيش هذه الأيام مقدّمات حرب أهلية تنذر برهن حلم السودانيين الجنوبيين في تشكيل دولة تسع أحلامهم الكبيرة في الاستقرار والرّفاهية والديمقراطية... قبل أيّام، أمضى السودانيون ليلة بيضاء تحت وقع الرّصاص والتفجيرات، ولم يستوعبوا ما يجري إلا في اليوم الموالي عندما أطلّ الرئيس سلفاكير وهو يرتدي بزّته العسكرية، ليعلن عن إفشال محاولة انقلاب قادها ضدّه نائبه السّابق "رياك مشار"، الذي سارع إلى نفي الخبر واتّهم الرئيس في المقابل بمحاولة صرف الانتباه عن فشله في تحقيق تطلّعات الشعب ودعاه للاستقالة. ورغم الغموض الذي يكتنف حقيقة ما يجري في دولة جنوب السودان، التي تأسست رسميا في جويلة 2011، خاصة ما تعلّق بمسألة محاولة الإنقلاب، فإن الكثير من المراقبين الذين يخشون انزلاق الوضع إلى حرب أهلية، يقولون إن ما تعيشه هذه الدولة لا يمكن اعتباره مفاجئا، لاعتقادهم الشديد بأن السّودان الجنوبي ولد دولة هشة وضعيفة تفتقد لمقوّمات الحياة والتطوّر، فقاعدتها الاقتصادية منعدمة ومؤسساتها السياسية رخوة، أما تماسكها الاجتماعي الذي يمكّنها من تحقيق الاستقرار فغائب تماما، مقابل تنامي الروح القبلية والعرقية. هؤلاء المراقبون، يعتقدون بأن ما تعيشه دولة جنوب السودان من اضطرابات واقتتال بدأ يحصد مئات القتلى ويتسبّب في نزوح الآلاف، كان منتظرا، نتيجة إخفاق الحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الحاكم) في تحقيق التوازن القبلي، وفي إدارة الانقسامات القبلية التي أنتجت صراعات سياسية قادت إلى الانفجار الذي يرهن أمن ووحدة البلاد هذه الأيام. ومن هذا المنطلق، يرجع هؤلاء أصل الصّراع الذي يلقي بظلاله السّوداء على جنوب السودان، إلى العداوات القبلية طويلة الأمد بين قبيلة "الدينكا"، التي ينحدر منها الرئيس سلفاكير وهي الأكثر تعدادا، وقبلية "النوير" التي ينتمي إليها نائبه السابق "رياك مشار". وتعود المنافسة بين "كير" و«مشار" إلى سنوات الحرب الأهلية داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان، ففي عام 1991، حاول "مشار"، دون جدوى، الإطاحة بالقيادة التاريخية للجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي كان يحارب النظام في الخرطوم وكان سلفاكير ضمن هذه القيادة التي كان يرأسها الراحل "جون قرنق". وانشق "مشار" عن حركة التمرد الجنوبية (الجيش الشعبي لتحرير السودان) لينضمّ في وقت ما مع قوّاته إلى جيش الخرطوم والذي كان جيشا عدوّا في ذلك الوقت، قبل أن يعود من جديد إلى صفوف الجيش الجنوبي مطلع الألفية. وبحسب ما تؤكده عديد المصادر، فإن فصيل "مشار"، الذي كان يضمّ مقاتلين من قبيلة "النوير" التي ينتمي إليها، قام عام 1991 بقتل نحو 2000 مدني من قبائل "الدينكا" في مدينة بور. ومن خلال هذه التأكيدات، يتجلّى واضحا بأن أصل النّزاع الدّموي الجاري في جنوب السّودان يقوم في الأساس على تراكمات عرقية قديمة، يبدو أنّها طفت مجدّدا على السّطح لتدخل الدولة الجديدة في متاهة من التحدّيات الأمنية التي تفوق قدراتها وإمكاناتها على المواجهة. أصل الصراع أسباب الاضطرابات التي تعيشها دولة السودان كثيرة، أهمّها، كما سبق ذكره، النّزاعات العرقية التي انعكست حتى على الجيش المبني هو الآخر على عنصر القبيلة، ثم مشاكل الفساد وسوء الإدارة، والصّراعات السياسية، ليضاف إليها حظر تصدير النفط الذي يعتبر مصدر الثروة الأساسي بسبب خلاف مع الخرطوم، الأمر الذي ضاعف التضييق على أحوال الناس ودفع الحكومة في جوبا إلى اتباع إجراءات تقشفية خلقت حالة من التذمّر لدى الشعب الذي وجد نفسه بدل أن يحصد ثمار الانفصال أو الاستقلال، كما يسمّيه، يجني الأشواك. ويبقى السبب المباشر، على ما يبدو، الذى حرّك "رياك مشار" لمحاولة الانقلاب على الرئيس "سلفاكير"، هو إقالته من منصبه كنائب للرئيس في جويلة الماضي، بمبرّر تحسين أداء الحكومة ومكافحة الفساد، لكن "مشار" وبعض مؤيّديه وأتباعه اعتبروا الإقالة مسعى من الرئيس لتصفية معارضيه، تمهيدا لإعادة انتخابه عام 2015، واتهموه بتعيين مقرّبيه المنتمين لقبيلته في المناصب الحكومية. وأيّا كانت الأسباب التي أشعلت النيران التي بدأت تلتهم أمن السودان الجنوبي، فالمؤكّد أن الخاسر الأكبر هو المواطن السوداني المغلوب على أمره الذي أمضى عقودا طويلة في حروب لامتناهية، ولما حقّق حلمه في الانفصال وتكوين دولته المستقلة، ها هو يعود إلى دوّامة الحرب والاقتتال. فإلى أين يسير الوضع بجنوب السّودان؟ وهل من طرف ثالث يُبعد شبح الحرب الأهلية؟. بطاقة تعريف تقع جمهورية جنوب السودان شرق أفريقيا، يحدها من الشمال السودان ومن الشرق اثيوبيا ومن الجنوب الشرقي كينيا ومن الجنوبالكونغو الديمقراطية ومن الغرب افريقيا الوسطى. العاصمة: جوبا وهي أكبر مدينة في البلاد. اللغة الرسمية: الانجليزية. مجموعات عرقية: الدينكا - الشلك - النوير - الزاندي. تسمية السكان: جنوبيون. نظام الحكم: جمهورية رئاسية ديمقراطية فدرالية. الرئيس: سيلفاكير ميارديت. الاستقلال عن حكومة السودان: في 9 جويلية 2011. المساحة: 619,745 كم2. السكان : 10ملايين نسمة. العملة: جنيه جنوب سوداني. الثروات: تمتاز جمهورية جنوب السودان بأنها منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ويعتبر البترول من أهم الصادرات، حيث تتركز فيها ما نسبته 85% من احتياطي السودان الموحد. وتتركز الثروة البترولية والمعادن في مناطق النوير(بانتيو) والدينكا. مع ذلك، مصدر الدخل الرئيسي لأغلب السكان هو زراعة الكفاف، ويعيش أكثر من نصف سكان جنوب السودان في فقر مدقع.