لم تتمكن المصالح الإدارية بولاية تيبازة من مواكبة مقتضيات التعليمات الرسمية المتعلقة بترقية الخدمة العمومية لاعتبارات عديدة، تأتي في مقدمتها إشكالية نقص الإمكانات المادية وقلة الموارد البشرية، ناهيك عن محدودية تكوينها. ويبقى العائق الأكبر، الذي أضحى يؤرق القائمين على العملية، هو تحجر بعض الذهنيات وعدم جاهزيتها للتأقلم مع متطلبات المرحلة. فإذا كانت مصلحة الحالة المدنية بالبلدية تعتبر الواجهة الرئيسية لتنفيذ مقتضيات الخدمة العمومية، فإن معظم بلديات الولاية أنهت رقمنة سجلات الميلاد دون سواها، ومن ثمّ فإن معظم البلديات أضحت تستخرج شهادات الميلاد باستعمال أجهزة الإعلام الآلي، الأمر الذي يختصر كثيرا من الوقت ويوفر كمّا كبيرا من الجهد ويجنّب قدرا وفيرا من الزحام والفوضى، فيما تبقى الوثائق الأخرى، على اختلاف استعمالاتها، تستخرج بالطريقة التقليدية عن طريق الكتابة اليدوية، الأمر الذي يعرضها للكثير من الأخطاء وهي الأخطاء التي أدت في كثير من الحالات إلى مناوشان كلامية حادة ما بين طالبي الوثائق وأعوان الحالة المدنية، غير أنّ ذلك لا يعني مواكبة مجمل البلديات لهذا التطور المرحلي في هذه المصلحة، إذ نجد بلدية فوكة مثلا والتي تعتبر من بين أكبر بلديات الولاية لاتزال تقدم مجمل الوثائق الإدارية عن طريق الكتابة اليدوية، كما أنّ شباك التصديق على الوثائق بها يشهد يوميا زحاما لا يطاق وتوافد أعداد كبيرة من طالبي خدمة الوثائق، الأمر الذي يستغله بعض المنحرفين للإيقاع بضحاياهم، بحيث فقد أحد رواد المصلحة مؤخرا 26 ألف دينار من جيبه بمحاذاة ذات الشباك الذي لايزال يعمل بطريقة جد تقليدية لا تحترم فيه الأولويات ولا تقدر فيه ظروف توافد طالبي الوثائق. وبالنظر إلى انعكاس الأمور سلبا على العلاقة الطبيعية التي تربط عمال مصلحة الحالة المدنية بطالبي الوثائق، فقد طالب عديد المهتمين بالموضوع بإعادة رسكلة عمال البلديات وفق ما تقتضيه المرحلة الجديدة أو دعمهم بوسائل بشرية إضافية من خريجي الجامعات، بما يسمح لهم رفع قدراتهم التعاملية مع زبائن المصلحة، حيث لا يقتصر الجانب السلبي للعمال حاليا على الأخطاء والهفوات المسجلة بالوثائق المحررة، وإنما يتجاوز ذلك إلى حد التلفظ بكلمات لا تليق بالموقع ولا يتقبلها الزبون إطلاقا، ومن ثمّ فإنّ مسألة تكوين عمال المصلحة أضحى أمرا مفروغا منه ولا يحتاج الى تأجيل، مع الإشارة إلى أنّ اللجنة الولائية المكلفة بمتابعة تطبيق تعليمات الخدمة العمومية باشرت عملها منذ تنصيبها في جوان الفارط وسطرت برنامج عمل ميدانيا يرتبط بذات العملية من خلال تنفيذ جملة من الإجراءات الميدانية الهادفة إلى تقريب الإدارة من المواطن وتخفيف الملفات الإدارية من خلال خفض عدد الوثائق المطلوبة بها وتم مؤخرا فتح عديد الملحقات الادارية تمشيا مع متطلبات العملية، كما تم نزع الشباك الزجاجي الفاصل بين العمال وطالبي الوثائق، إضافة إلى اعتماد الفترات الجديدة لصلاحية بعض الوثائق كشهادة الميلاد وجواز السفر، كما أكّد عضو من ذات اللجنة أن استخراج جواز السفر العادي لا يستغرق حاليا أكثر من يومين ولا تتجاوز فترة استخراج جواز السفر البيومتري أكثر من ثلاثة أسابيع وهي فترات مقلصة إلى حد كبير مقارنة بالفترات السابقة. مناصر: بلدية مختلطة وفاقدة للإمكانات تعتبر بلدية مناصر بجنوب ولاية تيبازة، من بين تلك التي تشهد توافدا كبيرا لطالبي الوثائق، بالرغم من كونها تقع في منطقة نائية وشبه جبلية. ويرجع الأمر في ذلك، إلى كونها كانت مختلطة في العهد الاستعماري حين كانت عاصمة إدارية لمعظم النواحي الغربية لولاية تيبازة وكان جلّ المواليد الجدد يسجلون بها طيلة فترة عقود من الزمن، ومن ثمّ فإنّ طلب شهادات الميلاد رقم 12 لهؤلاء يقتضي المرور بذات البلدية لاستخراجها، الأمر الذي يرهق سكان بلديات الجهة الغربية الذين يجبرون من حين لآخر على استقدام شهادات ميلاد آبائهم لاستكمال وثائقهم ومن ثمّ فقد طالب العديد منهم نقل أرشيف ذات البلدية إلى معظم البلديات الغربية لاستغلاله محليا. وبالنظر إلى كون ذات العملية ليست بالأمر الهيّن تجسيدها على أرض الواقع، فإنّ سكان الجهة الغربية لايزالون يعلقوم آمالا كبيرة على رقمنة الأرشيف والتواصل مع البلديات الغربية تكنولوجيا، لتمكين سكانها من الحصول على وثائقهم دون التنقل إلى مناصر. وبالرغم من كون بلدية مناصر قد خصصت شباكا خاصا بهؤلاء، إلا أنّ توافد العديد من طالبي شهادات الميلاد خلال المناسبات الاجتماعية والانتخابية والمهنية والدراسية، يشكل عبئا كبيرا على عمال المصلحة من جهة، وعلى طالبي الشهادات من جهة أخرى.