إنّها واحدة ممّن تحلّين بالشجاعة والصمود، ولبّين سنة 1956 نداء إضراب الطلبة التاريخي وعمرها لا يتعدى 17 سنة، فالتحقت بصفوف ثورة التحرير المجيدة للذود عن الوطن، بتشجيع كبير من والدها، فتلقّت تكوينا عسكريا وسياسيا واستعلاماتيا، وكذا طبيا مكثّفا. وصارت عضوة في وزارة التسليح والاستعلامات العامة التابعة للثورة التحريرية، والتقت بالعديد من قادة الثورة، وصارت عين الثورة وممرّضتها بمنطقة بني صاف وضواحيها. تعترف المجاهدة سنوسي لعوالي فريدة أنّ وطنية الوالد كانت المحطة الأولى التي تلقّت منها دروس الدفاع عن الحرية والذود عن الوطن، فكان لا يتردّد حتى أمام المستعمر ليدافع عن الجزائر حتى وإن كلّفه ذلك حرمانه الترقية في عمله ودحرجته من رتبته، ويحذّرهم من الوثوق في المستعمر. جاء تعليم المجاهدة في البداية مزدوجا بين المدرسة الفرنسية والمدرسة الحرة لجمعية العلماء المسلمين، وبعد ذلك تنقّلت من تلمسان إلى العاصمة لتواصل تعليمها في المدرسة الفرنسية الإسلامية التي استحدثت ما بين سنتي 1952 و1953. وبحكم أنّ العديد من زميلات الدراسة بالعاصمة لهنّ إخوة يدرسن بثانوية بن عكنون، كنّ على علم بالإضراب واستجبن له، واضطرت العودة إلى مسقط رأسها بولاية تلمسان، لكنها تفاجأت بأنّ الأوضاع كانت جدّ رديئة بعد استشهاد الطبيب بن زرجب، وتصاعد على إثر ذلك الغضب الشعبي في الأزقة وعبر الشوارع بعد خروج الطلبة ينتفضون، احتجاجا على مقتل الطبيب لمدة ثلاثة أيام كاملة. وأكّدت المجاهدة أنّها كانت على اتّصال بعائلة صحراوي، وأما الطلبة عقب إضرابهم كانوا يبحثون عن تشكيل خلية لمساندة ثورة التحرير المجيدة. ولن تنسى ذلك اليوم الصيفي في شهر جويلية من سنة 1956 عندما طرق شخص باب منزلهم، وأخبرها شقيقها الأصغر أنّ أحدهم بالباب يسأل عنها، ولما استقبلته منحها رسالة لزميلة لها بالثانوية، تضمّنت وصيتها بالثقة في المرسل إليها، وبعد قراءة الرسالة كشف هويته وأخبرها بأنّه مبعوث من جيش وجبهة التحرير من أجل التحاق الطلبة بالثورة، وطلبت منه مهلة لإخبار والدها فأمهلها مدة أسبوع. اغتنمت فرصة وجود الأم والإخوة على سطح المنزل، وعقب عودة الوالد من المسجد أخبرته. في البداية قالت أنّ أنفاسه انقطعت ودهشته ارتفعت على محياه مستغرقا في التفكير، لكن سرعان ما أثلج صدرها عندما أطلق عبارته: «إنّ حب الوطن من الإيمان، ولن أمنعك من أداء الواجب، فكوني دوما في الصفوف الأمامية». وذكرت المجاهدة سنوسي أنّها خرجت يومها مع الشهيدة عويشة حاج سليمان التي كانت تذرف دموع فراق العائلة، لأنّها كانت الأصغر سنا، وتنقّلتا عبر القطار، وتوجّهتا نحو مغنية، ثم ندرومة وواجه الفريق الذي كانتا تسيران رفقته معركة «تلاوسن»، فالرصاص يندفع من كل جانب والطائرات في السماء تقنبل إلى غاية الالتحاق بمركز الشهيد حمصالي، الذي طلب منهما إعداد تقرير يتضمّن كل كبيرة وصغيرة منذ انطلاقهما نحو المركز. وواصلت المجاهدة سرد ما بقي عالقا بذاكرتها الثورية قائلة بأنّها اتّجهت بصحبة رفيقتها إلى منزل كبير التقت فيه بنحو 12 فتاة أعمارهن تتراوح ما بين 14 و16 سنة، وأكبرهن تدعى فاطمة تبلغ من العمر 23 سنة، وطلب منهما الإشراف على عملية تدريسهن. وبعد انقضاء مدة شهران، انتقلت برفقة عويشة وفاطمة نحو منطقة «بركان» لدى عائلة بوعبد الله ثم إلى مستشفى الثورة لدى طبيب جراح يدعى سعيد، للتدرب على مهنة التمريض عن طريق تلقي الدروس النظرية والتطبيقية في بيت كبير يوجد به العديد من المجاهدين المجروحين لمدة شهر ونصف. والمحطة الأخرى التي عبرتها المجاهدة التنقل إلى بيت سي عمر الغربي، حيث كان بالمنزل البطل بوصوف ومقران بلباس مدني لم تتعرّف عليه في البداية، وأمطرهم القائد بوصوف المكنى ب «سي مبروك» بالأسئلة، وأخبرهم بجميع المخاطر التي ستصادفهم في الجبال وفي مسار كفاحهم، لكنهن بقين متمسّكات بخيار الكفاح، فحسم الأمر وطلب منهن الاستيقاظ في السادسة صباحا وكان الفريق المدرب يضم 8 شباب و8 فتيات، وعكفوا على تدريبهم على السلاح وطريقة التخطيط للكمائن وكيفية الخروج منها، وحيل الهجوم على مراكز العدو. توجّهت المجاهدة وعضوة «المالغ» لعوالي عقب التدريب نحو المنطقة الثانية للولاية الخامسة، أي من حدود بني صاف إلى منطقة سيق كمراقبة، تقف على كل احتياجات الثورة والشعب وعلاقاتهما ببعضهما البعض تحت قيادة بوعناني عبد الكريم المدعو «مرباح». وتتذكّر المجاهدة جيدا ذلك اللقاء الذي اختبر فيه البطل القائد عبان رمضان شجاعتها، حيث عادت من مهمة خارجية، فالتقت بشخص طويل القامة وجهه مصاب بعدة خدوش، وبعد إلقائها السلام أمرها بالدخول دون خوف وكان رفقة 5 مجاهدين وقائد المنطقة مرباح وأبو الفتح المختص بالتحويلات والقائد سعد دحلب، وقدّمها سي مرباح على أنها إحدى المراقبات، وعندها نطق عبان رمضان ليختبر ردة فعلها وشجاعتها: «أتعتمدون على الصغار في مراقبة الثورة؟، فردت عليه بأنّ حب الوطن لديها قوي وهذا ما يهم. ولما لمح بأنّها غضبت التحق بها في الساحة وحياها على شجاعتها، وطلب منها بأن تجهر برأيها دون أن تخاف من أحد ومواصلة كفاحها وتضحيتها من أجل الوطن بذات الصمود والثقة في النفس. وبخصوص الدّور الذي لعبته المرأة في ثورة التحرير المجيدة، أوضحت بأنّه دعّم كثيرا كفاح الرجل وكانت سنده الحقيقي في أحلك الظّروف.