انتهت سنة 2008 تاركة بصمات كبرى على الجزائر التي تسابق الزمن من أجل الخروج من تداعيات المأساة الوطنية بأسرع ما يمكن، قوية بالمصالحة والتضامن والألفة. ويمكن القول أنها كانت سنة الانفتاح الاقتصادي للجزائر، وهو انفتاح قررته بتأن وبعد النظر بعيدا عن الارتجالية والتسرع الذي لا طائلة منه. ويترجم هذا الانفتاح القرار الحاسم في الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة والالتحاق بالدول ال 19 العضو في هذا الفضاء المعول عليه رفع التبادل البيني بين العرب الهزيل إلى درجة لا تبعث على الارتياح يعاكس مضمون العمل المشترك المشدد عليه في كل القمم بلا استثناء. وحسم رئيس الجمهورية في قمة الرياض 2007 حالة التردد والانتظار بالتأكيد الصريح لانضمام الجزائر إلى الصرح التجاري العربي الذي أنشئ أربع سنوات مضت، والانخراط فيه مرهون بالاندماج في البرنامج التنفيذي، ولم يعد مقبولا أن تبقى الجزائر خارج الإطار إلى جانب جزر القمر وجيبوتي والصومال، في وقت تعرف اقتصاديات البلدان العربية الأخرى العضوة الانتعاش والارتقاء والتوسع وتحقق الإيرادات، مستفيدة من سقوط الاعباء الجمركية والاكراهات الجبائية. ويجب الاعتراف بأن انضمام الجزائر إلى المنطقة العربية للتجارة الحرة الذي يبدأ عمليا في جانفي ,2009 تقرر بعد تسوية مشكل قواعد المنشأ التي عرفت الجدل الساخن في كل الدورات واللقاءات، وكشفت الخلافات العميقة بين مختلف الأطراف العربية التي لم تكن من السهولة بما كان تجاوزها في وقت تتقارب فيه الوحدات الأخرى غير العربية وتحقق الرواج لفرض الوجود في محيط يغلي بالمنافسة، ويفرض النجاعة والجودة، وتنفيذا لالتزام الانضمام إلى المنطقة العربية الحرة حولت الجزائر الملف إلى الجامعة العربية لإيداع البرنامج التنفيذي بهذه المسألة الحيوية للاقتصاد الوطني الذي يبحث بشق الأنفس على تنوع مصدره وإيراداته وكسر الاتكالية على المحروقات، وهي إشكالية كبرى وتحد للجزائر التي تريد تأمين السيادة والقرار الوطني دون الإبقاء أسيرة أبدية للبترول وما يحمله من إخطار على تمويل البرامج والمشاريع في حالة انهيار الأسعار والأزمات والطوارئ. ومع ذلك يواجه انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة العربية الحرة انتقادات من شتى الجهات، وتعود الحملة المركزة على هذا الانضمام، بالترويج العلني إلى أخطار وهمية سوقت بلا انقطاع أثناء اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وكالعادة يكثر الكلام عن عدم استعداد المؤسسات الوطنية للمنافسة العربية وعدم التسلح بالتأهيل اللازم. ويكثر الكلام عن سقوط المؤسسات الحتمي في الإفلاس بسبب نقص التحضير أو انعدامه بالمرة، وهي مخاوف لم يؤكدها الواقع غداة تجسيد اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ثم هل المؤسسات العربية أقوى تنافسية وخطرا من الأوروبية التي تقتحم الجزائر بغزارة غير معهودة منذ أربع سنوات تقريبا تاريخ دخول اتفاق الشراكة مع أوروبا حيز التنفيذ . والى جانب المنطقة العربية، هناك ملفات أخرى عن الانفتاح الاقتصادي الجزائري، تراهن عليها البلاد في تعزيز موقعها بمحيط دولي سريع التغيير والتحول، زادت من وتيرته الأزمة العالمية الراهنة. وتدور محاور الملفات محل العرض والمناقشة حول المفاوضات مع الجمعية الأوروبية للتبادل الحر من أجل اتفاق تجاري في هذا الشأن، إبرام اتفاق التجارة التفاضلي مع تونس، المفاوضات حول اتفاق تجاري مع الاتحاد الاقتصادي لبلدان غرب إفريقيا. وعن الملف الأول، أكدت الجزائر أكثر من مرة جدوى الاتفاق التجاري للتبادل الحر مع الجمعية الأوروبية التي أنشئت عام ,1960 وتضم إلى جانب سويسرا، أيسلندا، النرويج ، ليشنشتاين. وذكرت بهذه المسألة الهامة أثناء المفاوضات مع الأطراف العضوة في المنطقة، آخرها مع رئيسة الدائرة الفيدرالية للاقتصاد السويسري السيدة دوريس لوتهارد حيث شدد على جانب المساعدة التقنية المنتظرة من الجمعية الأوروبية للتبادل الحر وخاصة من الجانب السويسري. وكان تأكيد الطرف الجزائري بصفة استثنائية على الإرادة الراسخة بالإضافة إلى تحريك عجلة التجارة البينية وتوسيعها مع تشجيع المتعاملين الاقتصاديين وتفعيل تطبيق الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين وخاصة منها اتفاقيتي التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات وعدم الازدواج الضريبي. ونفس الأهمية معطاة إلى اتفاق التجارة التفاضلي مع تونس البلد المجاور الذي تربطه بالجزائر علاقات حسن الجوار والتعاون على أكثر من صعيد، دون نسيان الروابط مع بلدان غرب إفريقيا الممتدة في أعماق التاريخ، وهي روابط تعزز المفاوضات حول الاتفاق التجاري محل الرعاية. وبنفس الأهمية أيضا، ينظر إلى انضمام الجزائر لمنظمة التجارة العالمية، لكن برفض التنازل الكلي عن أشياء تعتبرها مقدسة لا تقبل المساس كسعر الغاز الداخلي واستيراد السيارات لأقل من ثلاث سنوات من الصنع والعقار الصناعي وأشياء أخرى مدرجة في الانشغالات الموجهة للبلاد وعددها 96 سؤالا . ------------------------------------------------------------------------