وقعت الجزائر مؤخرا اتفاق التبادل الحر مع الدول العربية، الذي بعد الاتفاق من أجل منطقة التبادل الحر الموقع مع الاتحاد الأوروبي، فضلا عن وجود محاولات جادة للإنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة والتي لم تنجح على الرغم من وجود تنازلات حقيقية يبدو أنها لم ترق المنظمة وأعضاءها. * ان الجزائر تواصل تعريض اقتصادها للانفتاح التجاري رغم المقاومة المعبر عنها من قبل رؤساء المؤسسات العمومية ونظرائهم من القطاع الخاص. * هل يحتاج الإقتصاد الجزائري وهو محل إعادة هيكلة بعد 15 سنة من الهزات العنيفة المتواصلة من جراء غياب التمويل الكافي وبرامج التعديل الهيكلي وعمليات التخريب من طرف الإرهابيين إلى المزيد من الانفتاح التجاري وتعريض المؤسسات الوطنية غير القادرة على المنافسة إلى تهديدات جدية بالغلق؟ * وبعد كل النقاط السابق ذكرها أقدمت الحكومة مرة أخرى على اجراءات غير حمائية للاقتصاد الوطني في هيكله الحالي، وهي التي لم تمارس أي اجراءات حمائية من قبل، لأن الانغلاق على الذات في الاقتصاد لا يمنح أي رؤية مستقبلية. * إن الفرصة مواتية جدا للعودة إلى التاريخ الاقتصادي للتنمية، وإلى النظرية الاقتصادية، من أجل تقدير دقيق لهذه الخطوة المتمثلة في هذا الانفتاح التجاري المنتهج من قبل الجزائر، على الرغم من أن الأصح هو العمل على الحد من سياسات الانفتاح من قبل حكومات الجنوب بشكل عام. * لقد خلص مؤلف مشترك من قبل صاحب نوبل للاقتصاد، جوزيف ستيغلتز، بمشاركة الاقتصادي أندرو شارلتون بعنوان "من أجل تجارة عالمية عادلة" صادر عن دار النشر الأفق الجديد سنة 2007، إلى جملة من النقاط يمكن أن تجمل في مايلي: * 1 إن تحرير التجارة الدولية يمكن أن يكون قوة إيجابية لتنمية بلدان الجنوب. * 2 على دول الجنوب على غرار ما قامت به الدول المتطورة خلال مراحل تصنيعها، أن تقوم بالتحضير الجدي للانفتاح التجاري لإقتصاداتها. * 3 "علمنا التاريخ أيضا أن الدول الغنية اليوم، لم تكن تنميتها على أساس سياسات تجارية ليبرالية، بل العكس، لقد طورت نفسها في ظل سياسات حمائية"، يقول جوزيف ستيغلتز. * إن أي عملية انفتاح تجارية غير مدروسة بطريقة جيدة بالنسبة لبلدان الجنوب سيكون لها انعكاسات مدمرة. يجب الإشارة أولا، إلى الخسائر التي ستتكبدها موارد الموازنات في هذا البلدان، كنتيجة مباشرة لإلغاء التعريفات الجمركية والتي تمثل 30 بالمائة من موارد الميزانية في دول الجنوب مقابل 1 بالمئة في الدول المتطورة. * بالنسبة لدولة مثل الجزائر، فقد تسبب الانفتاح التجاري في خسارة 100 مليار دج من موارد الميزانية سنويا، وكشفت دراسات أخرى إن الاقتصاديات المغاربية تزايدت خسائرها من جراء الانفتاح واتفاقات الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة في بعض القطاعات الحساسة ومنها قطاع الصناعات الغذائية الذي سيخسر 77 بالمئة بعد الانتهاء من تفكيك التعريفة الجمركية بشكل نهائي، وهي التي كانت تغطي 83 بالمائة من السوق الداخلية في الدول المغاربية التي ستلتهم بشكل شبه نهائي من قبل الصادرات الأوروبية التي انتقلت من 31 بالمئة إلى 57 بالمئة بفضل انخفاض التعريفة الجمركية بنسبة 50 بالمئة. * ويؤكد الباحثون في مركز الدراسات الاستشرافية والمعلومات الدولية الفرنسي أن "انفتاح الدول المتطورة والدول الناشئة، هو انفتاح مرحلي، أما النقاش حول إلغاء الحماية الجمركية لبلدان الجنوب، فهي أبعد ما تكون في الواقع"، ويضيف هؤلاء الباحثين أن "الكثير من البلدان الناشئة وخاصة في أسيا من الذين سجلوا نتائج باهرة في المجال الاقتصادي، فإن تلك البلدان لم تسارع لفتح أسواقها الداخلية إلا بعد أن سجلت صادراتها من السلع مستويات متقدمة جدا، وبعد أن تعززت تشريعاتها". * يمكن أن نلخص كل الملاحظات الصادرة عن المختصين السابق الإشارة إليهم أن التجارة العالمية الحالية غير عادلة وهي ليست في صالح تنمية بلدان الجنوب. إن منافع الانفتاح التجاري والمالي لا يمكن أن يكون سوى بعد الوصول إلى مستوى معين من التنمية، وهذا المستوى لا يمكن إدراكه إلا من خلال انتهاج سياسات هيكلية وإصلاحات مؤسساتية والتزام حقيقي من قبل الدولة في هذه المجالات. * إن النقاط التي سبقت الإشارة إليها صالحة تماما بالنسبة للجزائر، خاصة وأن التنمية الاقتصادية هي الشغل الشاغل لواضعي السياسات. * * ترجمة عبدالوهاب بوكروح *