إسرائيل تناور بهدنة مرتقبة في عيد الفطر المبارك وتواصل الاستيطان يفتح السفير الفلسطيني في الجزائر، الدكتور لؤي عيسى، قلبه لجريدة «الشعب» ليحكي عن الجرح النازف بقطاع غزة خاصة وبفلسطين عامة، مؤكدا أن ما يجري اليوم في القطاع من عدوان همجي على شعب أعزل ومسالم، هو محاولة لإجهاض عملية الوفاق الوطني، وتهرب إسرائيلي من عملية السلام، مبديا تفاؤلا بالمبادرات العربية والأجنبية التي تم إطلاقها للتوصل إلى وقف إطلاق النار. ❊ الشعب: يصاحب تأزم الوضع في غزة اليوم سلسلة من المساعي الدولية والعربية للتوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، ما هي حظوظ هذه المبادرات، وهل ستنجح برأيكم؟ ❊❊ قبل الإجابة عن سؤالكم، اسمحولي بالتعبير عن فرحتي للتعامل مع جريدة «الشعب» التي تمثل رمزا للثورة الجزائرية التي عايشناها في صغرنا وتعلمنا منها الكثير من المبادئ والمفاهيم، التي بفضلها مازالت الجزائر تلعب دورها التاريخي في محاربة الاستعمار، ومنع التوغل الإسرائيلي في إفريقيا وتساند حق الشعوب في التحرر. كما نشكر ما يقوم به فارس الدبلوماسية الجزائري رمطان لعمامرة لصالح شعوب إفريقيا، ونعتز ونفتخر بالتجربة الجزائرية في الحفاظ على وحدة الشعوب وحماية الدول من التفتت. ونأمل أن نستطيع اليوم، تحقيق كل مفاهيم ثورة التحرير الجزائرية التي نعتبرها توأما للثورة الفلسطينية، وأن نحقق أرضية للعدالة والمساواة والحرية في ظل عالم ظالم ومتجبر، كما أننا لا نعتبر أنفسنا ممثلين لسفارة في هذا البلد، لأن كل من يعيش فيه هو بمثابة سفير لفلسطين. كنت أتمنّى أن نتكلم عن المساعي الدولية من أجل حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وحريته وسلامته، وأن نتكلم عن إيقاف عملية الاستيطان للكيان الصهيوني وتهرّبه من التزاماته لإتمام عملية المفاوضات التي تضمنها الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن للأسف اضطررنا لبحث سبل هدنة لحقن الدم ونعتبر أن كل الدم المهدور والموتى والجرحى والشهداء وما يجري في فلسطين يهون في سبيل تحرير الوطن، وهو جزء من مخطط مساعينا لاسترجاع أرضنا. واليوم المساعي التي يقوم بها الرئيس الفلسطيني محمد عباس «أبو مازن» على العديد من الجبهات، تصبّ قطعا في التوصل إلى تهدئة تخدم مصالح أهل قطاع غزة، فقد طرحت العديد من المبادرات، منها المبادرة المصرية وهناك ما سمي بالمبادرة التركية والقطرية، وكنا نتمنّى أن تتوحد على الأقل الجهود العربية والدولية لتقديم المبادرات اللازمة لصالح الشعب الفلسطيني واستعادة أرضه، ولكن للأسف هذا لم يتحقق. نحن نسعى وبدون أي موقف من أحد للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والتحرك المكوكي للرئيس ولقاءه مع الفصائل الفلسطينية ووزيري الخارجية الفرنسي والياباني، وممثلي هيئة الأممالمتحدة وطلبه حماية الشعب الفلسطيني دليل على ذلك. وقد قال موسى أبو مرزوق، أحد قياديي حركة حماس، بحسب ما أوردته الصحف، إن الحركة لم ترفض المبادرة المصرية ولا يوجد قيادي في الحركة يريد تجاوز مصر. ونعتبر أن المبادرة إيجابية، غير أننا نأسف أنها تخص غزة والدم النازف فيها، ولا تشمل الاستيطان والاجتياح الإسرائيلي المتواصلين بالقدس ومناطق أخرى من فلسطين. نحن معنيون بالمبادرة المصرية، لأن علاقتنا مع مصر قوية ووطيدة، ونعتبرها شقيقة كبرى وهي أكبر بلد بالمنطقة، وكانت ومازالت تلعب دورا هاما بها، وهي الدولة العربية الوحيدة المجاورة لنا من جهة غزة، وبحكم بعض القضايا التي تحتاج إلى حلّ استراتيجي، فمصر هي التي رعت مساعي التسوية بين الفصائل الفلسطينية في 2012 في عهد الرئيس مرسي، وبغض النظر عن الخلاف مع إخواننا في حركة حماس، نرى أن المبادرة تعكس على أرض الميدان آراء كل الفلسطينيين، ونتمنّى أن كل المبادرات التي تخص شعبنا وقضايانا أن تكون شمولية. الآن، كلما يمضي الوقت كلما زاد التوغل الإسرائيلي في غزة، الأمر الذي يترجم نواياه التوسعية الاستعمارية. علما أنه قد كشف عن إمكانية هدنة إنسانية في عيد الفطر المبارك وتكلم عن إقامة معتقلات بقطاع غزة. وحدة الصف ضد المحتل الغاصب ❊ هل ما يجري في غزة اليوم قابل لتوحيد صفوف الفلسطينيين واتحاد جهودهم في مجابهة المستوطن الغاصب؟ ❊❊ كل ما يجري اليوم بغزة هو إجهاض لعملية الوفاق الوطني وتهرب إسرائيل من استحقاق عملية السلام التي تضمنها أمريكا، ولم يستكمل الوفاق اليوم بسبب الهجوم الإسرائيلي على غزة، لكن ميدانيا فكل الفصائل الفلسطينية موجودة تجابه العدوان، فنحن شعب واحد له أهداف محددة، متحدون لمواجهة ومنع إسرائيل من المضي قدما في مخططاتها الرامية إلى الاستحواذ على المزيد من الأراضي الفلسطينية وتهويد المسجد الأقصى. ❊ تداولت بعض وسائل الإعلام مسألة رفض مصر فتح معابرها الحدودية مع غزة مما أثقل الحمل على مواطنيها. ما تعليكم على هذا؟ ❊❊ مصر لها وجهة نظر فيما يخص معبر رفح، فمسائل العبور مربوطة باتفاقية دولية ل2005، المصريون يفتحون المعبر لدواعٍ إنسانية، وقد تم ذلك منذ بداية العدوان المتواصل على غزة، إذ سمحت مصر بمرور 25 قافلة إنسانية بتعليمات من القائد صبحي وزير الدفاع المصري. كما وصلت إلى غزة مساعدات إنسانية أخرى قادمة من الأردن وقد تم إخراج الجرحى من القطاع. الجرح الموجود بغزة هو وجود 150 ألف متشرد، فالمدارس تُقصف، والملاجئ والمستشفيات والمجازر تنتهك يوميا، كان آخرها اليوم مجزرة الشجاعية التي وصل ضحاياها إلى أكثر من 50 شهيدا، ناهيك عن الجرحى، وإثر ذلك قمنا بتنكيس الأعلام الوطنية لمدة ثلاثة أيام بأمر من الرئيس محمد عباس حزنا على ضحايا المجزرة. همنا الكبير اليوم هو تأمين أماكن للمشردين من ديارهم ولمن هم تحت القصف وللجرحى وإبعادهم عن خطر المجازر. الجزائر قدوتنا في معركة الحرية ❊ اعتبر العديد من المحللين السياسيين والأمنيين أن ما شهده العالم العربي من تزعزع أمني وأحداث خطيرة في السنوات الأخيرة، يخدم حتما مصالح إسرائيل ويقوي شوكتها في المنطقة. هل العدوان الدموي على غزة يعكس صحة هذه المقاربات؟ ❊ أجيب على هذا السؤال بالمبدإ الذي يؤمن به رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة، الذي مازال رمزا للجزائر الفاعلة والسيدة، والذي يتعامل مع الموقف بحكمة رفيعة ويحمل مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين: «إن فلسطين هي الإسمنت الذي يوحد الأمة العربية»، وضرب الإسمنت هو ضرب لصميم الأمة، لأن فلسطين تجمع ولا تفرق. القائد الراحل أبو عمار حين طلب منه في مفاوضات كامب دافييد التنازل عن المسجد الأقصى أجاب: «إن هذا ليس ملكي ولكن ملك العرب والمسلمين، فآتوني بتفويض منهم وموافقتهم»، فقال له مدير المخابرات الأمريكية، يجب أن تعرف وتعلم أنكم تعيشون في منظقة متفجرة ومتغيرة الحدود والشعوب، فانتزع لشعبك دولة. ولابد من إسقاط هذه القصة للإجابة على السؤال وتحليل ما يعرفه العالم العربي اليوم من تغيرات، فنحن كفلسطينيين معنيون بألا ندخل الصراعات الإقليمية وأن تربطنا علاقات جيدة مع الأنظمة العربية، وألا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول. ❊❊ كلمة أخيرة: لن تكون هناك كلمة أخيرة إلا عند تحرير فلسطين، قبل ذلك تبقى السطور فارغة، فعلينا أن نتكاتف حكومة، وأحزابا وأفرادا، لكي نطوي صفحة التخاذل والتراجع والعار.