تعدّ مسألة الأمن الغذائي بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من القضايا التي تحظى باهتمام كبير على كل المستويات العالمية. والجزائر بدورها أدركت هذا وترجمت ذلك في سياساتها الوطنية، لاسيما بالقطاعات الحساسة ذات العلاقة الوطيدة بهذه القضية، بينها قطاع الموارد المائية، بهدف مواكبة الاحتياجات المتزايدة للمواطنين وسدها وكذا تلبية الاحتياجات الوطنية للتنمية الاقتصادية المتغيّرة والتي عرفت في السنوات الأخيرة وتيرةً متسارعةً من خلال إطلاق جملة من المشاريع في كل الميادين، ما يتطلب التنسيق المحكم على كافة الأصعدة. هذا الوعي بالتحديات والرغبة في الخروج من التبعية الأجنبية والدفع بالقرار السيادي للجزائر على مقدراتها، تحركت على ضوئه جملة من المشاريع واتخذت قرارات عديدة في قطاع الموارد المائية تهدف بالدرجة الأولى لعقلنة استغلال المياه، سواء في الاستعمال اليومي أو في الفلاحة عبر تقنيات اقتصاد الماء والسقي التكميلي للمشاركة في عملية الحفاظ على المادة الحية التي تكتسي طابعا استراتيجيا في مسار التنمية الشاملة للبلاد لارتباطها الوثيق بالتنمية المستدامة. ولأن الماء في الجزائر مورد نادر وثمين، يقتضي ترشيد استعماله لتلبية حاجيات السكان والاقتصاد الوطني، دون رهن حاجيات الأجيال القادمة. وبُدئ العمل في هذا الإطار، بالرفع من الحظيرة الوطنية للسدود التي ينتظر أن تصل إلى 84 سدا بطاقة تخزين إجمالية تقارب 09 ملايير متر مكعب من المياه، لهدف استراتيجي يرمي إلى زيادة تعبئة الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية، لضمان تغطية الاحتياجات المنزلية والصناعية والفلاحية من المياه، وإعادة تأهيل وتطوير الهياكل القاعدية لنقل مياه الشرب وتوزيعها لتقليص الخسائر وتحسين نوعية الخدمة من خلال إعادة النظر في التسيير. يضاف إلى ذلك، إعادة تأهيل وتطوير شبكة الصرف الصحي ومعالجة المياه القذرة وتصفيتها لإعادة استخدامها كمورد مائي محدود، وتحديث وتوسيع المناطق المسقية إلى مليون هكتار لدعم استراتيجية الأمن الغذائي، إلى جانب الإصلاح القانوني والمؤسساتي والتنظيمي لضمان تحكم أحسن في المياه وتحسين مؤشرات التسيير. وإدراكاً لهذا الهدف، تساهم مختلف الهيئات والمديريات الخاضعة لوزارة الموارد المائية في إطار استراتيجية واضحة ومدروسة، لبلوغ الأهداف المرسومة، لاسيما ما تعلق بتوسيع المساحات المسقية من خلال تمكين الفلاحين، لاسيما الشباب البطال، من الاستفادة من الموارد المائية وتشجير المساحات الصالحة للزراعة بالأشجار المثمرة، لاسيما تلك الواقعة بالقرب من السدود، تطبيقا للتعليمات المقدمة من الوزير المسؤول عن القطاع وقبله الوزير الأول في هذا المجال. الديوان الوطني للتطهير شريك فعال في استرجاع المياه المستعملة يساهم الديوان الوطني للتطهير «لونا»، باعتباره المؤسسة المسؤولة عن إعادة استرجاع المواد المستعملة وإعادة استعمال المياه المعالجة، في إطار عمل مخطّط وتطوّعي، يهدف إلى إنتاج كميات إضافيّة من المياه، لمختلف الاستعمالات، حيث تتجسد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في الجزائر من خلال ثلاثة أبعاد اجتماعية، اقتصادية وبيئة. وبحسب رفيقة خشبة، رئيسة مصلحة إعادة استعمال المواد المنبثقة من التطهير بمديرية الاستغلال والصيانة، تتمثل استعمالات المياه المعالجة التي تضخها «لونا» في منحها بالمجان للاستعمالات الزراعية عبر الري، وهي الأكثر شيوعا، حيث تسمح باستغلال المادة المخصّبة الواردة في هذه المياه، وبالتالي المساهمة في توفير أسمدة فعّالة. يضاف لذلك، استعمالات في سقي المساحات الخضراء، غسل الشوارع، تزويد المسطحات المائية، مكافحة الحرائق، سقي ملاعب الغولف وورشات الأشغال العموميّة واستعمالها لتثبيت الطبقات القاعدية للطّرق وذلك كله عبر البلديات، إلى جانب الاستعمالات الصناعية في التبريد وتحسين المنابع عبر تزويد المياه الجوفية لمكافحة تراجعها والحماية من تسرب المياه المالحة إلى الشط. وبخصوص الإمكانات الحالية لديوان التطهير، أوضحت رفيقة خشبة، أن «لونا» تحصي، اليوم، 107 محطّة تطهير مستغلّة، تتواجدة في جميع أنحاء الوطن، هناك 17 محطّة معنيّة بإعادة استعمال المياه المعالجة في الزراعة، يتعلّق الأمر بمحطة كوينين بالوادي، ورقلة، قالمة، بومرداس، سوق أهراس، غريس، تلمسان، معسكر، بوحنيفية، حسين، وادي طرية، هاشم، سهوارية، تيزي، محمدية، عين حجار وبرج بوعريريج، وفي نهاية سنة 2014، سيقدر الحجم المعاد استخدامه ب20 مليون متر مكعب/سنة، لسقي ما يقارب 12 ألف هكتار من المساحة الزّراعيّة. وفيما يتعلق بالآفاق التي يطمح إليها الديوان، تحدثت رئيسة مصلحة إعادة استعمال المواد المنبثقة من التطهير، أن إمكانيّة إعادة استعمال المياه المعالجة بشكل ملحوظ ستتطور، بالانتقال من حوالي 20 مليون متر مكعب سنة 2014 إلى حوالي 40 مليون متر مكعب سنة 2019، وسيصل عدد المحطّات المعنيّة بإعادة استعمال المياه المعالجة إلى 26 محطّة تطهير سنة 2019. ويبلغ عدد محطّات التّطهير المعنيّة بمشاريع في طور الدّراسة أو الإنجاز لإعادة استعمال المياه المعالجة، 26 محطّة ستوجه لري أكثر من 13 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ومن بين هذه المشاريع شلغوم العيد، ورقلة، سعيدة، تيارت، الشلفسطيف، المديّة، سيدي بلعباس وعين الدّفلى. وفي المقابل، هناك خطّة عمل بين الدّيوان الوطني للتّطهير والدّيوان الوطني للسّقي وصرف المياه في طور الدّراسة، لتحديد الفرص الحقيقية لاحتمالية إعادة استعمال المياه المعالجة لري المساحات الكبرى على مستوى خمسة أحواض هيدروغرافيّة على المستوى الوطني،يتعلق الأمر بالحوض الهيدروغرافي الوهراني - الشط الشرقي، والشلف زهراز، شط الجزائر الحضنة، التل القسنطيني، سيبوس وملاق، الصحراء. استغلال 25 محيطا وسقي 207 ألف هكتار وإلى جانب «لونا»، يهتم الديوان الوطني للسقي وصرف المياه، بتسيير واستغلال 25 محيط سقي بحوالي 207 ألف هكتار مجهزة، والرقم مرشح للارتفاع في السنوات القليلة القادمة بحوالي 400 ألف هكتار من المساحات المجهزة، تمشيا مع سياسة الدولة الرامية لرفع المساحات المسقية والعمل على رفع الإنتاج والمساهمة في بلوغ الأمن الغذائي. مشاريع متعددة للرفع من الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي في نفس السياق، يقوم الديوان بتجهيز محيط السقي مليطة بوهران. ويعتبر هذا المشروع، الأول إفريقيا من حيث المساحة التي تضاهي 5160 هكتار. وضمن المشاريع التنموية والمساهمة في رفع الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي غذائيا، قام الديوان بتجهيز بيوت بلاستيكية للزراعة خارج التربة، بالاعتماد على المياه الحرارية الجوفية من خلال الآبار الآلبية التي تتميز بحرارة عالية تفوق 60 درجة، يتم توظيفها للتسخين وسقي الشتائل. وعرفت التجربة نجاحا في منطقة المغيّر، وهو ما جعل الديوان يستثمر في هذا المجال عبر تجهيز ما يقارب 40 هكتارا بالبيوت المجهزة لإنتاج المحاصيل الزراعية المبكرة في تقرت، بما يسمح حتما بتوفير الإنتاج الجيد في غير موسمه واستحداث مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة، ما سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني.